التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ما الذي يغضب أنقرة من الإمارات

أردوغان عندما أضحى مكشوفاً، وسط بحر من التحديات والمشكلات، وبعد أن تعرض لخسائر متتالية، سلّ سيف نقده اللاذع وهجومه السافر على العواصم العربية، التي تبنت مشروع ممانعة، ضد الاختراق المتزايد لسيادة دول المنطقة.
الثلاثاء 2020/08/04

ما يحرك غضب القيادة التركية على أبوظبي، ويدفعها لإلقاء تهديدات فارغة ضدها، وضد الرياض والقاهرة، ليس فقط لأن هذه العواصم تشكل ناصية مشروع عربي يقاوم للبقاء، أخذ موقعه المؤثر في معادلات المنطقة، بل هي تثير نقمة أردوغان أكثر لتشكيلها حائط صد ضد أهدافه الخبيثة ومحاولاته السافرة للتدخل في المنطقة.

الواقع أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان يستتر خلف آلة دعائية تروج لرمزيته وتشرعن أدواره في حوض المتوسط، قبل أن يكشف عن طموحاته الكبرى في قلب المنطقة العربية، ويبدأ في تنفيذ خططه جهاراً غير آبه بقيم الجوار، أو تقاليد الدين، أو الأعراف السياسية.

شرع أردوغان في إرسال مرتزقة عرب لقتل الشعب الليبي، وتوسع في احتلاله للأراضي السورية، بعد أن سهّل دخول داعش لها، ولم يبخل بالدعم على تنظيم الإخوان في اليمن، معرقلا جهود التحالف العربي فيها، ومقتحما بقواته الأراضي العراقية، ليقوم مؤخراً وزير دفاعه بتوجيه التهديدات لدولة الإمارات.

وعندما أضحى مكشوفاً، وسط بحر من التحديات والمشكلات، وبعد أن تعرض لخسائر متتالية، سلّ سيف نقده اللاذع وهجومه السافر على العواصم العربية، التي تبنت مشروع ممانعة، ضد الاختراق المتزايد لسيادة دول المنطقة، وتفتيت الإجماع العربي الذي يحميها من تمدد مشاريع إقليمية واجهتها على حين غرّة، وسط معمعة الربيع العربي، والغبار الكثيف الذي نتج عنه حاجبا وضوح الرؤية وجلاء المشهد.

كانت مصر جوهرة تاج مشروع أردوغان الإقليمي، وعندما تولت جماعة الإخوان زمام الأمور في القاهرة، بمعاونة دولته المغروزة في أحشاء المنطقة، تنفست أنقرة الصعداء، ولمعت في عيني أردوغان صورة الكعكة الكبرى، التي سينالها ليتوج مقيماً عاماً على المنطقة، قبل أن تشتعل ثورة 30 يونيو، وتذروه رياح الغضب الشعبي المصرية، الذي هب ضد انفراد الإخوان بالحكم، والدفع بالبلاد إلى حافة الارتهان لمشاريع إقليمية مؤدلجة.

لقد توسعت شهية أردوغان لابتلاع الفرص السانحة التي برزت من حولها، وراكم معها رصيد عداوات حوّلت حدود تركيا إلى خطوط من دم ونار وغضب. وستبلغ أنقرة في ظل أردوغان مرحلة من الإنهاك نتيجة التوسع الهستيري، بعد أن أغرته حالة الضعف والهشاشة في كثير من بؤر الصراع التي شارك في صناعتها وتأجيجها.

ولن يكون الظهير الإخواني، بكل مقدراته الدعائية، ولا قواعده الشعبية المنضوية تحت بريق شعاراته الوهاجة، ولا الأموال القطرية، كافيا لتحقيق مشروعه الأيديولوجي على أرضية صلبة أو منطق حقيقي.

لا شيء يبرر الآن التراجع في وجه المشروع التركي، مهما بلغت حدة التهديدات المرسلة، لأن خيار المواجهة الذي اتخذته كل من الرياض وأبوظبي، ودورهما في إنعاش القاهرة، والحفاظ على الحد الأدنى من التوافق العربي، مهم وضروري لصون المنطقة من اختراق المشاريع الإقليمية.

إنها مهمة تاريخية، وخط الدفاع الأخير ضد رغبات تصفية التأثير العربي، ويشكل تبادل الأدوار الذي تقوم به العواصم الثلاث، والذي ظهر جلياً في نشاط وزير الخارجية السعودي، لاستنهاض موقف عربي موحد، يطوق الأزمة الليبية، ويعيد فاعلية الدور العربي، خطوة مسؤولة وضرورية في هذا السياق.


الرابط :



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...