لم تحظ أزمة قطر بمثل هذا الاهتمام على الصعيد الأميركي كما تحصل عليه الآن في ظل إدارة أميركية توشك على الانصراف، وتزامنت دورتها الرئاسية مع اندلاع الأزمة القطرية وانكشاف دور الدوحة السلبي في المنطقة ومواجهة أكثر ارتداداته قسوة عليها، والتي تمنّي النفس الآن باستعادة بعض أريحيتها وعنفوان أحلامها، بوصول الرئيس الديمقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض.
ويبقى السؤال الأهم، هل تشير الوقائع والمستجدات إلى أي ملامح بانفراجة محتملة في جدار الأزمة؟ وهل أبدت قطر أيّا من الاستعداد لتحمل مسؤولياتها تجاه جيرانها أو المنطقة التي شاركت في إلهاب واقعها وتعريضها بكل ما تعانيه الآن من فوضى وخراب؟
تظهر الدوحة نقمتها على الرباعي العربي، تصعّد تجاه إحدى عواصمه حينا، وتخفف من نبرتها تجاه عاصمة أخرى حينا آخر، في محاولة لإرباك الصف، واختراق الموقف، والالتفاف على صلابة المقاطعة. مثال ذلك تقديم تنازلات منفصلة للرياض وإبرام اتفاق ثنائي. لكن السعودية رفضت المحاولات السابقة واعتبرتها مجرد مخاتلة قطرية تنطوي على نوايا سيئة وغير جادة لتبني مشروع للحل.
الرياض وبقية الدول المشاركة في المقاطعة كانت دائما منفتحة على الحل، ومشجعة لجهود الوسيط الكويتي، ومراعية لتماسك البيت الخليجي والحد من الآثار السلبية الجانبية للمقاطعة
وأكد السفير الإماراتي لدى واشنطن يوسف العتيبة ثبات الموقف من قطر، وأنه “ليس على قائمة أولويات أحد”، مضيفا “يريدون أن يسلكوا طريقهم، وسنذهب في طريقنا”.
وأدلى بما يمكن وصفه بقطع الطريق على أي محاولات لتبريد الأزمة لا تنطوي على مضامين جادة وقاطعة لإنهاء هواجس الرباعي العربي، وكفّ الدوحة عن الاستمرار في دورها السلبي والخطير المهدّد لأمن جيرانها ولاستقرار المنطقة، ولاستقطاب القوى الإقليمية الطامعة وتمرير المشاريع الأيديولوجية الخطيرة.
جاء ذلك رداً على أمل وزير الخارجية القطري، محمد بن عبدالرحمن، في انتهاء المقاطعة الخليجية، وتأكيد بلاده الاستعداد للدخول في نقاش جدي مع جيرانها.
لكنّ حراكا واسعا وتغيرات عميقة تحدث في المنطقة، من المحتمل أن يتركا تأثيرا على الأزمة القطرية، وهذا لا يعني ضرورة حلّها وإنهائها، فمؤشرات مواجهة عسكرية مفتوحة مع إيران تتزايد، وثمة ترتيبات لبناء تكتل سياسي وربما عسكري جريء في المنطقة، حتّم في ما يبدو إجراء محاولة أخيرة من قبل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لحل خلاف كبير بين حليفين رئيسيين للولايات المتحدة في الخليج، ولتحقيق نصر نهائي للسياسة الخارجية الأميركية في المنطقة، أو تجهيزها للقادم المتوقع.
توجت المحاولة بوصول جاريد كوشنر، صهر ومستشار الرئيس ترامب، ووفد من المسؤولين إلى السعودية وقطر هذا الأسبوع، في محاولة لحل النزاع بين البلدين.
يأتي ذلك على وقع تصريحات مهمّة ولافتة لوزير الخارجية السعودي الأمير بدر بن فرحان، قال خلالها إن البحث عن إنهاء الخلاف مع قطر مستمر، وإن الحل مرهون بعلاج مخاوف أمنية.
لكن السلوك القطري المتزامن مع هذه التصريحات لا يشي بأيّ نية للتغيير، بالإضافة إلى فكرة مغلوطة لدى الدوحة بضرورة رفع سقف وإيقاع السلوك المرفوض من جيرانها، لخفض توقعاتهم بما يمكن أن تلتزم به، وتبذله في سبيل حل المشكلة وإنهاء الأزمة. وهو أمر كان بالإمكان أن ينجح في فترات سابقة من الخلاف، وليس الآن حيث تتبنى المنطقة أداء وسلوكا سياسيا شديد المكاشفة والصراحة.
وقد اندلعت أو بالأحرى استمرت الإساءات القطرية للملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتحريض على مجموعة العشرين، ونشر إعلانات مدفوعة في الصحافة الغربية لتشويه القمة والإساءة للسعودية.
كما قامت في نهاية نوفمبر باعتراض زوارق أمنية بحرينية في البحر، تابعة لخفر السواحل المشارك في تمرين المانع البحري في شمال فشت الديبل، حسب ما أعلنت وزارة الداخلية البحرينية واعتبرته تصرفا مخالفا للقوانين.
كما سافر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد إلى تركيا لحضور القمة الـ28 بينه وبين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال 70 شهرا فقط، وهو رقم قياسي يؤكد إصرار الدوحة على استمرار دورها كمطيّة لاختراق المنطقة وتوسيع ثغرة التأثير الإقليمي على الخليج.
ثمة ترتيبات لبناء تكتل سياسي وربما عسكري جريء في المنطقة، حتّم في ما يبدو إجراء محاولة أخيرة من قبل إدارة ترامب لحل خلاف كبير بين حليفين رئيسيين للولايات المتحدة في الخليج
هل سيؤثر وصول بايدن للبيت الأبيض على الأجواء في الحالة الخليجية، أو يشجع الرباعي العربي على إنهاء الأزمة القطرية؟
الواقع أن الرياض وبقية الدول المشاركة في المقاطعة كانت دائما منفتحة على الحل، ومشجعة لجهود الوسيط الكويتي، ومراعية لتماسك البيت الخليجي والحد من الآثار السلبية الجانبية للمقاطعة، وفي حال لمست من الدوحة أي نية جادة للحل سترد عليها بالمثل، لاسيما وأن المقاطعة منذ عامها الأول حققت الكثير من المكاسب، ليس آخرها ضبط عمليات تمويل الجماعات المسلحة والتوقيع على مذكرة متصلة بالإرهاب، فضلا عن الحد من نجومية الطرح القطري وانكشاف دوره التخريبي والمهدد لاستقرار المنطقة وأمنها.
لا تبدو الدوحة مستعدة للتخلي عن مشروعها الذي ضيّعت عليه الكثير من الوقت والمال، إضافة إلى حق شعبها في الاستقرار والسلام، وسيكون لتصميمها على تبني واستمرار هذا النهج السلبي أثره غير الفعّال على فرص انفراج الأزمة وإنهاء المشكلة، وستكون المنطقة مؤهلة لجولة جديدة من الاحتقان والتوتر.
تعليقات
إرسال تعليق