التحول الرقمي للصحف الورقية دون مراعاة أبجديات الصحافة محكوم بالفشل.
الاثنين 2020/01/20
لا تزال الصحافة في العالم العربي تواجه تحدي النجاح في مهمة التحول الرقمي، وتشكل الظروف الضاغطة والإعلانات المتتابعة لإغلاق صحف عربية شهيرة وذات تاريخ عريض في المهنة، دافعا وحرجا كبيرا على تلك التي لا تزال تتنفس بصعوبة شديدة.
تشهد المؤسسات الإعلامية سباقا متسارعا للتحول الرقمي في ظل توجه عالمي نحو المنصات الرقمية التي قادت تغيرات في ثقافة المتلقي وتوجهات جديدة في صناعة الإعلام.
وتمر الصحف الورقية بأزمة كبيرة لا يمكن إنكارها: أعداد المبيعات تنخفض، وعزوف القراء يتزايد، ودرجة تأثير الجهد الصحافي في الشأن العام في أخفض مستوياتها، والآن المستقبل للإعلام الرقمي، لكن التحول يبدو قاسيا على المؤسسات التقليدية لأنه يتجاوز تبديل الشكليات إلى مساءلة المضامين العميقة في نهج العمل وتقاليده وتطوير قدرتها على الاستجابة للمحتوى المعاصر.
التحول الرقمي الذي يلغي أوّليات الصحافة مصيره الفشل العريض، إذ سجلت بعض التجارب العالمية وأخرى محلية إخفاقا وتعبيرا عن فقاعة التحول الرقمي للصحافة، في الوقت الذي تفوقت فيه بعض الصحف العريقة التي احتفظت برصانة المهنة وأدواتها الركيزية في معرض تحولها الرقمي، وحققت نجاحا منافسا في الجانب التحريري والمالي، إذا اعتبر أن الإيرادات هي المعيار الأكثر بروزا في الوهلة الأولى، وينعكس على حيوية المؤسسة وتوفير حاجاتها الوظيفية، والحفاظ على خبراتها وقدراتها البشرية الفذة بدل أن تختفي وتذوب وبالتالي يضعف المحتوى ويتأثر بعزوف الصحافيين المهرة.
استطاعت نيويورك تايمز أن تسجل نجاحا لافتا في تجاوز الإعلان الرقمي، الإعلان المطبوع لأول مرة في إيراداتها بما يتجاوز حاجز الـ700 مليون دولار، فضلا عن تعيين صحافيين جدد، ليصل العدد الإجمالي إلى 1600 شخص، وهو أكبر موظفي غرفة الأخبار في تاريخ نيويورك تايمز.
التحول الرقمي يتجاوز تبديل الشكليات إلى مساءلة المضامين العميقة في نهج العمل الصحافي وتقاليده
هذا يحتم أن يكون التحول مشروطا بالتعامل مع الإعلام كصناعة لها أدواتها وملامحها الخاصة، لأن المهنة ثابتة بتقاليدها ولكن الوسيلة هي المتغير الذي يمكن استثمار راهنيته وشعبيته اللحظية، وليس تحولا مأخوذا بوهج الانتقال وبريق الوسيلة على جدتها وحداثتها دون مراعاة واستيعاب الشروط الموضوعية للنجاح الصحافي المحكوم بتقاليده المهنية.
ويفرض هذا على المؤسسات التعليمية والتدريبية التي تعنى بخلق الكفاءات والكوادر الجديدة في سوق الإعلام، أن تتواضع في وجهة نظرها إلى هذا التحول القسري، وتستجيب لهذا المناخ الجديد الذي ينفي عنه المناهج القديمة ويتبنى أسلوبه الخاص والأكثر ارتجالا وفردية،
وفضلا عن سعة صدر المؤسسات الصحافية العريقة للوافد الجديد بكل إمكاناته التي بنيت خارج الأطر التقليدية واستجابة لحاجات جديدة ولدت في رحم المعاصرة وخارج حسابات هذه المؤسسات وقدرتها على الاستيعاب والتنبؤ.
وكان الدكتور سعود كاتب أستاذ الصحافة الإلكترونية بجامعة الملك عبدالعزيز سابقا، من أوائل المنادين باستعجال الخروج من الهوس بالورق إلى التحول الإلكتروني، لأن مستقبل الورق مهدد بالنهاية، وكان ذلك بالنسبة له واضحا منذ عقدين تقريبا.
يقول كاتب إن هناك حلا واحدا ولا بديل له، لإنقاذ الصحافة المطبوعة، وهو التحول بها إلى التكنولوجيا والمحتوى الرقمي.
وكل التجارب القائمة اليوم للتحول ما زالت قاصرة وضعيفة، وهذه الصحف خاصة الخليجية منها، رغم ما وصلت إليه إلا أن هناك مساحة كبيرة جدا لا تزال متاحة للتطوير والاستفادة من خصائص الصحافة الرقمية، هذه الخصائص بطبيعة الحال تشمل مميزات فنية وأخرى تتعلق بالمحتوى الأصلي.
كاتب، لديه حلم بأن يرى الصحافة الرقمية الخليجية والعربية تتربع في الصدارة في المنطقة بل والعالم، لأن الصحافة الرقمية يجب أن ينظر إليها على أنها قوة ناعمة وكذلك على أنها “قوة دفاع وحماية وردع مثلها مثل القوى العسكرية البرية والجوية والبحرية لوطننا الحبيب”.
وينظر مختصون إلى مستقبل صحافة الموبايل، بأنه مشجع لكنه في نفس الوقت محفوف بالمصاعب، ففي منتدى الإعلام السعودي الذي شهدته الرياض قبل مدة، قدّم مبارك الدجين الذي انتقل من الشاشة التقليدية كمراسل تلفزيوني، إلى التخصص في صحافة الموبايل، ورشة عمل بعنوان “تطبيقات الإنتاج الاحترافي في صحافة الموبايل”، حضرها عدد عريض من المشتغلين بالصحافة التقليدية والتلفزيونية والمتحمسين لدخول هذا المجال بعد أن أصبح متاحا ومشاعا.
وأصبح مبارك الدجين واحدا من المراجع في هذا المجال، حوّل حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي إلى منصات تدريب وتناول كل ما يستجد في عالم صحافة الموبايل، بوصفها نافذة لتقديم المحتوى المتنوع والمتيسر للجميع إذا روعيت شروط المهنة الجادة والحقيقية.
يقول الدجين إن مهنة الصحافة باقية، وصحافة الموبايل أحد الحلول للإنتاج الإعلامي لممارسة العمل الإعلامي، مهمتها توصيل محتوى مسموع ومشاهد لجمهور بطريقة أسهل وأفضل دون التخلي عن المعايير المهنية التي تشكل عامود الصناعة الصحافية، وإن المستقبل لهذا النموذج من الأعمال والمنصات، لاسيما وأن صحافة الموبابل، تصنع الصحافي الشامل وعلى المؤسسات الإعلامية البدء في إحلال كوادرها بجيل التقنية.
تعليقات
إرسال تعليق