بعد أن ألقت الدوحة بكل رهاناتها وثقتها في السلة الإيرانية والتركية على حد سواء، اضطرت ومن واقع ارتهانها التقليدي للعواصم الغربية والقوى الدولية وعلى رأسها واشنطن، أن تكون شريكا في عملية معاقبة إيران.
الخميس 2020/01/16
ثمن فادح تضطر دولة قطر إلى دفعه لقاء استمرارها وإصرارها على تبني سياسة ازدواجية تكلفها مشقة ترقيع الأخطاء وسد الثغرات وتجميع قطع أحجية صعبة ومعقدة تورطت فيها وسط هذا البحر الهائج من التحديات.
في ظل ما تتعرض له إيران اليوم من ضغوط وتبعات لسلوكها التخريبي القائم منذ عقود في المنطقة، تُسرع الوفود الرسمية القطرية بمستوياتها المختلفة للسفر إلى طهران، في محاولات حثيثة لاستدراك الوضع وتلافي أي عواقب قد تترتب على ازدواجيتها التي جعلت من إيران ملاذا وخصما في آن واحد.
إذ وبعد أن ألقت الدوحة بكل رهاناتها وثقتها في السلة الإيرانية والتركية على حد سواء، اضطرت ومن واقع ارتهانها التقليدي للعواصم الغربية والقوى الدولية وعلى رأسها واشنطن، أن تكون شريكا في عملية معاقبة إيران، التي أضحت منبوذة ومرفوضة دوليا، وعرضة لغضب الكثير من العواصم الأجنبية، وليس في وسع قطر التي ترتبط بتاريخ من الشراكة مع تلك العواصم إلا الانضمام إلى هذه التركيبة الدولية من السياسات العقابية ضد طهران، في حين أن شراكتها مع إيران لا تزال قائمة ومستمرة في الوقت نفسه.
المستويات المرتفعة من الصدام بين واشنطن وإيران كشفت عيب السياسة القطرية وعلّتها، وخطورة اللعب على الحبال المتناقضة، إذ أصبح في حكم المؤكد بالنسبة إلى إيران، أن الطائرة دون طيار التي نفّذت عملية قتل قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس بالحرس الثوري، قد انطلقت من قاعدة العديد في قطر. وأن العملية تمت بمشاركة استخباراتية إسرائيلية ضمن غرفة عمليات إدارة الغارة الجوية في مقر القيادة المركزية الأميركية “سنتكوم” في العاصمة القطرية الدوحة.
هذا الخليط من التفاصيل المعقدة والمتضادة، استطاعت أن تجمعه قطر على أرضها، كتعبير صارخ عن حجم الارتباك وضعف الأهلية للتعامل مع طموح أعمى لا يراعي الحسابات الدقيقة للمنطق والجغرافيا والقدرة الذاتية على النجاح.
بعد العملية مباشرة طار وزير خارجية قطر، الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، إلى إيران، واستقبله نظيره الإيراني محمد جواد ظريف وهو يضع لونا أسود على علم قطر الرسمي كتعبير عن الغضب المكتوب واللوم الشديد، وقد نما إلى علم القيادة الإيرانية أن قطر شريك بشكل ما في خسارتها لواحد من أبرز قيادييها وعرّاب مشروعها التخريبي والتوسعي.
تبدو قطر وكأنها قدمت نفيا قاطعا بعدم استخدام أراضيها لتنفيذ هذه المهمة، وبراءة ثوبها من دم سليماني وزمرته، أو أن ذلك حدث خارج إرادتها وسلطتها وسيادتها، وستقوم المنصات الإعلامية المملوكة للدوحة ببقية المهمة من تمجيد سليماني وتصوير الحزن على خسارته والتأليب على الأميركان وتبييض صورة المقاومة التي أوغلت في دماء العرب وخسرت وزنها في نفوسهم.
لكن يبدو وكأن هذا الأمر لم يكن كافيا بالنسبة للقيادة الإيرانية، من قبل قطر التي ربما تكون كبش فداء مقنعا بالنسبة لطهران، في ظل المواجهة المكلفة مع واشنطن والعجز عن الذهاب بعيدا في استفزازها والثأر منها.
تكالبت الظروف والأحداث على طهران، وبعد تكاذب وتردد وارتباك، اعترفت بإسقاط الطائرة الأوكرانية عن طريق الخطأ، لينتفض الشعب الإيراني من الداخل في وجه الفشل الرسمي لحكومته في كل المجالات، وخسرت طهران آخر ورقة تدفع بها إلى المجتمع الدولي ليؤازرها في وجه نسخة رئاسية أميركية مصممة على معاقبتها، فيما لمعت لقطر فرصة لإنقاذ نفسها وتقديم تعويض مجز لرأس سليماني.
إذ كشفت مواقع إيرانية أن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد قدم للرئيس الإيراني حسن روحاني 3 مليارات دولار، لسداد تعويضات ضحايا الطائرة المدنية الأوكرانية التي قامت إيران بإسقاطها، الأربعاء الماضي.
وهي الزيارة الأولى لتميم منذ توليه منصبه عام 2013، وفي ظل تأكيد وسائل إعلام أميركية أن عملية تصفية قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني تمت إدارتها في قاعدة العديد القطرية، تأتي زيارة تميم إلى طهران لتقديم المساعدة كنوع من الاعتذار.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق