التخطي إلى المحتوى الرئيسي

صفحة من العمر

الذي يقول أن العام الماضي الذي لفظ أنفاسه قبل ساعات كان كمثل غيره فهو مخطئ تماماً ، إذ لا يغيب عن بال مخلوق أن هذا العام اعتبر مرحلة مفصلية من تاريخ هذه الأمة ذلك لأنها تنشقت بعض هواء الحرية بعد طول غياب .
هذا على الصعيد الأوسع ويبقى السؤال الوجودي يطن في أذن كل شخص : كيف كان حاله في العام الماضي ؟ وهل يعتبر إضافة في رصيد معارفه وإنجازاته ؟ أو مرحلة مفصلية في تاريخ حياته الخاصة ؟ أم أنه انقضى كسائر أعوامه لم يتقدم ولم يتأخر ولا يلوي أن يعقد العزم على التغيير .
أكثر ما يميز الأيام أنها تجري وتتصرم سراعاً دشون أن يشعر بها الإنسان ، وفي المقابل يعتبر التغيير ممارسة شديدة البطؤ ، وهذا يعني معادلة صعبة في سبيل تحقيق الذات إذ تجمع طرفين متناقضين تماماً إلا على النفوس العظيمة التي تعبت في مرادها الأجسام .
اشتغل الناس بالتهاني مطلع هذا العام الهجري وتناسوا عن كسل المسؤولية الأعظم لمثل هذه المناسبات وهي " المحاسبة " التي تضمن للفرد أن يضبط سير حياته ويأخذ بها إلى الرشد والإنجاز والمعالي كمطالب نبيلة تتساوق مع ما ينبغي أن يكون عليه الإنسان وما أراده الله له كخليفة ومكلف كريم .


إن العنوان الأبرز للعام الماضي هو " الثورة " بينما ارتصفت إلى جانبها حزمة من المعاني الإيجابية والراقية مثل : الحرية والكرامة والتغيير والمساواة والشراكة ، ولعمري أن هذه أعظم شروط النهضة الشخصية والمجتمعية ، وإذا ما أراد فرد ما أو مجتمع ما أن يرتقي بنفسه ويجعل له حظه من الاحترام والاهتمام عليه أن يأخذ بهذه المعاني ويشتغل عليها .


إننا نحن المسلمين نتلقى رعاية خاصة من رب العالمين وهذا مظهر تشريف وتكريم ولكننا نتحمل مسؤولية أعظم تجاه أخينا الإنسان بأي مذهب ودين كان ، ولن نكون على قدر المسؤولية ما لم نبني إمكاناتنا ونطور قدراتنا ونوقظ العملاق الذي في داخلنا .


لن أدعوكم إلى استحضار الموت الذي يتخطف شبابنا لتعرفوا قيمة الحياة وهذه الثروة العمرية التي تنقضي مع كل عام يطوي صفحته إلى غير رجعة ، ولكني سأخبركم بهذه الخسارة من شق آخر .
تنبهوا كيف بفرصتكم تضيق مع كل عام ينتهي ، ثم يتجدد الخطاب لكم في مطلع العام الجديد : أن اعملوا .. واسعوا .. وتحضروا .. ثم لا تجد من نفسك أي استجابة لداعي الفلاح والنجاح والإنجازات والليالي الملاح .


أيها الشباب :
إن العاقل يكفيه أن يرى عقارب الساعة وهي تجري ليتحرك باتجاه العمل والإنجاز والنجاح ، فكيف بك وأنت ترى السنوات تجري ولا تكاد تشعر بها ، ويكفي بذلك موعظة .
تتنوع المواعظ الربانية وتتلون النداءات الإلهية لاستحثاث الإنسان ودفعه إلى حيث خيريته ونفعه بين الموت والمصيبة والنعمة والمثوبة ، ولكن يبقى الرهان على الدافع الداخلي والرغبة الذاتية في النجاح ، وخير وصية لكم أن تجلو هذه الرغبة وتستحثوا هذا الدافع .


إنني أنتظر أن أخاطبكم مطلع العام القادم وأنتم قد بارحتم هذه النقطة التي تعيشونها اليوم وأصبحتم في مرحلة متقدمة من مضمار الحياة الطويل بفعل النجاحات التي ستنالونها حصيلة التغيير والتطوير ، ولأنني لا أضمن لنفسي البقاء حتى العام القادم فإنني سأعمل وأكافح وكأنني مغادر هذه الحياة عن قريب ، وعليكم بمثل هذا فإنه الفلاح كله والنجاح مآله ومنتهاه .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم،...