التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هروب الفتيات قد يشوش على سوية التغيير في السعودية

تغيرت طبيعة المجتمع ولم تتغير القوانين الناظمة له. الانفتاح الاتصالي الذي احتك به المجتمع الخليجي فكك الثقافة الطاغية في تنظيم حالة المجتمع وتأسيسه، ورفع من إيقاع الحياة التي ينشدها.
الجمعة 2019/01/25

التعامل الكندي مع ملف الفتاة الهاربة يثير الشك والارتياب
لم يكن أحد من السعوديين، وغيرهم، مقتنعا بنزاهة موقف الحكومة الكندية في قصة هروب الفتاة السعودية رهف من عائلتها عبر الكويت وتايلاند ومن ثم اللجوء إلى كندا.
إذ سرعان ما تكشفت الكثير من القضايا العالقة التي تشبه رهف وربما أكثر إلحاحا ولم تجد الاستجابة نفسها، من ذلك قصة الفتاة اليمنية ندا علي التي تعذر عليها وأختها الحصول على حق اللجوء في الأراضي الكندية، رغم مرور عامين على وصولها هناك ولم تعرف من عطف الحكومة ولا سعة قوانينها إلا مداهمات الشرطة وزنازين الهجرة غير الشرعية.
حاولت ندا استثمار ما بدا أنه اهتمام حقيقي من السلطات الكندية لرعاية الفتيات المضطهدات، ولكن صوتها ذهب سدى لأن قصتها تقليدية تماما بالنسبة لكندا، ولا تسمن أو تغني في شيء.
الأجواء المشحونة التي تخيم في فضاء العلاقات السعودية الكندية، وسياق الهجمة الشرسة وغير المبررة ضد كل ما هو سعودي، جعلا النظر إلى طريقة تعامل كندا مع ملف الفتاة الهاربة محل شك وارتياب.
بالغت وزيرة الخارجية الكندية، وهي جزء أصيل من عملية الشحن السياسي المهووس ضد السعودية، في ردة فعلها أثناء استقبال الفتاة لدى وصولها إلى المطار، وحاولت استثمار الحشد الإعلامي للقضية للإيحاء بسوداوية الوضع الذي تقاسيه المرأة في السعودية.
بغض النظر عن التفاصيل الدقيقة التي تشكل بمجموعها الدوافع التي حركت رهف ونظيراتها من الهاربات وطالبات اللجوء خارج البلاد، والنتائج التي ستنتهي إليها تجربة كل واحدة منهن، كان المجتمع، حسب ما تشير إليه مواقع التواصل الاجتماعي بوصفها توفر أفضل فرصة لقراءة المزاج الاجتماعي في السعودية، أقل وطأة في اتهام الفتاة، إذ كان ينظر إليها بكثير من الرحمة عطفا على سنها الصغير وعلى ما قد ينتظرها من مفاجآت قد لا تكون سارّة كما تتوقع.
لن يحدث مثل هذا لو كانت القصة في الزمن الغابر، إذ كانت تتحمل فيه الفتاة كل أعباء العيوب والنقائص، وكان المجتمع وقتئذ يكنس كبرياءه الطهوري عبر نسب الأخطاء إلى الحلقة الأضعف في المجتمع، بما يفاقم القضية ولا يخدم جهود تفكيكها وحلها.
تغير المجتمع اليوم، تفتقت الحداثات التي تداخل معها عن وعي ثقافي واجتماعي مختلف، أقل توترا بعد أن انقشعت غمامة الأيديولوجيا الماضوية التي كانت تشتت انتباهه، وفي المقابل لم يكن مرتاحا تماما إلى نوع الدعوات التي تذهب بالظاهرة إلى درجة التسييس واتهام الواقع بالسوء الحاد الذي لا ينفع معه إصلاح أو علاج.
السعودية مقبلة على مرحلة جديدة ومختلفة. نهضة شجاعة تطوي الظروف غير السوية التي كانت تكابدها بعض فئات المجتمع. إصلاحات تبدأ بسنّ القوانين النوعية إلى تجديد الخطابات الفاعلة في المجتمع والمساواة التي بدأت ملامحها تبرز على مقاعد القيادة والتأثير، كل هذا يغذي الأجواء المشجعة التي تشع من السعودية.
لن يحدث التغيير فجأة، ينبغي أن ينضج بهدوء، حتى لا يختل نظام المجتمع ولا تعمّه الفوضى أو الارتباك في هضم التغييرات العميقة التي تحدث له.
الإفرازات الهامشية، التي تطلّ بين وقت وآخر، قد تحدث بعض الجلبة، لكن لا ينبغي أن تحرف مسيرة التجديد عن مضمارها ومسارها الموشوم على جبين صحراء أجدبها الانتظار وأقفرها التمهل والتردد.
ثمة ما يشبه تنظيما نسويا، قد لا يكون قائما بنحو هيكلي لكنه ملموس كآلية تفكير وخطاب، يعالج القضايا بشكل سطحي، ويروّج للخروج على طبيعة المجتمع بشكل سافر لا يراعي شروط التغيير الموضوعية التي تهبه النضج والمسؤولية.
مثل كل المجتمعات، هناك قصص شاذة تنتج عن ظروف غير طبيعية، والمجتمع المسؤول يواجه مشكلاته ويسعى لحلها بشجاعة، لكن حشرها في زاوية التسييس للضغط على الدولة في إطار مواجهة مكشوفة تشهدها المنطقة، يلهب القضايا ولا يسهم في معالجتها، بل يرفع من درجة حساسية المجتمع تجاه هويته، ويعزز من تحفظه على كل نية أو سعي لإحداث التغيير.
أغلب ما تشير إليه الإحصاءات التي تعلنها وزارة الشؤون الاجتماعية أن أغلب أسباب الهروب بين الإناث السعوديات تعود إلى تفكك الأسرة والإهمال وفقدان رعاية الوالدين وعدد من الأسباب الاجتماعية البحتة، واعتساف الواقع بالأسباب السياسية تجن وتشويش مضرّ.
بالمحصلة، لا يمكن أن ندس رؤوسنا في رمال التجاهل والتغاضي. لكل فتاة قصتها، ولا يمكن إصدار أحكام عبثية وإنزالها على وقائع منقوصة، مثل أن فتاة ما تكابد نوعا من الحياة القاسية التي لا توفر أبسط مخرج للانفكاك منها، وبالتالي لا تشبه سواها ممن تحظى بحد الضرورة من دعم الأسرة ومواتاة الظروف، وبذلك لا يصح استنساخ الأحكام من قصص شاذة، ومن جهة أخرى لا يمكن إنزال الأحكام العامة على كل القصص المتنائية في ظروفها وتفاصيلها.
مسؤولية الدولة والمجتمع، وهو ما يحدث تقريبا الآن، أن توطّن المناخ العادل والموضوعي لتوفير الحق في حياة كريمة مكفولة للجميع بلا أدنى تفريق وتوزيع على أي أساس. وأن تقرّ من القوانين والضمانات ما يعالج الحالات الشاذة التي تنبت على سطح كل مجتمع طبيعي، بما يرفع الظلم عن المظلومين، بما لا يفتّ في عضد المجتمع أو يؤثر على استقراره وانسجامه مع ثوابته التي تسمو على الاختلافات، وتعطي الإطار العام لتعريف هويته المجتمعية.
كان هناك واقع غير سويّ، وتقاليد رثّة تنتمي إلى مجتمع قديم، تغيرت طبيعة المجتمع، ولم تتغير القوانين الناظمة والقيم الحاكمة له.
الانفتاح الاتصالي الذي احتك به المجتمع الخليجي فكك الثقافة الطاغية في تنظيم حالة المجتمع وتأسيسه، ورفع من إيقاع الحياة التي ينشدها ويفضلها.
وتحت ضغط ما تقذفه هذه الشبكات الاتصالية من نماذج الحياة العصرية والمنفتحة جدا، بالقياس إلى بعض الأوساط الاجتماعية المتحفظة، تشذ قصص بدوافع مختلفة، برجاء ألا تشوّش على نهج المملكة العربية السعودية نحو التحديث الناضج والسوي.



الرابط :


تعليقات

  1. مكتب محمد الحسينى المحامى بالاستئناف العالى فون واتساب 00201203270033
    محامى مصرى معتمد
    تسجيل وتوثيق العقود بكافة اشكالها
    عقود شركات- عقود تجارية-عقود التوظيف
    توثيق عقود العقارات وتسجيلها ونقل ملكيه العقارات بالشهر العقارى والمحكمة
    توثيق عقود زواج الاجانب لكافة الجنسيات..
    - صياغة وتعديل كاقة انواع العقود والاشراف على تعاقدها
    تاسيس الشركات الفردية وشركات التضامن وذات المسئولية المحدودة و استخراج البطاقة الضريبية والسجلات التجارية لكافة الانشطه سواء شركات او افراد
    زوروا موقعى

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم،...

ماذا يخطر في بالك ( 5 ) ؟

هنا أنقل بعضاً من منشوراتي على صفحتي في ( الفيس بوك ) . راجياً لكم النفع والفائدة  . ضعف التقدير يقود إلى سوء التقرير . .................. كلما كان واقعك ثرياً وغنياً ، بارت بضاعة خيالك الواهم . …………… إذا أحببت شيئاً ثم التقيت به بعد غياب فكأن الروح ردت إليك بعد غيبة الموت ، أو العقل عاد بعد جنون ، أو الذاكرة استفاقت بعد غيبة . كل الأشياء الرمادية تسترجع ألوانها الزاهية ، والروائح الزاكية تستجرّ عنفوانها ، والمشاعر اللذيذة تستعيد عافيتها . ما يفعله الشوق بك من ذهاب العقل وغيبة الذاكرة وموات الروح ، يفعل بك الوصل أضعافه من الفرح والطرب والنشوة . لقد جُبل هذا القلب على الإلف بما يحبه والتعلق به حتى يكون بمثابة الطاقة الموصولة بألياف الكهرباء ، أو الزيت الذي يقدح النور ، والجمر الذي يستفز أعواد البخور . وإذا غاب المحبوب واستبد بك الشوق انطفأ نور الوجه وضاقت النفس وذهب الفرح حتى يعرف ذلك في حدة طبعك وانغلاق عقلك وعبوس وجهك ، فإذا التقى المحبوبان والتأم القلب عادت المياه لمجاريها وشعشع الوجه واتسع الثغر وانفرجت الأسارير . سبحان من خلق . ……………… إذا كنت...