التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عبدالرحمن الشبيلي وزير التفاصيل غير المرئية في مؤسسات بلاده

شغف الشبيلي بالإعلام جرّبه ومارسه من أبواب مختلفة، في مسيرة طويلة تمتد لأكثر من خمسة عقود، وتنقل فيها بين الكتابة والتأليف والتقديم والإدارة والتخطيط والتعليم.



الخميس 2019/08/22
رحلته الطويلة مع الإعلام المسموع والمرئي والمقروء تشكل معينًا لا ينضب عبر عشرات الكتب والمحاضرات المطبوعة بالمعلومات والتجارب والزوايا غير المطروقة في تاريخ الإعلام وسير الأعلام بالسعودية، وينهل من كتبه ودراساته طلاب الإعلام في الجامعات.
 نعى الوسط الثقافي والإعلامي السعودي المؤرخ عبدالرحمن بن صالح الشبيلي الذي توفي في الرياض بعد نقله بطائرة إخلاء طبي حملته من فرنسا بعد الإصابة التي تعرض لها نتيجة سقوطه من شرفة منزله في العاصمة الباريسية.
صدمة عريضة حلّت بالنخب السعودية وهي تودع فجأة واحدًا من أكثر رموزها هدوءًا وعراقة وعطاءً في وسط أصبح يضيق بالمبرزين والمنتجين، يكاد كل المعلقين يجمعون على كون الراحل واحدًا من البقية الباقية لزمن البدايات العريقة في الوسط الثقافي والإعلامي السعودي التي صهرتها التجارب وغذّتها تحديات البدايات وأهلتها لتكون رقمًا صعبا في ميزان الثقافة السعودية الراجح بالأعمال الراسخة والإنتاج الرصين.
الشبيلي يرحل عن 75 عاما قضى مجملها في خدمة البلاد والاشتغال على قائمة طويلة من المؤلفات الثرية، فضلًا عن تجربة عملية بين الميدان والإدارة، كان خلالها رمزا للعطاء وصورة للوطني المخلص والجاد والشغوف بالمهام التي تولاها واعتنى بها.

عمر لم يعرف الفراغ

كان من حسن حظه، وحظ جمهوره، أن تيسرت له كتابة سيرته الذاتية قبل أن يرحل فجأة من مصيفه الذي طالما تعلق به واختاره محل تسرّيه واستمتاعه بأوقات استجمامه. وثّق الشبيلي، المولود في عنيزة عام 1944، حياته قبل رحيله في كتاب بعنوان “مشيناها.. حكايات ذات” صدرت طبعته الأولى في نوفمبر الماضي. وقد وصف نتاجه الأخير بأنه “حكايات عمر لم يعرف الفراغ، وحياة قلق شكلتها الصدف منذ الطفولة”.
 القلم الذي سجّل عددا من السير الذاتية لرموز سعودية عديدة، قدّر له أن يوثق جانبا واسعا من سيرته الشخصية في كتاب، كان خاتمة ما سحّ به حبره قبل أن يغادر الدنيا محفوفا بالوداعة والسلام اللذين كانا سمته الذي يكسوه، ومحاطًا بحزن أصدقائه وتأبينهم لروحه وقلبه.
ينتمي إلى أسرة “الشبالا”، كما يقول عنهم أهل القصيم، والذين لهم حضور بارز منذ تأسيس المملكة، فقد عملوا في الديوان الملكي، وفي السفارات السعودية، والجيش، ومارسوا العمل التجاري، وربما كان اسم “عميد السفراء” السفير الراحل محمد الحمد الشبيلي من أكثرهم شهرة ومعرفة، والذي قام عبدالرحمن بإصدار كتاب عنه أفرد فيه لعطاءاته وتاريخه.
تاريخ الأسرة في العمل التجاري له امتدادات وصلت إلى البصرة، حيث كان لأفراد الأسرة خان عرف باسمهم، ومنهم حمد الحماد الشبيلي، أحد وكلاء الملك عبدالعزيز، والذي تزوج اثنتين من نساء الأسرة، هما لولوة بنت محمد الناصر الشبيلي، ونورة الناصر الشبيلي.

شغف عمره خمسة عقود

ساهم الشبيلي في تأسيس إذاعة وتلفزيون الرياض، وقدم لهما العديد من البرامج في بواكير انطلاقتهما. قبل ذلك كان قد حصل على شهادتين جامعيتين، شهادة الليسانس في اللغة العربية من كلية اللغة العربية، وبكالوريوس الآداب في الجغرافيا. ثم ابتعث إلى الولايات المتحدة وحصل على ماجستير في الإعلام من جامعة كانساس، وعلى الدكتوراه في الإعلام من جامعة ولاية أوهايو سنة 1971 وكان بذلك أول سعودي يحصل على شهادة الدكتوراه في الإعلام.
مارس العمل الإعلامي وشغل منصب مدير عام التلفزيون السعودي. ثم عُين وكيلًا لوزارة الإعلام. كما مارس التعليم، حيث عمل أستاذا في جامعة الملك سعود. وعين وكيلا لوزارة التعليم العالي، وأمينا عاما للمجلس الأعلى للجامعات، ثم رئيسا لمجلس إدارة مؤسسة الجزيرة للصحافة، ورئيسا للمجلس الاستشاري للشركة السعودية للأبحاث والتسويق التي تصدر عنها صحيفة الشرق الأوسط، وعضوا في مجلس الشورى لمدة 8 سنوات.
 بالإضافة إلى لغته العربية الأم كان الشبيلي يجيد التحدث باللغتين الإنكليزية والفرنسية. وقد قدم العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية، منها “حديث الأصدقاء”، و”شريط الذكريات” في التلفزيون. وترك العديد من المؤلفات، مثل “مشيناها.. حكايات ذات” 2019، و”نحو إعلام أفضل”، و”الإعلام في المملكة”، و”إعلام وأعلام”، و”الملك عبدالعزيز والإعلام”.
وحاز الشبيلي جائزتي الملك سلمان لخدمة التاريخ الشفوي وتوثيقه وبحوث الجزيرة العربية، ونال وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى في الدورة الحادية والثلاثين للمهرجان الوطني للتراث والثقافة “الجنادرية”.
شغف الشبيلي بالإعلام جرّبه ومارسه من أبواب مختلفة، في مسيرة طويلة تمتد لأكثر من خمسة عقود، وتنقل فيها بين الكتابة والتأليف والتقديم والإدارة والتخطيط والتعليم.
وشكلت رحلته الطويلة مع الإعلام المسموع والمرئي والمقروء معينًا لا ينضب في إغناء عشرات الكتب والمحاضرات المطبوعة بالمعلومات والتجارب والزوايا غير المطروقة في تاريخ الإعلام وسير الأعلام بالسعودية، وينهل من كتبه ودراساته طلاب الإعلام في الجامعات.
كان الشبيلي رائد البدايات، وزير التفاصيل غير المرئية في مؤسسات الإعلام الوطنية التي تولى الإشراف عليها والتأسيس لانطلاقتها المبكرة، ولعل الكثير من المؤسسات والكيانات القائمة اليوم كان للشبيلي دور أصيل في إطلاق شرارتها والعناية بتفاصيلها.
وقد أوفد في بواكير مسيرته إلى ثلاث دول ليطلع فيها على تجاربها، قبل أن يلتحق بالتلفزيون السعودي، ويبدأ في رحلة التأسيس على ضوء ما استقاه من التجارب وجادت به موهبته الفذة وشغفه بهذا المجال.
وقد كان من دعاة تحويل الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء إلى مؤسسات عامة، وساهم في إيجاد صيغة جديدة على صعيد المؤسسات الصحافية، بفصل التحرير عن هيمنة الإدارة وسطوة الإعلان، وحث على إنشاء مجلس أمناء لمطبوعات الشركة السعودية للأبحاث والنشر التي تصدر نحو عشرين مطبوعة.
ويسجل له في تلك الفترة قيادته لعملية تطوير البث التلفزيوني السعودي تقنيّا وتحوله إلى البث الملون وتأسيس المبنى الحالي لمجمع الإذاعة والتلفزيون بإمكاناته المتطورة التي لم يتم استغلالها بالكامل حتى الآن.
بالمستوى ذاته من الجودة والبراعة في دوره الإداري، كان الشبيلي وجهًا مألوفا وتجربة نوعية في ظهوره على الشاشة مع بدايات البث التلفزيوني في الستينات الميلادية، بإطلالته الأنيقة وصوته الهادئ وأدائه المميز شارك في قراءة نشرات الأخبار، وقدم سلسلة من الحوارات المعمقة في برنامجه الشهير “حديث الأصدقاء”، ثم في وقت لاحق ظهر بحوارات وثائقية مع مجموعة منتقاة من رجالات الوطن ما زالت تسجيلاتها تعد وثائق تاريخية تحكي تاريخ المملكة من شخصيات عاصرت معارك التوحيد، وبدايات تأسيس الدولة الحديثة.
تلك الحوارات التي كان ضيوفها أسماء مثل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز حين كان أميرا للرياض، والأمير مساعد بن عبدالرحمن والأمير سعود بن هذلول وعبدالعزيز بن ماضي وتركي العطيشان وآخرين، كان الشبيلي أفضل من يديرها وخير من يواجه ضيوفها ويتحدث إليهم عبر الشاشة.
طبع آخر كان يتميز به الشبيلي، هو النبل والسمت الهادئ والأخلاق العالية التي كست سلوكه وتاريخه ومسيرته العريضة، الأمر الذي جعله محط تقدير وامتنان حتى في أكثر أوقاته صعوبة حينما خرج من وزارة الإعلام بعد خلافات إدارية مع الوزير، ونقل عن الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز قوله “إذا كنا خسرنا الشبيلي في الإعلام فلا بد وأن نكسبه في موقع آخر”.

الإبداع في الإدارة

كان خروجه غير الطبيعي من الوزارة فرصة له للالتحاق بالسلك التعليمي وتقديم خلاصة خبرته وتجربته لأجيال متعاقبة تعلمت منه وارتبطت به وبمفاهيمه المخصوصة عن خوض غمار الإعلام.
أترابه وطلابه أجمعوا على سلة صفات تميزه وتطبع سلوكه، وقد وصفه أحد معاصريه بأنه “لطيف المعشر، عفيف اللسان، رشيق الدعابة، حاضر البديهة، أنيق في حديثه، دقيق في كتاباته، جادٌّ حد الصرامة، وهادئ حتى الصمت، يحكي -وهو الإذاعي الجهير- فلا يكاد يبين؛ لا يعلو صوته على أحد، ولا يقاطع أحدًا ويمرر ما يقينه أنه غير دقيق، كي لا يجرح شعور سواه، وربما تحدث الجالسون في تخصصه فشرقوا وغربوا وبقي هو في صمته الجميل متابعا، مبتسماً: فإن أتيحت له سانحة أفضى بما لديه إضافة وإضاءة وتصحيحًا، ملهمًا سواه درسًا من دروس اللباقة واللياقة”.
وقد عبّر إعلاميون ومثقفون وأكاديميون سعوديون عن بالغ حزنهم وصادق مواساتهم لذوي الرمز القدير عبدالرحمن الشبيلي، مستعرضين عبر تغريدات على تويتر مآثره وذكرياتهم معه ومسيرته الحافلة والمميزة التي امتدت لعقود.
كما نعته وزارة الإعلام السعودية بالقول “ودعت المملكة علمًا من أعلامها في المجال الإعلامي، وذلك بعد سنوات طويلة أسهم من خلالها في تأسيس عدد من المؤسسات الإعلامية السعودية، على أسس علمية ومهنية راسخة”.

الرابط :

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم،...

ماذا يخطر في بالك ( 5 ) ؟

هنا أنقل بعضاً من منشوراتي على صفحتي في ( الفيس بوك ) . راجياً لكم النفع والفائدة  . ضعف التقدير يقود إلى سوء التقرير . .................. كلما كان واقعك ثرياً وغنياً ، بارت بضاعة خيالك الواهم . …………… إذا أحببت شيئاً ثم التقيت به بعد غياب فكأن الروح ردت إليك بعد غيبة الموت ، أو العقل عاد بعد جنون ، أو الذاكرة استفاقت بعد غيبة . كل الأشياء الرمادية تسترجع ألوانها الزاهية ، والروائح الزاكية تستجرّ عنفوانها ، والمشاعر اللذيذة تستعيد عافيتها . ما يفعله الشوق بك من ذهاب العقل وغيبة الذاكرة وموات الروح ، يفعل بك الوصل أضعافه من الفرح والطرب والنشوة . لقد جُبل هذا القلب على الإلف بما يحبه والتعلق به حتى يكون بمثابة الطاقة الموصولة بألياف الكهرباء ، أو الزيت الذي يقدح النور ، والجمر الذي يستفز أعواد البخور . وإذا غاب المحبوب واستبد بك الشوق انطفأ نور الوجه وضاقت النفس وذهب الفرح حتى يعرف ذلك في حدة طبعك وانغلاق عقلك وعبوس وجهك ، فإذا التقى المحبوبان والتأم القلب عادت المياه لمجاريها وشعشع الوجه واتسع الثغر وانفرجت الأسارير . سبحان من خلق . ……………… إذا كنت...