التخطي إلى المحتوى الرئيسي

شركات قوية، وأعمال وطنية ضعيفة

 


كان اليوم الوطني السعودي الأخير بمثابة منصة عريضة، شاركت فيه الكثير من الجهات الرسمية والمجتمعية والتجارية بأعمال للاحتفاء بالمناسبة، والتعبير عن مشاركة الشعب السعودي في ذكراه الوطنية العزيزة.
لكن أخطاء وقعت فيها بعض الأعمال جعلتها محل تندر وانتقاد كبيرين، لأنها ظهرت بشكل لا يليق بالمناسبة، أو خارجة عن المألوف، في حضور غريب وسطحي تمامًا، سواء أتعلقَ الأمر بالكلمات التي جاءت خليطًا غير متجانس وبلا معنى، أو بالصور المصاحبة التي حاولت تجسيد ما يبدو كمواطنين سعوديين يرتدون الأزياء الرسمية أو التقليدية، إلا أنها كانت شيئًا آخر لا يمتّ للسعوديين ولا لمظهرهم بصلة.
الأغنية التي طرحتها شركة بيبسي، شارك فيها فنانون محليون ومألوفون لدى الجمهور، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا لكبح التهور الذي تسبب في جمع كلمات متناقضة في أغنية واحدة، وكأن الكتابة لها كانت لعبة حظ، وتقوم على رصف الكلمات والأفكار كما تخطر في البال، لتنضم إلى غيرها في أغنية رديئة لم تتماسك أكثر من سويعات على شبكات التواصل.
وفي عمل شركة كنتاكي، اكتشف الجمهور السعودي أن تعدادهم زاد بين ليلة وضحاها لأكثر من 30 مليونًا، وتعرفوا على طرق غريبة لارتداء الشماغ ووضع العقال على الرأس، كأن يغطس نصف الرأس وسط العقال، بفضل الصور المصاحبة للأغنية الغريبة التي طرحتها للاحتفال باليوم الوطني.

أما العمل الذي قدمته شركة موبايلي للاتصالات، كان لا يقل سوءًا عن سابقيه حسب الجمهور، رغم أنه غاب عن الأضواء وسط زحام الأعمال الركيكة وغير المناسبة، كانت الإعلانات التشويقية التي سبقت طرحه كبيرة وكثيرة، وجاء العمل محبطًا بنفس القدر من التشويق والإثارة والانتظار.
اضطرت بعض هذه الأعمال أن تختفي تمامًا، لتدارك الحرج الذي وقعت فيه المؤسسات والشركات التي تبنتها وطرحتها للجمهور، وكانت ردود الفعل المجتمعية على خلاف ما يؤملون، نقد لاذع وانزعاج كبير، وسخرية عالية من رداءة الأعمال.

إذا كانت الخطة التي اتخذتها هذه الأعمال، هي تحقيق الانتشار عبر الدعاية السلبية، فهو خطأ مركب، لأن لبّ العمل الدعائي هو تحقيق انطباع إيجابي، وطرح عمل خالٍ من الاستفزاز والكوليسترول معًا، وإثارة الانتباه في مناسبة مهمة ولها عمق اجتماعي وثقافي لها مردود سلبي على الدعاية والشركة الراعية.
من جهة أخرى، فإن مفهوم "صناعة المحتوى" عالمي، بدأ من المجتمعات الصناعية وتبلور مع الوقت، متزامنًا مع الفورات التجارية وتحولات سوق الإعلان وصناعته، وله أدواته العلمية -التي تعتمد على الإنتاج الأجنبي بالأساس- ويقاس بها ويبنى على أساسها اللائق للطرح من غيره، لكن هذا لا يعني الانفصال تمامًا عن الثقافة المحلية للجمهور المستهدف، بل يشكل عنصر مراعاة المستهدفات المحلية للثقافة المخاطَبة واحدًا من أبرز شروط هندسة المحتوى ووضع لبناته.
ولا بد أن تُراعى الثقافة المحلية حتى في التفاصيل الدقيقة للأعمال، عندما اضطر معلّق الصوت المعروف (وائل حبّال) أن يخاطب الجمهور السعودي في إحدى دعايات السيارات بلهجة محلية وقع في الخطأ، وتداركت الشركة ذلك، وحولت الموقف إلى فرصة لخلق منافسة بين معلقين سعوديين يعيدون طرح الدعاية بلهجتهم الأصلية، كما أن الإلمام بقيمة المناسبة مهم لصناعة عمل يليق بها، وهذا يتأتى عبر عملية بحث مسبق توفر الكثير من عناء واحتمالات الوقوع في الخطأ -الفادح أحياناً-، مثل الاستخفاف بقيمة وطنية أو تجاوز إحدى محظورات الثقافة المحلية بسبب كسل الجهات المعنية في إعطاء الجهد والوقت الكافيين لاستيعاب المناسبة المستهدفة.

لا شك أن الشركات تتنافس على فرص انتباه الجمهور، وتسجيل النقاط، سيما في المناسبات الدورية التي تتزاحم خلالها الأعمال، وتستهلك الأفكار الممكنة لتحقيق الهدف. إن محاولة الابتكار والتقاط الجِدة والإثارة مهمة ومفيدة دائمًا، لكنها قاتلة أحيانًا، وتنعكس سلبًا عند اعتساف الأفكار والإمعان في تبني الغرابة.

الكاتب: فريق ذات

 

نشر بتاريخ: 2020-09-28


الرابط :

http://thatar.com/BlogDetailPg.aspx?Id=sFxSd0J5k4A=




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...