التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الخليج.. نهايات وبدايات

 

تشترك دول الخليج في منظومة التحديات الراهنة وإن تفاوتت تأثيراتها من دولة إلى أخرى تماما كاختلاف استجابتها وردة فعلها تبعا لاستعدادها الاقتصادي وانسجامها السياسي.

الثلاثاء 2020/10/20

في فترات زمنية قصيرة، شهدت بعض الدول الخليجية رحيل زعماء كانوا لعقود يحتفظون بالطابع التقليدي للسياسة الداخلية والخارجية، كانوا رموز مرحلة سابقة، كانت الظروف والتحديات والآمال غير ما هي عليه الآن، فقدت كل من سلطنة عمان قابوسها، ودولة الكويت صباحها، واندلعت الأسئلة عمّا إذا كان هذا الرحيل إيذانا بنهاية جيل وبداية مرحلة، لاسيما وأن الواقع الجديد الذي يحيط بالمنطقة، وفي القلب منها الخليج، يلحّ بتغيير استجابة دوله ومراكز قراره لهذا الواقع.

بالإضافة إلى رحيل أمير الكويت وسلطان عمان، فإن دولا مثل السعودية والإمارات والبحرين، شهدت خلال الخمس سنوات الأخيرة صعودا لوجوه شابة في مواقع صنع واتخاذ القرار، وتبني سياسات أكثر جرأة وإقداما في الكثير من الملفات والمسائل، مما يشكل برهانا آخر على نمط وتوجه جديد في مياه الخليج على ضفته العربية.

تعدّ دول الخليج العربي دولا ذات طابع شخصي، بمعنى أن حضور شخص أو غيابه، يؤثر في الاتجاه العام للسياسة، رغم كل الجهد المبذول في التشاور والتحري وجهود مأسسة المنطق التفكيري، لكن الطابع الشخصي يلعب دوره، بما يجعل التغيير مرتقبا ومحتملا عند غياب شخص ووصول آخر.

الخليج

تصرّ العواصم الخليجية في كل مرة، أنها مستمرة في تبني من خَلَفَ، سياسة من سَلَفَ، لأنها تميل إلى إحداث التحولات بهدوء على أن تجاهر بها أو تعلن باتخاذها، لأن الاستقرار وإبلاء الثبات في المواقف من أهم بنود الاستمرار في الطبيعة الخليجية وتاريخ سياستها التوجيهية، لأن زعزعة أنظمة التوازن مضرّة، وغير مضمونة العواقب.

لكن اللحظة غير المسبوقة والمألوفة من هشاشة المحيط العربي، وديناميكية المنطقة، تحتم عليها اتخاذ سياسة انقلابية في نهج الدول الخليجية، وتلحّ على تبديل مفردات استراتيجيات العمل والاستجابة، بما يجنبها الغرق في وحل المشكلات والخروج بمأمن من نفق الظلام الذي ابتلع المنطقة وذهب بالكثير من عواصمها وحواضرها التقليدية، ولا يزال مستقبل المنطقة سخيّا بالمفاجآت والوعود غير الآمنة.

لا يمكن البقاء عند منطقة الهواجس القديمة، ولا مراعاة المخاطر التي عرقلت الكثير من فرص اتخاذ الخطوات، وقطع المسافات نحو التغييرات الجريئة، لا يسع الخليج الاحتفاظ بآلة زمن الماضي، ولا كسب الرهان على التكتلات الشكلية التي تؤطر الخيارات المنفردة، التي أخذت مؤخرا شكل ثنائيات عملية لاختراق المحظورات التقليدية. يحتاج الخليج دائما إلى الابتكار في سياساته، وإلى نقض ورفض القيود الشعاراتية، وترجيح البراغماتية أكثر.

كما أن تعدد الخطوط والاستقطابات داخل البيت الواحد، يؤثر في وضوح الرؤية، وغياب ظهير شعبي يتوفر على خدمة الأجندة الوطنية، ويستنزف طاقة الدولة ومؤسساتها، ويبطئ من سرعة انطلاقها في فضاء الإصلاح، وكلما اشتد الاستقطاب وتشظّى الإجماع الوطني، انفرط العقد وانحرفت البوصلة وتكثف الضياع وشتات الأمر، وبذلك فإن قطع الطريق على هذا من ضرورات المرحلة.

يكاد التاريخ المؤَسَس عند اللحظة الماضية العتيقة أن يبتلع المنطقة، أو تغص به، مفردات الزمن القديم، يشوبها التردد والتمهل والانتظار، بما يؤجل قطع الأشواط المفيدة نحو التغيير الضروري، ويزيد من كلفة التأخير وأعباء التسويف.

إن “المشاريع العملاقة كوسائل تحويلية للاقتصاد” و”التغييرات المثيرة” في شكل ونهج دولة خليجية ما، قد تكون كافية على المدى القصير لقيادة دفة البلد إلى المستقبل الجديد، واختراق حاجز الزمن، لكنها بحاجة إلى دعامة استراتيجية تتبنى منهجا طويل المدى، وبعيد الأجل، لتأبيد حالة الانتعاش، ونفي مخاطر انسداد الأفق، وتعاظم أسباب التململ وتزعزع الدولة.

ولأن أغلب دول الخليج تبدو، نظرا لحجمها الجغرافي والبشري الصغير، بشكل يؤثر في درجة فاعليتها السياسية، فإن تبني سياسات منفردة وشاذة أحيانا عن السياق الخليجي، بغرض إعطائها درجة أفضلية من الأهمية، ستكون تبعاتها مكلفة ومزعجة للجيران نتيجتها الشقاق الكبير والمضني.

الخليج

هموم الاقتصاد تضاعفت بانخفاض أسعار النفط، وتأثيرات جائحة كورونا، والارتفاع النسبي في معدلات البطالة، وتعثر في بعض برامج التحول الاقتصادي، والركود التجاري والسياحي، وفعالية خطط العلاج والملاءمة، فضلا عن رياح التطبيع التي تهب على المنطقة بكل أحمالها السياسية والإستراتيجية، بين وعود المرحلة الواعدة، وخسارة الخروج من قطار الزمن، وما يتصل بذلك من مسائل الأمن الشامل، والمخاطر المستجدة والمتجددة بشأن إيران، والتطرف وفائض الفوضى المتأججة في المحيط الإقليمي، وليس بعيدا عنها حسابات المحك في البيت الخليجي، وأفكار الخروج به من إطار التوتر والقلق على مصيره، إلى مرحلة جديدة من هندسة دوره وحضوره.

واشنطن ليست دائما على نفس الطريق، تعزز الوقائع لاسيما الأخيرة منها هذه العبارة التي ربما تكون عنوان المرحلة، لا يمكن شحن احتمالات مستقبل المنطقة ونحن على حافة الترقب، فثغرات الانتظار تنفذ منها الشكوك والحيرة وضياع البوصلة، كما أن تقديم كل دولة لذاتها منفردة من إطارها الخليجي، يؤثر في تقديرات واشنطن لحجم التأثير والانفتاح على التغيير.

تشترك دول الخليج في منظومة التحديات الراهنة، وإن تفاوتت تأثيراتها بين دولة وأخرى، تماما كاختلاف استجابتها وردة فعلها، تبعا لاستعدادها الاقتصادي وانسجامها السياسي، على أمل أن تحقق البدايات الجديدة، سواء جاءت بعد رحيل قائد محوري أو نتيجة تدشين مرحلة ما، ثمرة الخروج إلى بر الأمان ومرافئ الاطمئنان.

الرابط:



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...