التخطي إلى المحتوى الرئيسي

لماذا تسرف الدوحة في غيّها


لا تريد قطر أن تكون مستقلة، فهذا حق مكفول لا يزاحمها عليه أحد، لكن الدوحة بكل عمى أيديولوجي، تريد أن تمدّ في نفوذها وتفرش سجادة إمبراطوريتها المتخيلة على هشيم الدول المحيطة بها.
الجمعة 2019/04/12

استنكفت الدوحة مؤخرا إلى جانب تركيا ومنظمة حماس الفلسطينية عن تصنيف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحرس الثوري الإيراني، الاثنين الماضي، منظمة إرهابية أجنبية. أثار هذا الموقف استنكار الجميع، وارتباك الحلفاء المفترضين لقطر، الذين عجزوا عن فهم هذا التصرف.
غير آبهة بالويلات والمرارات التي تجرعها الشعب السوري ومثله اليمني وقبله اللبناني والعراقي من ميليشيات الحرس الثوري الإيراني، أمعنت الدوحة في اقتفاء أثر رعاتها في تركيا ورفضت تصنيف منظمة طالما شتمتها على منابرها المختلفة، وادعت مواجهتها على صعيد الثورة في سوريا.
يزيد الأمر تعقيدا إذا عجزت عن فهم سلوك قطر، أو الحصول على تفسير يسير يطفئ حرارة الاستغراب التي تغزوك مع كل تصرف ترتكبه الدوحة ليفاقم من عزلتها ويعزز تناقضها، ويضاعف تكاليف عودتها إلى حضنها الطبيعي حسب تقاليد الجغرافيا وحسابات المنطق.
ربما يكون الأمر مفهوما لدى من يحيط بسياسات الدوحة من دول الرباعي العربي الذي قرر على إثره مقاطعتها، على أمل أن تراجع نفسها وتنتبه إلى جحيم الأحلام التي تسوّل لها اقتراف المتناقضات في سبيل تحقيق مكسب ريادي وقيادي تعجز إمكانات الواقع عن الوفاء بشروطه، وأنها تجرّ المنطقة بذلك إلى منحدر صعب، تفتح معه بوابات التدخلات الخارجية على مصراعيها.
ولأن الدوحة عاجزة عن تحقيق ولو شطر من تلك الطموحات الكبيرة فوق ما تطيق قدراتها، فقد قررت أن تتّبع سياسة الإيذاء والإزعاج لكل الواقفين في طريقها إلى الجنون والطيش السياسيين.
لا أفق يؤشر أو يلمّح إلى أن الدوحة تراجع نفسها، أو قد تتراجع عن غيّها الذي أوردها واقع ما تقاسيه الآن من مقاطعة الأشقاء ونأي الأصدقاء، بل أبعد من ذلك بإسرافها في الذهاب بعيدا في سياساتها الهوجاء والغوص عميقا في وحل ارتباكاتها وارتكاباتها التي جرّت على المنطقة والخليج نتائج وخيمة.
وكأنها عالقة في اشتباك الخيارات السياسية المريرة التي تورطت فيها، فإن قطر تهرب باستمرار إلى الأمام، غير آبهة بالضيق والحرج الذي يجده شعبها الأصلي المغلوب على أمره، وهو يشاهد بعجز وحيلة قليلة الشقة التي تتفاقم بينه وبقية محيطه الاجتماعي الذي يربطه بشعوب دول الخليج العربي، فيما يزيد المستقدمون من خارج الحدود في نفخ نار الشقاق وتسعيرها، ذلك لأنه لا يخشى التبعات التي ستنجلي عند أول طائرة هاربة ستقلّه إلى ملاذاته الآمنة ومنافيه البعيدة، وسيبقى الشعب الأصلي نفسه يواجه مصيرا حرجا لم يشارك في صناعته أو في صوغ مآلاته.
انزعجت قطر من تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية أجنبية، ربما لأن عددا من أفراد هذه المنظمة ينتشر في العاصمة الدوحة لتقديم بعض الخدمات الأمنية للديوان الأميري، كما تشير إلى ذلك الكثير من التقارير.
وفي سبتمبر عام 2017 احتدم النقاش في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة بشأن التدخل الإيراني في العمق العربي، وخرج مندوب قطر عن الصف، واصفا إيران بـ”الدولة الشريفة” على الرغم من خرائط الخراب التي نكأتها ميليشيات طهران في العديد من البلدان والحواضر العربية.
ومثله فعل أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، عندما انسحب من القمة العربية التي انعقدت أخيرا في تونس، لأن العرب كلهم أجمعوا على رفض تدخلات تركيا وإيران، رغم أن هذا الاستنكار لا يؤذي أحدا، لكنه نكأ جرح السيادة القطرية المستباحة، وحثّ أميرها على الانكفاء ومغادرة المكان.
تزيد وطأة انحسار الطموحات القطرية المنفلتة من كل عقال، ومواجهة حقيقة عجزها، وهي تعيش كابوسا آخر في ليبيا وقد استنفرت كل منصاتها ومؤدلجيها لصيانة آخر معاقل الحلم الأخطبوطي في طرابلس.
لا تريد قطر أن تكون مستقلة، فهذا حق مكفول لا يزاحمها عليه أحد، لكن الدوحة بكل عمى أيديولوجي، تريد أن تمدّ في نفوذها وتفرش سجادة إمبراطوريتها المتخيلة على هشيم الدول المحيطة بها، حيث سوّل لها المستقدمون أن أول ما تحتاجه لفعل ذلك، أن تبث الخلل وتضعضع جيرانها.
انحسر حلم قطر وفقدت استقلالها بعد أن استسلمت للمُجير الخارجي، وحاولت أن تعوض ذلك بأوهام السيادة المتورمة أو بسرديات المظلومية التي تروج لها في كل مكان، ولا يبدو أنها ستكف قريبا عن غيّها.

الرابط :


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...