التخطي إلى المحتوى الرئيسي

اليمن.. مخاطر التشرذم والاعتياد

الخلافات داخل الصف اليمني في مواجهة الحوثي تسببت في الكثير من الأضرار في فعالية المشروع الوطني وأدت إلى اضطراب الصف الواحد وعززت أقدام الحوثي على الأرض ومكنته من السيطرة على صنعاء.
الثلاثاء 2020/12/15

لم يعد في وسع “تحالف دعم الشرعية” أن يتسامح مع الخلافات التي تُشتّت الجهد العسكري والسياسي وتعيق إنهاء أزمة اليمن، ولا التساهل في إطالة أمد الاقتتال بين الأطراف المتنافسة، بما يحقق لميليشيا الحوثي وداعميه في طهران أن يتمددوا ويعززوا من مشروعهم ويضاعف من متاعب اليمنيين ويتركهم في حالة حرب مفتوحة وبلا أجل مسمى، فيما الحوثي هو المستفيد الوحيد من بقاء الأمور على ما هي عليه.

على الفرقاء اليمنيين أن يتوقفوا عن لعبة التنافس الهامشية، بينما ينزف قلب اليمن من بأس المتاعب المتراكمة، وحتى لا ينصرف عنه المشغولون باستقراره وإرساء السلام فيه، لاسيما وأن تراكم الأحداث التي تثقل المنطقة يتسبب في انزواء الأزمة اليمنية عن صدارة المتابعة والاهتمام، بعد أن تراجعت الآن عن عناوين الأخبار، وأضحت تفصيلاً مهملاً في خانة المتابعة الخبرية، الأمر الذي يعطي مؤشراً مقتضباً عمّا يمكن أن تؤول إليه المسألة.

ولأجل اليمن، من الضروري أن تنجح الجهود السياسية وأن يتوقف “لامنطق” الصراعات الصغيرة على الأرض، كما قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش.

“أعلن الأميركيون الأسبوع الفائت اعتراض قرابة طن من المخدرات في طريقها إلى اليمن، تضاف إلى شحنات ضُبطت خلال شهرين، وقبل شهر أُوقفت سفينة إيرانية كانت تقوم بالتهريب بغطاء الصيد. ومطلع العام، أوقفت شحنة أسلحة إيرانية في طريقها إلى الحوثي”.

يصور هذا المقطع من شريط الأخبار، قيمة ومعنى استمرار الأزمة اليمنية بالنسبة إلى بلد مأزوم هو الآخر؛ إيران التي تقتات من وجع اليمنيين لتمويل آليات بقاء النظام الأيديولوجي، واستخدامه ورقة ضغط ومساومة على طاولة المفاوضات المرتقبة مع الواصل الديمقراطي الجديد إلى البيت الأبيض.

كما تواصل الدوحة سلوكها السلبي والتخريبي في تفخيخ مسارات السلام والاستقرار في اليمن، وتمثل بذلك الوجه الآخر من عملة المستثمرين والمستفيدين من استمرار أزمته ونزيفه.

ورغم الأجواء الإيجابية التي تخيم في سماء قطر مع جوارها الخليجي، إلا أنها جددت نهجها الدعائي الخبيث، وأصدرت سلة برامجية جديدة على شاشة الجزيرة تستهدف أطرافاً من التحالف العربي، وتحريض المجتمع اليمني على ما تسميه “خفايا وكواليس التمدد الإماراتي على ساحل البحر الأحمر في اليمن”.

يتزامن هذا مع السلوك المريب الذي تبديه تجمعات أيديولوجية تشترك مع الدوحة في الانضواء تحت لواء العداء للرياض وأبوظبي وبقية عواصم الاعتدال والاستقرار في المنطقة، وتستهدف عبر الإستراتيجية الإعلامية والسياسية وحتى الاستخبارية، تفكيك جبهات المواجهة ضد الحوثي وإضعاف صلابة الموقف الوطني اليمني النابذ لتلوينات الهويات والمرجعيات المتنائية.

منذ وقت مبكر، دعمت قطر الميليشيا الحوثية بالمال والسلاح والإعلام والعلاقات، وعملت على زعزعة الاستقرار في اليمن، ومنذ الأزمة الخليجية صارت هذه السياسة القطرية واضحة، ولا يُعرف إذا كانت المصالحة المرتقبة ستنهي هذه السياسة الرعناء وتوقف الدوحة عن مواصلة تورطها في اليمن.

بالإضافة إلى طول أمد الأزمة، فإن الخلافات البينية داخل الصف اليمني المقابل لميليشيا الحوثي تسببت في كثير من الأضرار في سلامة وفعالية المشروع الوطني واضطراب الصف الواحد، وفي تعزيز أقدام الحوثي على الأرض وتعزيز سيطرته على العاصمة صنعاء وبقية المفاصل الحيوية على التراب اليمني، وإنهاء الخلاف وتثبيت مكتسبات اتفاق الرياض ضرورة تزداد إلحاحاً بالنظر إلى ما يقاسيه الحوثي والراعي الإيراني من هشاشة وضعف، وهو يتقلب على جمر الانتظار برفع أغلال العقوبات عن كاهله.

لا يمكن أن يقبل المحيط العربي ولا المجتمع الدولي بجماعة ميليشياوية توالي طهران، وتقصي بقية الأطراف المحلية، وقد مُنح الحوثي فرصة أن يعيد دمج كيانه ضمن المجموع اليمني، لكن تعنته جرّ عليه عزم الإدارة الأميركية تصنيف الحوثيين المدعومين من إيران منظمة إرهابية، بعد فرضها عقوبات استهدفت مسؤولين منهم تورطوا في عمليات تعذيب نساء وأطفال.

تضعف فرص السلام بوصفه النتيجة المتوخاة من عمل تحالف دعم الشرعية، وأفضل أرضية لتحقيق استقرار اليمن وسلامة أهله، بالنظر إلى العقيدة التي تتبناها ميليشيا الحوثي وانتمائها الفج إلى الأجندة الإيرانية، وقد استوعبت الإدارة الأميركية الموشكة على الرحيل الصورة الكاملة، وذهبت في سبيل المساعدة على إنهاء الأزمة اليمنية إلى موضع الجرح مباشرة.

وأعلن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، فرض عقوبات على المسؤول العسكري في فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، حسن إيرلو، الذي أرسلته إيران إلى صنعاء في اليمن للعمل كضابط ارتباط مع حركة الحوثيين.

ويُنتظر من الإدارة الأميركية المرتقبة أن تواصل على نفس هذا الخط، حتى في إطار ما تعِد به من إعادة النظر والاعتبار إلى الاتفاق النووي مع طهران، لا يمكن التسامح مع سلوك إيران السلبي والتخريبي في المنطقة، الذي يقوض الاستقرار ويشحن فرص التطرف والخراب، وإلا فإنه لا أمل بانقشاع هذه الدوامة التي تكابدها المنطقة وتدفع ثمنها أجيال متعاقبة محرومة من العيش الكريم والمستقبل الواعد.

أعطى وصول إيرلو إلى صنعاء إشارة واضحة عن عزم طهران زيادة دعمها للحوثيين، وعدم نية الأخير الخروج عن المظلة الأيديولوجية التي استسلم لها وخضع لتوجيهاتها، الأمر الذي انعكس على تكثيف الحوثيين هجماتهم غير المجدية على الأراضي السعودية، تزامنا مع دفعات مهرّبة من الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية الإيرانية ومعدات عسكرية متنوعة أرسلتها طهران خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، وبالتالي تعقيد المساعي الدولية للتوصل إلى تسوية للصراع.

قد لا يعيد التاريخ نفسه بالضرورة، لكنه يبقى كتاباً مفتوحاً ونابضاً بالمواعظ. والواقع الراهن هو الآخر يمكن أن يقدم الدروس العملية عن سوداوية النهاية المتوقعة في حال استمر ارتهان بلد ما إلى الأجندة الإيرانية، ولعل شواهد لبنان والعراق كافية لتتوقف ميليشيا الحوثي عن الاستمرار والإصرار على إلحاق اليمن وربطه بالمظلة الإيرانية.

أما وإن لم يقلع الحوثي عن سلوكه المشين بحق شركائه على الأرض اليمنية، فإن مواصلة قطع الطريق عليه ضرورة وطنية وأمنية تتطلب التنازل عن “المعارك الصغيرة” والكف عن مراهقات الهوامش الجانبية.



الرابط:



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم،...