التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أردوغان ونفي الخرائط المستقرّة

يعكس أردوغان بسلوكه السياسي انهيار أحلامه التي علقها على ما يعرف بمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تزامن مع وصوله إلى مؤسسة تحكم بلادا كانت تعاني من تراجع دورها وهشاشتها الداخلية.
الثلاثاء 2020/10/06

من شدة استغراقه في الخرائط المتشظية، وهو يوزع طاقته في التدخل حول العالم، نسي الرئيس التركي رجب أردوغان الأعراف الدبلوماسية وهو يتهجم على دول منطقة الخليج العربي، ويعدها بشكل سافر أن يرفع علم بلاده على أراضيها.

تحول أردوغان بإستراتيجيته من مجرد تصدير أزمة بلاده الداخلية، إلى تبني مبدأ التوسع البشع خارجها، والتعاطي مع كل بؤر الصراع بمنطق تدخلي حاد، ألهب مشاعر عداء الشعوب قبل الحكومات ضد تركيا.

يعكس أردوغان بسلوكه السياسي والخطابي انهيار أحلامه العريضة التي علقها على ما يعرف بمشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي تزامن مع وصوله إلى مؤسسة تحكم بلادا كانت تعاني من تراجع دورها وهشاشتها الداخلية وتكدس ملفات الفساد ودور سلبي للجيش، وتمكن من إعادة هندسة البلاد حتى أضحت تحت سيطرته الكاملة.

ويصر أردوغان على التفكير من داخل شبح استعادة العثمانية؛ بعض الكلمات التي استخدمها في خطابه الأخير ضد دول الخليج وجاءت من نوع “دول لم تكن موجودة من قبل، ولن تكون في المستقبل”، وهي تحمل دلالات سيطرة هذا الحلم على مخياله وانزلاقها على لسانه يؤكد ذلك، وقد أصبح الآن يجاهر بها بعد أن كانت مستترة لعقد تقريباً.

تنضم تركيا في عهدة أردوغان ومشاريعه الهادفة للتوسع الإمبراطوري، إلى جارتها اللدود إيران، ويصطف أردوغان إلى جانبها، بوصفهما أصحاب دور سلبي واستقطابي يبدد استقرار المنطقة ويستنزف قدراتها، ويوظف لخدمة الأجندة الخارجية، طوابير الولاء الأيديولوجي المندسة في صفوف شعوب المنطقة.

يصر أردوغان على التفكير من داخل شبح استعادة العثمانية؛ بعض الكلمات التي استخدمها في خطابه الأخير ضد دول الخليج

لقد قدمت الظروف غير المستقرة للمنطقة العربية بعد ما يسمى بالربيع العربي، فرصة ذهبية لأنقرة وطهران لتحقيق نوايا التوسع، لكن إخفاقات الجماعات الإخوانية في الانفراد بحكم البلدان التي آلت إليها بعد الثورات، حطمت أحلام أردوغان التي أضحت مثل صخرة سيزيف عبئا يحمله على عاتقه في كل بؤر الصراع التي توزعت في المنطقة وتورطت فيها تركيا.

بخليط من مشاعر الهزيمة والغضب، يوزع الرئيس التركي طاقته المستنزفة على الخرائط المكشوفة، يلملم أشتات مشروعه الذي تبعثر في كل مكان، جلس مرة قبالة نظيره الروسي فلاديمير بوتين وهو يفرد خرائط الشمال السوري لتنفيذ العلميات التركية في سوريا والتي أطلقت أنقرة عليها اسم “نبع السلام”.

ومرة أخرى وعبر بث تلفزيوني استعرض أردوغان وهو يؤشر بجهازه الليزري على الشاشة المصقولة أمامه خارطة ليبيا ويصرّ على استمرار عملياته العسكرية وتحقيق أهدافه الاستعمارية.

هذا العقل الخرائطي، الذي لا يلقي اعتباراً للحدود والمواثيق والقوانين التي استقرت عليها السياسات العامة في المنطقة، يذكرنا بسلوك تنظيم داعش حينما كان ينسف الحدود بين سوريا والعراق، ويغمر المناطق بعناصره المتحفزة للموت.

وهو أيضا يذكرنا بمسؤولية حكومة أنقرة في إضعاف الدول المحيطة، وتمكين عناصر الرايات السوداء من تفخيخ الخرائط وتسريبهم إلى دول الجوار، وفي تحويل حدود الدول إلى مناطق رخوة وهشة ومثخنة بالأوجاع، حتى يمكّن أردوغان لأحلامه أن تتحقق.




الرابط:



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم،...