التخطي إلى المحتوى الرئيسي

غزو الكويت.. استعادة ذاكرة الصحوة


تكابد جماعة الإخوان المسلمين للخروج من أكثر مراحل تاريخها انحسارا بعد هزيمة شعبية لحقت بها إثر انكشاف الغطاء عن نفاقها وخداعها الذي استترت خلفه طويلا.

الجمعة 2020/08/07

حلّت الذكرى الثلاثون للغزو العراقي على الكويت في عام غير عادي وظروف غير طبيعية، والمنطقة كلها على صفيح ساخن يستدعي التأمل العميق في دروس الماضي، لتجاوز تحديات الواقع، وتلافي تكرار الأخطاء نفسها التي وقعت فيها، وكلفتها كل هذا الاستنزاف المرير لمقدراتها، وأبطأت مشاريعها التنموية وعطلت نهضتها المأمولة.

تمرّ الذكرى هذا العام وهو مزدحم بالكثير من التحولات، التي تلامس كل الأطراف المتصلة، من قريب أو بعيد، بهذه الواقعة التاريخية، التي لم تتوقف ارتداداتها حتى اللحظة، رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود.

تعيش الكويت لحظة حرجة ومفصلية من تاريخها، بعد أن فرضت جائحة كورونا وآثارها السياسية والاجتماعية والاقتصادية مراجعة جادة للذات على كل دول المنطقة والعالم.

ومن جهتها، تكابد جماعة الإخوان المسلمين للخروج من أكثر مراحل تاريخها انحسارا، بعد هزيمة شعبية على مستوى الشارع، إثر انكشاف الغطاء عن نفاقها وخداعها الذي استترت خلفه طويلا.

في ذكرى غزو الكويت وإعادة تحريرها، تصبح استعادة ذاكرة الصحوة ضرورة لفهم وتفكيك المارد الأيديولوجي الذي يقاوم للخروج من قمقمه مجددا عبر نافذة الكويت. فالصحوة، وهي الوصف الذي يطلق على الموجة الإخوانية التي اختلطت بالبيئة الدينية المحافظة في الخليج، وأنتجت هوية حركية وجماعة أيديولوجية تحت لواء الإخوان، تبحث اليوم، عبر الحالة الكويتية، عن قشة تتعلق بها.

وباستعادة ذكرى الغزو، حاولت الجماعات المرتبطة بالإخوان، داخل البيت الخليجي، استثمار الأجواء العاصفة والمحمومة لتوسيع رقعة مكاسبها، والضغط على الحكومات لغرز برامجها الحزبية في ذهن وضمير المجتمعات الخليجية.

لقد تكرر منهم نفس الأداء والموقف الانتهازي خلال سنوات الربيع العربي، ورياح الثورات والهبات الشعبية، التي عصفت بعوامل استقرار المنطقة وفتحت شهيتها للتغيير، وطوّعتها لاستلاب المشاريع الإقليمية الجاهزة لتولي زمام المنطقة، والنفاذ من ثغرة الفوضى العمياء، التي امتطاها الإخوان لبسط نفوذهم وتثبيت قناعاتهم.

ولعل التسريبات الصوتية التي جمعت ثلة من أعضاء جماعة الإخوان في الكويت والسعودية مع الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، خلال موجة الربيع العربي، تؤكد توارد المشاريع وتطابقها، إذ كان الرئيس الليبي من أعتى المعارضين لتدخل القوات العربية والأجنبية وتحرير الكويت، والعمل على تثبيت الأمر الواقع، والإقرار بسيطرة النظام العراقي على الكويت، وتوظيف السابقة لتكون بداية خطوات ابتلاع مرتقبة ومستندة على نجاح الخطوة الأولى.

مع وصول قوات التحالف الدولي إلى السعودية للمشاركة في المجهود الحربي لتحرير الكويت، شنت رموز ومنابر الإخوان المسلمين حملات تكفير وهجوم وتخوين ضد السعودية والكويت في كل مكان، محرضة ضد ملوكها وأمرائها وحكامها بقيادة ممثلي حزب الإخوان المسلمين في الكويت، وشكك بعض الدعاة السعوديين في شرعية الحكومة الكويتية، مستخدمين نفس المفردات التي استخدمها الرئيس العراقي صدام حسين لتبرير غزوه، مع إضافة مسحة دينية ومصطلحات شرعية.

ترافق التأليب والتحريض الديني والدعائي، ضد الرياض والكويت والتحالف الدولي، مع عروض للتدخل وحشد المتطرفين، قدمها زعيم تنظيم القاعدة حينها أسامة بن لادن لتحل بديلا عن الجيوش النظامية. ولكن العاهل السعودي فهد بن عبدالعزيز رفض القبول بهذه الفكرة الشاذة، وشدّد على صون فكرة الدولة فهي وحدها المخولة باستخدام شروط القوة والمنعة وضبط النظام العام، وكان موقفه الصلب تجاه هذا العرض وقاية للمنطقة والخليج من فظاعة الميليشيات والخلايا المتطرفة.

في العام 2003 بزغ نجم هذه الخلايا مجددا، وترافقت مع خطاب إخواني أفتى في شرعية الحكومات الخليجية، وتسبب في سلسلة من التفجيرات الدامية، وتخضبت الكثير من المناطق بدماء الأبرياء من رجال الأمن وعامة الناس، لكن نصال المؤامرة تكسرت على صخرة اليقظة الأمنية والوعي الشعبي.

وسواء كانت أدوارا تبادلية أو تقديم خدمات، شكل أداء الصحوة خلال غزو الكويت ثغرة خطيرة في جدار المجتمع الخليجي، تسربت منه ويلات ثقافية ووجدانية لم تتعاف منها المجتمعات حتى وقت قريب، على أمل أن تبقى ذاكرة المجتمعات حاضرة ويقظة لتكون جدار صد منيع ضد كل محاولات استعادة الوهج وتمرير المشاريع الحزبية والأيديولوجية للإسلام السياسي الواعدة بالفوضى والخراب.


الرابط :


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...