بقرار إعفاء الأمير سعود الفيصل من منصب وزير الخارجية نظراً لظروفه الصحية ، ازدحمت وسائط التواصل الاجتماعي بالامتنان له على الجهد الذي قدمه لعقود وفاءاً للوطن وشعبه ، مما دفعه لمبادلتهم بالمثل في خطاب عبر فيه عن تقديره لهذه المشاعر الكبيرة التي أبداها المواطنون .
في الفيلم القصير " المخلص " الذي نشر على اليوتيوب كان الطفل " مشعل الفصام " يعبر بعفوية عن حبه وإعجابه بالوزير الفيصل ، لا شك أن طفلاً بهذا العمر لا يعرف من الفيصل إلا صورته ، ولا يدرك أن ذلك الصوت المثقل بهموم السياسة وهو يلقي القسم على مسامع الملك وشعبه ، يخفي وراءه سنوات من الجهد والدأب والسعي الدبلوماسي لإعلاء سمعة البلاد في كل الميادين .
لم يكن رجلاً عادياً ، على الأقل من أجل تلك العقود الأربعة التي أذهبت عليه صحته وحياته في سبيل خدمة استقرار الوطن ورفاه المواطن .
لو استطاع أحد أن يحيل تلك السنوات من العمل والجهد إلى قطعة سينمائية لاختطفت اهتمام العالم كله لشدة ما تحويه وتحتويه من الأحداث والملاحم .
عاصر ملوك البلاد ، وشهد على كل المراحل العاصفة التي واجهتها المنطقة ، كان جزءاً من طواقم الأزمات التي مرت على الشرق المتعب ، بل كل هذا العالم الذي لم يكن يستغني عن دور أصيل لبلاده .
قابل زعماء العالم ، استمع لهم ، وأسمعهم صوت هذه الأرض ورأي أبنائها في كل القضايا الشائكة ، الأحداث السياسية التي كانت تطفو على السطح لها كواليس تزدحم بالقرارات والاختيارات المصيرية ، تحتاج الأجيال أن تسمع عنها ، ومن رائدها .
كثيراً ما قرأنا مذكرات زعماء العالم وساسته ، ووجدنا فيها فقرة متصلة بدبلوماسي السعودية الأول ، الآن نريد أن نسمع القصة بروايتنا ، وبالصوت الذي ظل لعقود أربعة لساناً صادقاً يعبر عن بلادنا ، نحتاج أن نقرأ له ونسمع منه ، حديث الأب لأبنائه ، والرائد لأجياله .
عندما كانت المنطقة تهوي والبلدان المحيطة تنهار ، كانت هذه البلاد تزداد تماسكاً ، في أكثر الصدامات عنفاً كانت تخيب الأطماع على حدود البلاد ، لأنها تمتلك عقولاً تشتعل بالذكاء يقودها دبلوماسي من الطراز الأول .
في زمن البناء الأول ، كانت تستطيع الدولة أن تحرك أسطولها الدبلوماسي لتأمين تحالف دولي يحمي كيانها ، وفي زمن الاكتفاء والاعتداد بالنفس ، كانت تخوض الدبلوماسية خير تبرير أخلاقي لشرعية خياراتها وتحركاتها ، وهذا منتهى الذكاء والدهاء .
يمتلك " تهذيباً ملكياً " كما يقول خالد الدخيل ، يجعل منه سياسياً أخلاقياً يحتفظ بفرادة مجتمعه الدينية والاجتماعية حتى في أكثر الخيارات صعوبة ومصيرية .
قليلاً ما يحدث أن يغادر أحد منصبه وهو محفوف بهذا القدر من الامتنان ، أن يترك مقعده والبلاد في ذروة الانتشاء بعهد جديد أصبحت فيه القائد والرائد لقضايا المنطقة والمحيط ، وقد كان جزءاً من صناعة هذا الواقع المشرف ، وذلك مجد لا يبلغه إلا المخلصون .
يحتاج الطفل " مشعل " ومن ورائه كل أجيال هذه البلاد الراهنة واللاحقة أن تسمع القصة كاملة ، أن تجد نصاً خالداً يحاول أن يستوعب تجربة تاريخية ضخمة لعميد الدبلوماسية .
الرجل الذي وُلد دبلوماسياً ، احتفظ إلى جانب والده بحقيبة الخارجية لما يزيد عن الثمانين عاماً ، بعمر يكاد يضاهي عمر الدولة ، إنه منجم من الأسرار والأخبار ، وكنز لا يوصف بمقال ولا يوزن بمثقال . تحتاج هذه البلاد أن تحتفظ بكل الأدوار التي كانت تقوم بها في مصائر المنطقة ومستقبلها ، أن تختزن تاريخها بكل انتصاراته وانكساراته ، أن تمسك بخط اتصال متين ومثمر بين ماضيها وحاضرها ومستقبلها .
لأجيال المستقبل الحق في الاستماع لذلك ، ولهذا الوطن الحق أن يحتفظ برموزه في شكل شهادات للتاريخ ، تعرّف " مشعل " وإخوته قبل أي أحد عن المنظور الدبلوماسي والخط الأخلاقي الذي كانت تلتزمه البلاد في كل اتجاهاتها .
إن القصة أصبحت مكتملة الفصول ، ينقصها الحبر ، وتنتظر من سموه أن يسمع التاريخ كلمته الفاصلة ، تماماً كما أسمع حاضره ، ليحتفظ بها المستقبل نبراساً لأجياله القادمة .
من أجل فيصل وإخوته .. نتشوق لذلك !
الرابط :
http://elaphjournal.com/Web/opinion/2015/5/1005100.html
تعليقات
إرسال تعليق