التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تكبيل إيران بمستنقع الخسائر

ما تواجهه إيران اليوم لا توجد وصفة للانهيار أفضل منه، فعندما تقرر واشنطن توجيه ضربة عسكرية واسعة لها أو تخوض حربا مفتوحة معها سيكون هذا الواقع هو الأرضية المناسبة لجعلها ضربة قاضية.

الأربعاء 2020/12/02

هل توشك إيران على أن تتلقى ضربة عسكرية، أو تخوض حربا مفتوحة تكون فيها إسرائيل رأس حربة القوى الدولية والإقليمية المناهضة لطهران؟ أو تنتهي شهور الترقب والانتظار التي كانت تتقلب فيها العلاقات الأميركية الإيرانية على جمر التوجس والتردد، وتبدآن حرباً مدمرة تنضم إلى بقية المناسبات السيئة في أجندة المنطقة.

كل المؤشرات تتزايد بوقوع عمل عسكري واسع وكبير ضد إيران، ينهي أكثر من أربعة عقود من التوتر الذي ظل يخيّم على المنطقة بسبب سلوك طهران وميليشياتها ومشروعها التدميري، في مقابل رفض جيرانها لاستمرارها في هذا النهج الخطير والمقلق.

أقال دونالد ترامب وزير دفاعه مارك إسبر بعد اجتماع عاصف في البيت الأبيض، ثم قام بتسريع سحب القوات الأميركية من أفغانستان والعراق، ونشر طائرات القاذفات الاستراتيجية “بي 52” وطائرات الشبح، وطلب مشورة حول ضرب موقع نووي على الأراضي الإيرانية، وأرسل وزير خارجيته مايك بومبيو في زيارة عاجلة إلى المنطقة اختلف في تفسير سببها بين التحضير لانتخابات 2024 أو التحضير لضربة عسكرية وشيكة.

لكن، يبدو أن تل أبيب فضّلت هذه المظلة الواسعة من الأفعال العسكرية المتفرّقة التي تقلص بهدوء مخالب إيران وتقلم أظافرها، على أن تكون المواجهة في شكل حرب نظامية، كانت تهدد طهران بأن ساعة انتهائها ستكون بيدها على عكس ساعة انطلاقها، ولذا بدأت إسرائيل في زيادة معدل استهداف التجمّعات الميليشياوية التابعة لإيران على الأراضي السورية، وشرعت في مسلسل الاغتيالات لرموز مسعاها النووي.

ويبدو أن برنامج استهداف مشابها اتخذته إسرائيل لاغتيال زعيم ميليشيا حزب الله اللبناني حسن نصرالله، اضطره إلى أن يبث كلمة مسجلة لمناصريه، بدل أن تكون مباشرة، بعد أن تزايدت احتمالات التهديد الأمني على حياته، وجرى التخفيف من تنقلاته ووضعه في مخبأ.

سواء كان ذلك تمهيدا لمرحلة مقبلة من المواجهة العسكرية، أو توسيعا لهذا النوع من الحروب غير المنتظمة، فإن درجة سخونة الأجواء ترتفع في المنطقة، ويبدو واضحا أن تل أبيب تحضّرت لهذه المرحلة بتأمين الغطاء الأميركي وإعادة تشبيك علاقاتها مع عواصم في المنطقة على خلفية خصومتها التلقائية مع إيران.

ومن جهة أخرى أعاد، ما يعتقد أنه فرصة مواتية لطهران بوصول الرئيس الديمقراطي جو بايدن، الأمور إلى نقطة الصفر، حيث يصعب على أي إدارة أميركية أن تتساهل مع إيران أو تلقي لها بطوق نجاة، عبر توحيل واقعها في مستنقع من الخسائر، والشعور العميق بالثأر، والارتهان لتكاليف حفظ ماء الوجه، وحرق مراكب العودة، وتكسير أقدام المناورة والتقاط الأنفاس.

تركة ثقيلة تريد إسرائيل أن تكبّل بها قدمي بايدن في حال استعاد أحلام “فكرة أوبامية غابرة” تظن بإمكانية دفع إيران إلى خطوط الاعتدال وإغرائها بمكاسب الاتفاق والتسويات ذات النفع المتبادل.

احتمالات شن ضربة عسكرية موسعة على إيران تتقلص عند النظر إلى جملة من الأسباب؛ ففي حال فكرت الإدارة الأميركية، الموشكة على الانصراف، في إنقاذ خسارتها بالتورط في حرب مع إيران، ستكون خطيئة مركبة، مع بقاء الوعد بالرد المدمر على أي هجمات منسوبة لإيران ضد أفراد أو مصالح أميركية.

ويبقى أن المنطقة لا تحتمل نشوب حرب جديدة ستكون فيها الخاسر الأكبر. في ظل عجز طهران عن إيذاء الأراضي الأميركية ستختار بطبيعة الحال مواقع من المنطقة في بنك أهدافها القاصرة، وسيجرّ عليها ذلك ويلات دفعة جديدة من الاحتقان والتوتر.

فمن جهة، إسرائيل غير مؤهلة لمواجهة حربية غير معلومة النهاية، مواجهة متروكة لاحتمالات غير محسومة، وتفضل أن تستمر في سياسة الضرب والهرب، لاسيما وأن إيران ستكف عن أي ردة فعل حتى تاريخ العشرين من يناير، موعد حلول المخلص بايدن رئيسا في البيت الأبيض.

كما أن الصبر الاستراتيجي الذي تتخذه إيران ولعبة “الوقت المناسب” مريحة للاستهلاك الدعائي، وتؤجل حقيقة الهشاشة التي تعاني منها طهران وعجزها عن إبداء أي رد فعل مؤثر ووازن، باستثناء الرفع من مستويات التخصيب وتسريع مراحل البرنامج النووي، وهو الأمر الذي يحقق هدف الضربات الإسرائيلية بتوسيع الفجوة بين إيران والإدارة الأميركية المرتقبة، ورفع ثمن الجلوس مجددا على طاولة أي اتفاق نووي متوقع.

تواجه إيران حيرة كبيرة من أمرها، تضرر برنامجها الصاروخي بهذه الحرب الاستنزافية، التي تتكبدها في العراق وسوريا واليمن وأخيرا على أراضيها، في مقابل واقع معيشي واقتصادي يزداد سوءا ولا يمكن إنقاذه بمجرد الإمعان في المواجهة، والحاجة إلى صيغة عادلة، حسب رأيها، للخروج من سندان العقوبات ومطرقة التنازل عن مشروعها، في ظل أن برنامجها الصاروخي ووكلاءها الميليشاويين هما كل ما بقي بين يديها لتراهن عليهما، على أي طاولة للمفاوضات من جهة، وتقاتل بهما من جهة أخرى، في ظل وهن ترسانتها العسكرية وهشاشة ظروفها الاقتصادية.

لا توجد وصفة للانهيار من الداخل أفضل مما تواجهه إيران اليوم، وعندما تقرر واشنطن أو أي من الدول الإقليمية توجيه ضربة عسكرية واسعة أو تخوض حربا مفتوحة، سيكون هذا الواقع هو الأرضية المناسبة لجعلها ضربة قاضية ومدوية تكتب الفصل الأخير لنظام الفوضى والقلق الإقليمي. لكن ردة فعل عمياء ويائسة، يخشى أن يصل شررها وضررها لكل المنطقة، تفرض على الجميع التمهّل والتردد وإعادة النظر قبل أن تدخل المنطقة في نفق جديد مظلم لا أحد يعلم نهايته.


الرابط:



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم،...