عندما تكتب فأنت تمارس فعلاً حضارياً ، وتقوم بوظيفة إنسانية راقية ، تحول أفكارك إلى نصوص فاعلة ومشاعرك إلى نهر جاري من الكلمات ، إنك لا تجمد مشاعرك ولا تصب أفكارك صباً ولكنك تبعث فيها الروح وترسلها إلى عالم الحياة والوجود .
إنك تصنع تاريخك بحبر قلمك ، وتحيل حياتك إلى ملحمة تختصر الجيل الذي تعيشه ، تحول مواقفك البسيطة إلى دروس عظيمة للإنسان إذا ما تحولت إلى أساطير أدبية بفعل الزمن والتقادم .
ستكون واثقاً حال وفاتك أنك تركت مجموع وصيتك الأبدية فيما تفرق من نثار كتاباتك وشذرات قلمك ، إنك اخترت البقاء على الفناء عندما امتد حبر قلمك على سطور الخلود الثقافي .
إنك حالما تكتب تطوي الكون قرطاساً بين يديك وقلمك الذي لا ينكسر وكأنه حبر من إرادة ومداد من صنائع قدر لا يتراجع ، بينما هذه العقول التي تستلهم كلماتك تغترف من معينك الذي لا ينضب ونبعك الذي لا يجف ولا يكف .
" أن تجيد الكتابة " شيء آخر ، فهي إخضاع قسري لقلمك أن يلتزم شروط البلاغة ومستلزمات الفن الكتابي والإملائي وذلك واجب في شرع النحاة القساة الغلاظ .
ولكن أن تكتب حراً مطلقاً غير مقيد فذلك أن تخرج عن نصك ولا تكبله بقيود الشروط والحدود ، أن ترسل قلمك إلى فضاءات العبث والتجربة والحرية وكأنك مجنون يعقل ما يفعل أو عربيد تستمتع بما تأتيه من فعل الجنون .
عندما تكتب فأنت تتشارك مع الآخرين هذه الحياة ، تتقاسم معهم مكتشفاتك الخاصة وتدعوهم لتناول بعض نتاج مطبخك الخاص وهذا غاية في الكرم البدوي وصورة نموذجية للحاتمية الثقافية والفكرية .
وإن الأمة التي تعلي من شأن كاتبيها وتتخذ من الكتابة جسراً إلى أحلامها المشدودة نحو مستقبل مشرق ، هي الأمة الأحق بصدارة الحضارة .
ولذلك ترى المفكرين في مطالع الحضارات الإنسانية ، ينظرّون بأفكار التنوير والتمدن ويرفعون مظالم الناس وشكاياتهم ويشتغلون بالمداميك على الفساد وبالمعاول على الظلم والاستبداد .
وإذا ما كان الكتبة وأصحاب الأقلام أكثر طبقات المجتمع نزاهة واستقلالاً وحماسة لقضايا العدالة ونصرة الأمة كانت الأمة على خير ما بقيت هذه الفئة على الحق قائمين .
الرابط :
http://www.al-jazirah.com/2012/20120322/cu5.htm
تعليقات
إرسال تعليق