التخطي إلى المحتوى الرئيسي

السعودية: لماذا الدرعية؟

كما كانت الدرعية شاهدة على جروح الذاكرة المحلية، ستكون منطلقا لأحلام اليوم؛ وعود المستقبل المبشرة بازدهار هذه البلاد وإعمار أرضها وتنمية أنحائها واستقامة أهلها ورفاه إنسانها.

السبت 2019/12/14
حازت منطقة الدرعية التاريخية في العاصمة السعودية الرياض بكثير من الاهتمام الذي تجاوز محليته إلى البعد العالمي، بعد أن نظمت فيها الكثير من الأحداث العالمية؛ الرياضية والفنية والتراثية .
كان يمكن لهذه البلدة الزراعية الصغيرة أن تُنسى، ولمبانيها الطينية أن تختفي خلف الأبراج العصرية وأن تفقد بريقها أمام المباني الزجاجية التي تحتفظ بوهج الشمس اللاهب، وأن تسحقها قوة المدينة الحديثة الناشئة على جانبها، وتلغي حضورها في نفوس السعوديين. لولا أنهم بحاجة إلى تعريف أنفسهم من هذه النقطة، وتشكيل سردية جماعية لنواتها الدرعية التي كانت مبعث مشروع سياسي فريد انتظم في أنحاء واسعة من الجزيرة العربية، وانخرط أفرادها في أكبر تحوّل تنموي عرفته المنطقة حديثا وشهدت به مخرجاته المادية والبشرية.
فضلا عن إعادة الاهتمام الرسمي بالمنطقة في سبيل توثيق التراث المحلي الذي نشط في العقد الأخير، الأمر الذي زاد زخمه بإضافة مفردات جديدة في وعي وواقع العمل الرسمي والذهنية الاجتماعية، مثل الحفاوة بالتراث المحلي وجودة الحياة والترفيه واستظهار المقدرات التاريخية للبلاد، وانعكس الحال على مناطق ذات رمزية تاريخية في الوجدان السعودي، ومن بينها الدرعية.
ولعلها مفارقة تلفت الأنظار أن الدرعية تشهد أكبر استعادة لحظوتها في الوجدان العام بالتزامن مع انطلاق السعودية إلى رؤيتها الواعدة في 2030، وأكبر قفزة في عمرها المعاصر، وكأنه إعادة استنطاق لهذه البقعة الأثيرة في تاريخها وتجديد لفحوى البدايات المتطلعة لقيام الكيان الموحد.
تمثل الدرعية رمزا وطنيا بارزا في تاريخ المملكة العربية السعودية، فقد ارتبط ذكرها بالدولة السعودية الأولى وكانت عاصمة لها، ولقد شكلت منعطفا تاريخيا في الجزيرة العربية، بعد أن ناصر محمد بن سعود دعوة التجديد الديني التي نادى بها محمد بن عبدالوهاب عام 1744، فأصبحت الدرعية قاعدة الدولة ومقر الحكم والعلم، واستمرت كذلك إلى أن اختار تركي بن عبدالله الرياض مقرا جديدا للحكم وذلك عام 1824.
استمرت الدرعية المدينة الأشهر في جزيرة العرب خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين، السابع عشر والثامن عشر الميلاديين، وظلت مشهورة حتى بعد أن ألحقت جيوش الدولة العثمانية التدمير بها وبمحيطها الجغرافي، سنة 1818.
في سنة 2010، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة أن حي الطريف في مدينة الدرعية موقع تراث عالمي.
العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز له اتصال أثير بالدرعية، أنعشها من رماد الماضي، وحافظ على عمرانها من انتهاك التوسع العمراني وبشاعة النسيان، تحفظ له الكثير من الحكايات الشفهية شغفه بهذه المنطقة التاريخية، والعمر العريض الذي قضاه أميرا لمنطقة الرياض، مكنه من صون تراثها وإعلاء شأنها وهو الشغوف بالتاريخ والمتيّم بتراث البلاد.
وتحظى الدرعية اليوم، بهيئة رسمية خاصة لتطويرها والمسؤولة عن حفظ وصون وتطوير موقع الدرعية التاريخي، ليصبح إحدى أكبر وأهم مناطق تجمع الفعاليات والأنشطة في العالم، ومعلما عالميا يرسخ القيم التراثية والتاريخية، ويقدم لضيوفه بمختلف أعمارهم، تجارب غنية، ما يجعلها وجهة مميزة يفخر بها الشعب السعودي.
كما خصص موسم الدرعية، وهو أحد مهرجانات مواسم السعودية الـ11 التي أُطلقت على مستوى المملكة بدءا من عام 2019 وتهدف لتحويلها إلى وجهة سياحية عالمية، تصل مدة المهرجان الذي يقام في مدينة الدرعية إلى نحو شهر بدءا من 22 نوفمبر حتى 21 ديسمبر، ويتضمن فعاليات رياضية وترفيهية وثقافية.
واستطاع هذا الموسم بفعالياته المتنوعة أن يعيد اتصال المجتمع السعودي بهذه البقعة التاريخية، مثلما جعلها محط أنظار العالم وهي تشهد أحداثا رياضية عالمية، وجعلها اسما ورمزا مطروحا تحت أضواء الإعلام والاهتمام، كما اختارت وزارة الثقافة المنشأة مؤخرا في السعودية، من الدرعية مقرا لها، ومكانا يعتني بمكونات وخطوات الأمس، لتبني منها حكمة اليوم وبصيرة الغد.
للدرعية علاقة مع المحاولات المتكررة لبناء كيان دولتي، لمرتين في تاريخ المنطقة احتضنت الدرعية جهود إنشاء كيان سياسي يعصم أهل الجزيرة من الفرقة والاحتراب، وشهدت على مكابدات أهلها لتوحيد البلاد، وقد قام الأتراك بتدمير الدرعية قبل 200 سنة وحرق مزارعها وإجبار أهلها على هدم بيوتهم ثم قتلهم.
وكما كانت الدرعية شاهدة على جروح الذاكرة المحلية، ستكون منطلقا لأحلام اليوم؛ وعود المستقبل المبشرة بازدهار هذه البلاد وإعمار أرضها وتنمية أنحائها واستقامة أهلها ورفاه إنسانها.

الرابط :


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...