التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التغيير في السعودية رسالة أمل لبقية بلدان المنطقة

الرؤية الجديدة للمملكة تراهن على نشر الاعتدال الديني للخروج من أقبية التشدد والانغلاق.

الجمعة 2019/12/27
بعد تراجع دور مصر ولبنان الثقافي والتنويري في عموم المنطقة، انتقل التأثير المركزي إلى الإقليم الخليجي تحديدا وزاد حجم فاعلية هذه البقعة الجغرافية، وتضاعف تأثيرها في المنطقة. وبعد أن كانت السعودية تلعب دورا محافظا لا يهتمّ بموقع الصدارة ولا قيادة الموقف رغم مركزيتها الدينية، فإن الظروف التي عصفت بالمنطقة حتّمت على الرياض أن تتقدم خطوات إلى الأمام اعتمادا على رؤية وليّ العهد الشاب الأمير محمد بن سلمان التي شملت جميع المجالات والميادين. وزادت شمولية الرؤية واهتمامها بكافة الجوانب من إشعاعها لتكون بارقة أمل للمنطقة ونموذجا يمكن الاهتداء به للخروج من أقبية التشدد والانغلاق للالتحاق بركب العصر والتحديث.
يشكل قرار وخيار التغيير في السعودية تأثيرا واسعا يتجاوز حدودها إلى محيطها الإقليمي وربما الدولي، والفضل في ذلك يعود إلى مركزيتها الدينية والثقافية والجغرافية، بمعنى أن تفضيلاتها المحلية في الشأن الديني أو السياسي أو الثقافي سيكون لها مردودها على بقية المنطقة، وتأثيرها في السيرورة التاريخية التي تخيّم في سمائها وتشكل مستقبلها.
المستقبل، في واقع الحال، هو رهن الخيارات الكبرى التي تُتخذ الآن، وراهن المنطقة في يد العواصم ذات القرار المؤثر، مجتمعة كانت أو منفردة، لأن حالة التيه والانسداد الذي يعاصره العرب، سيؤول إلى نتيجة ما، وإذا لم تشارك العواصم العربية المهمة في صناعته – لاسيما تلك المتصلة بهوية المنطقة وشكل اللاعبين النافذين في قلب معادلاتها المحلية – ستبقى في أسر الخيارات الخارجية المستقوية بضعف العرب وإحجامهم.
لقد كانت مصر محور العالم العربي، ينتشر تأثيرها الثقافي والتنويري في عموم المنطقة، بفضل ما تمتعت به من نهضة سبقت إليها بقية الأقطار العربية التي كانت متأخرة وربما متخلفة، وكانت القاهرة تمدهم بالكفاءات التعليمية والصناعية والعسكرية والسياسية، لكن ولظروف مجتمعة، تراجع الدور والتأثير المصري، ولعلها ستستعيد ذلك قريبا بعون أشقائها العرب والخليجيين تحديداً، رغم كل التحديات الشاقة والمشكلات المترسبة في عمقها المحلي التي تقتضي الصبر والانتظار الطويل.
خيار التغيير في السعودية يفعل ما يشبه الإنعاش للمنطقة، لاسيما أن القرار جاء شاملا وعارما، واستهدف كل المجالات
وكذلك كان لبنان في لحظة ليست بالبعيدة من التاريخ، منارة ثقافية، تشع منه أنوار الحضارة، ويضخ الكفاءات في كل الخارطة العربية التي لم تكن بعد قد قامت لها قائمة، ولكن التأثير اللبناني هو الآخر انحسر وتراجع.
انتقل التأثير المركزي، إلى الإقليم الخليجي تحديدا، زاد حجم فاعلية هذه البقعة الجغرافية، وتضاعف تأثيرها في المنطقة، السعودية كانت تلعب تاريخيا دورا محافظا لا يهتمّ بموقع الصدارة ولا قيادة الموقف، رغم مركزيتها الدينية على أساس أنها حاضنة الحرمين الشريفين بكل حمولاتهما التاريخية والمعنوية، لكن السعودية لم تهتم بأكثر من لعب دور مساند أو وازن في كل المفاصل الحادة التي اعترضت المنطقة.
لكن الظروف التي عصفت بالمنطقة، حتّمت على الرياض أن تتقدم خطوات إلى الأمام، إلى المركز في معادلة التأثير، وزاد ذلك من إشعاع الخيارات التي تتبناها بما ينعكس بصورة مباشرة أو غير مباشرة على المحيط الإقليمي، فضلاً عما له من صدى في الحيز الدولي والعالمي.
لقد كان الدور منتظرا من السعودية، لأمرين، أحدهما من واقع مركزيتها في الوجدان العام، والآخر لأن الكثير من تلك المنارات العربية أظلمت وتراجعت، وأصبح دورها قاصراً عن التأثير، وكادت سماء المنطقة أن تتلفع بالسواد، فيما واقعها يغوص في هاوية من التراجع الذي يشبه السقوط الحر في كل المجالات.
ويفعل خيار التغيير في السعودية ما يشبه الإنعاش للمنطقة، لاسيما وأن القرار جاء شاملا وعارما، واستهدف كل المجالات، ولا بد أنه سيترك تأثيرا، قد لا يرقى إلى انتشال المنطقة من وهدتها، لأن لكل بلد شروطه الموضوعية بشأن النهضة المحلية.
تتعاطى السعودية اليوم بنمط من الاعتدال في مقابل التشدد، بعد أن كانت رياح التطرف تعصف بالمنطقة، وكانت كل الحلول عاجزة دون مراجعة التراث الديني الذي تحتفظ السعودية بأحد نماذجه ونسخه الأكثر عراقة، وتتبنى الصيغة السعودية اليوم مفردات أكثر انفتاحاً وتجدداً وتراهن على المكون الوسطي في المحتوى الديني الذي تنشده وتتعامل على أساسه.
سيلعب هذا دوراً عريضاً في تفتيت بنى التشدد التي انعكست على الكثير من المجالات، ففيما يتصل بشأن المرأة مثلا، سيكون حقها في المساواة والتمكين عاليا ومرتفعا، بفضل الفرص الواسعة التي حصلت عليها المرأة السعودية، ولأنها تعيش في منطقة جغرافية تشكل النبع الاجتماعي لكثير من المحيط العربي، سيساعد خلق النموذج في توسيع رقعة التماثل والتأثير، ولعل مثال قرار السماح للمرأة الإيرانية بالدخول إلى ملاعب كرة القدم بعد أن كان محرماً ويعرّضها للمحاكمة، جاء بتأثير وإيحاء من جارتها السعودية بعد أن سُمح للمرأة فيها منذ فترة قصيرة بأن تشارك الجمهور في ملاعب كرة القدم.
وعلى هذا المنوال سيكون تأثير وامتداد الخيارات السعودية في بقية القطاعات والمجالات، وفي دفع الدول المشلولة أو المحتبسة في أقبية التشدد والانغلاق أن ترخي قبضتها، وتنسجم مع تيار السلم والعصرنة والتحديث، والتخفيف من وطأة التوتر والفوضى والانفلات التي تضغط على المنطقة وتفوّت الكثير من الخير على أجيالها.
فضلاً عن الخيارات الدينية والثقافية والاجتماعية، سيكون لزيادة حيوية العمل الرسمي الذي اتخذته السعودية اليوم تأثير على بقية دول وحكومات المنطقة في وجه الشلل العام الذي كان يكسوها، وتسبب في خلق اضطرابات واحتجاجات واسعة انتهت إلى وجوه مختلفة من الشقاق والحرب الأهلية وخراب المدن والحواضر العربية.
وكان لا بد لهذا أن يتوقف، وأن تعيد الحكومات والأنظمة الرسمية القائمة والمستحدثة النظر في طبيعة عملها وواجباتها تجاه مجتمعات جديدة متطلبة وساخطة على عجز الحكومات عن تلبية حاجاتها المختلفة.
كما أن زيادة الجهد السياسي الذي تبنته عدد من العواصم الخليجية بقيادة الرياض وأبوظبي، سيكون له فضله الإيجابي على المنطقة، وسيزيد من تحصينها من المشاريع الإقليمية الجارة التي تستهدف إضعافها وإنهاكها واستنزاف ثرواتها.
الدور المهم الذي تتبناه كل من الرياض وأبوظبي مهم في مقاومة الاختراق الخارجي، وكذلك قرارها الجاد لمحاربة الفساد في شكل حملات قاسية على أباطرته أو تنظيم قوانينه المحلية، فضلاً عن سعي حثيث ودأب جاد لتوطين عمليات التصنيع العسكري وأنظمة وبرامج ومعارض السلاح، التي ومع الوقت ستكون ذات شأن في زيادة تحصين المنطقة من ابتزاز القوى الكبرى وعبثها بمستقبل المنطقة وأمن شعوبها.

الرابط :


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم،...

ماذا يخطر في بالك ( 5 ) ؟

هنا أنقل بعضاً من منشوراتي على صفحتي في ( الفيس بوك ) . راجياً لكم النفع والفائدة  . ضعف التقدير يقود إلى سوء التقرير . .................. كلما كان واقعك ثرياً وغنياً ، بارت بضاعة خيالك الواهم . …………… إذا أحببت شيئاً ثم التقيت به بعد غياب فكأن الروح ردت إليك بعد غيبة الموت ، أو العقل عاد بعد جنون ، أو الذاكرة استفاقت بعد غيبة . كل الأشياء الرمادية تسترجع ألوانها الزاهية ، والروائح الزاكية تستجرّ عنفوانها ، والمشاعر اللذيذة تستعيد عافيتها . ما يفعله الشوق بك من ذهاب العقل وغيبة الذاكرة وموات الروح ، يفعل بك الوصل أضعافه من الفرح والطرب والنشوة . لقد جُبل هذا القلب على الإلف بما يحبه والتعلق به حتى يكون بمثابة الطاقة الموصولة بألياف الكهرباء ، أو الزيت الذي يقدح النور ، والجمر الذي يستفز أعواد البخور . وإذا غاب المحبوب واستبد بك الشوق انطفأ نور الوجه وضاقت النفس وذهب الفرح حتى يعرف ذلك في حدة طبعك وانغلاق عقلك وعبوس وجهك ، فإذا التقى المحبوبان والتأم القلب عادت المياه لمجاريها وشعشع الوجه واتسع الثغر وانفرجت الأسارير . سبحان من خلق . ……………… إذا كنت...