التخطي إلى المحتوى الرئيسي

رهانات الرياض في التقارب مع بغداد


الخيارات العربية التي انكمشت تحت نير الاستبداد الأيديولوجي، أصبح بمقدورها أن ترى النور وتبادل السعودية الود والتقدير وبناء شراكة تعود بالعراق إلى حضنه العربي.
الثلاثاء 2019/04/09


لم يتحمل المرشد الإيراني علي خامنئي صورة الوفد السعودي وهو يزور العراق ويشد من عضد الحكومة المنتخبة شعبياً لتعبر عن آمال وطموحات العراقيين، ويتجول بأريحية بين مدنه ومعالمه، في خطوة اتخذتها الرياض لزيادة الجدية في نيتها مد جسور التواصل والتعاون والاهتمام ببلاد الرافدين بعد سنوات من الجفوة والابتعاد وانحسار الحضور العربي لديها.
وأدلى خامنئي بتعليقات انتقد فيها التقارب السعودي – العراقي، خلال لقائه رئيس الوزراء العراقي الزائر عادل عبدالمهدي، وقال إن التقارب السعودي – العراقي لا يعكس حقيقة موقف الرياض.
يتحدث خامنئي من موقع أنه الجدير بإدارة المشهد العراقي، وإن كان الدور الإيراني مؤثر في بغداد نتيجة عقدين من الحفر في أعماق الحالة العراقية التي تُركت نهباً لميليشيات قاسم سليماني، لكن السياسة مهيأة باستمرار للتحولات الجذرية، وعصية على الاستقرار بوتيرة واحدة. تشعر إيران وهي التي تتعرض لأقسى مراحل المواجهة مع المجتمع الدولي، أن الأرض العراقية تهتز تحت قدميها بحضور سعودي يمثل طليعة دور عربي أخذ يتنامى ويترجم إلى خطوات عملية جادة وجلسات عمل ولقاءات من أعلى المستويات بين البلدين.
ولعل خامنئي إذ يعلّق وينتقد، يريد بذلك أن يكبح جماح هذا التطور اللافت في العلاقات، ويعرقل زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء العراقي إلى الرياض ستمثل ذروة التعبير عن الانسجام والحرص على تطوير العلاقة مع الحاضنة العربية. إذ حلّ تقريباً نصف الحكومة السعودية ضيوفاً على بغداد، أكثر من 100 شخصية على مستويات عالية من وزراء ومستشارين وشركات وأصحاب قرار، “حاملين معهم همّ العراق العربي والوقوف معه ودعمه بمشاريع عملاقة، عكس إيران التي أتت للعراق تطالبه بدفع تعويضات الحرب والوقوف معها ضد أميركا” كما تقول نخبة العراق المتشوّفة إلى دور الرياض ودورها الحيوي الراهن.
هل الحكومة العراقية تبدو قادرة على الذهاب بعيداً مع الرياض وبقية العواصم العربية، بما يخصم من نفوذ ظهران في بغداد؟ إذ لا يعول بعض المعلقين والعارفين بالمشهد العراقي على قيمة هذه الجهود في تحقيق توازن فاعل داخل بغداد، في ظل ما تمتلكه طهران من مقام وحضور عميقين.
تراهن الرياض على فعالية إصلاح سوء الفهم الذي نشأ نتيجة الفجوة المتروكة منذ مدة، وكان عائقاً دون أي فرصة للتقارب، تغذيه بعض التيارات المحلية التي كانت تغالي في الولاء لإيران وتنفّر من السعودية.
تغير ذلك منذ رحيل رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بعد انسداد الأفق العراقي نتيجة سياساته المتشنجة والعمى الأيديولوجي الذي كان يقوده، وأودى بالعراق في جرف انهياري، وصل قاعه بانتشار الحالة الداعشية في طرف العراق الشرقي.
تراهن السعودية على وعي الشعب العراقي الذي اكتوى بجحيم السيطرة الإيرانية، وانفجر في وجه نفوذ طهران ووكلائها المحليين لحظة انتفاضة البصرة التي أحرق خلالها علم إيران، وأحرقت القنصلية الإيرانية كتعبير شعبي صارخ عن الضيق بدور طهران وميليشياتها المؤدلجة.
تراهن الرياض على تقوية الخيارات المعتدلة داخل الطيف العراقي الواسع بالأفكار والانتماءات، وتمد اليد العربية التي كُفت منذ الغزو الأميركي بما حقق لطهران أفضل صيغة لدس نفوذها في بلاد الرافدين، أما والسعودية تقود قاطرة العودة العربية إلى حاضرة الرشيد، فإن المشهد آيل للتغير، والخيارات العربية التي انكمشت تحت نير الاستبداد الأيديولوجي لميليشيات سليماني، أصبح بمقدورها الآن أن ترى النور وتبادل السعودية الود والتقدير والتعاون وبناء شراكة مستقبلية تعود بالعراق إلى حضنه العربي وتحرره من قبضة النفوذ الأجنبي.

الرابط :



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم،...