ليست القنفذة التي نعيشها الآن كما كانت قديماً من جهة نشاطها الاجتماعي والثقافي والتطوعي ، إذ تشهد هذه الأيام حراكاً محموماً تتبناه القطاعات الحكومية والأهلية على حد سواء ، بل تتجه مجموعة الفعاليات والأنشطة إلى مستوى ملحوظ من النضج والعمق والفاعلية ، يترافق هذا مع تنمية عمرانية وخدمية كبيرة في المحافظة رغم البطؤ الذي تشهده على المستوى التعليمي والتدهور المفزع في القطاع الصحي وحرمانها غير المبرر من بعض الخدمات الاستراتيجية مثل إنشاء المطار الذي أقرّ بميزانية ثابتة ولكنه تبخر وكأن شيئاً لم يمكن .
ومع هذا ما زالت الأنشطة تتنامى باتجاه الكثرة الكمية والنجاعة الكيفية ، إذ سأعرض تجربتي الشخصية في أقل من أسبوعين تلقيت فيها دعوات كريمة وصادفت فيها مواقف تنبئ عن حجم النشاط وتكشف عن جانب من الرغبة الجادة لدى قطاعات الشباب والمسؤولين في القنفذة على معانقة المجد عبر منصاتهم الثقافية والتربوية والتطوعية .
شاركت في مشروع مساء الناجحين الذي يستضيف ريادات من محافظة القنفذة لتحدث جمهور البرنامج عن تجربتها الشخصية في النجاح بتنظيم متقن من مجموعة بصمة شباب التطوعية التي حققت نقلة نوعية في العمل التطوعي عبر حزمة فعالياتها وبرامجها المميزة والفاعلة ، بمجرد اختتام الأمسية الرائعة تلقيت دعوة للمشاركة في لقاء شعراء وأدباء وادي حلي الأول بمبادرة من الشاعر حسن بلقاسم الغبيشي ، وكان اللقاء ماتعاً ومترعاً بالإيجابية وأعلنت لجنة التنمية الاجتماعية بوادي حلي وقتها عن أمسية شعرية جماهيرية ستعقد بالتزامن مع اليوم الوطني للبلاد ، ينافسهم في ذلك الموعد انطلاق بطولة شباب الصفة السابعة التي ستحتفل على طريقتها الخاصة بهذه المناسبة الوطنية ، والبطولة متميزة ولها اتصال وثيق بكثير من الرموز الرياضية في البلاد وهي تتكرر نهاية كل عام ضمن سلسلة البطولات الرياضية بالمحافظة اتفقوا عبر تشكيلهم الاتحادي على تناوب المواعيد وتعاضد الجهود .
خلال الملتقى الأدبي تباحث الشعراء عن أملهم في تأسيس ناد أدبي مستقل يضم الجهود ، وهذا يذكرني بما تقوم به اللجنة الثقافية بمحافظة القنفذة والتابعة لنادي جدة الأدبي قبل شهر تقريباً عندما شاركنا في إحدى أماسيها اللامعة إذ استضافت شخصية أكاديمية معتبرة من مدينة جدة لتكون قلادة العقد الذي ينتظم كوكبة من الأمسيات الشعرية والأدبية والثقافية الكبيرة التي تضيء سماء القنفذة وتلهب حراكها ويقف خلفها مخلصون يتقدمهم الدكتور عبد الله بانقيب والفذ حسن الجفري .
ليس بعيداً عن ذلك جرى اتصال جمعني بمدير فريق رسالة التطوعي عبد الرحمن الفلاحي إذ تحدث عن رغبة الفريق في إطلاق جائزة على مستوى القنفذة لتكريم المتميزين في فنون وقطاعات مختلفة ، سيتم تحديدها في موعد الاجتماع الذي يصادف موعداً آخر لوضع سيناريوهات تطوير بعض الواجهات الإعلامية عبر المنصات الإلكترونية والمطبوعة التي تخدم المحافظة وتنقل صورتها وصوتها إلى المعنيين .
الإعلام ينمو بشكل رائع في القنفذة عبر تنظمات شبابية رائعة ، تفاجئنا بقدراتها الاحترافية في التصوير والمونتاج ، إذ تقوم قناة شباب الصفة على اليوتيوب والرائدة في هذا المجال بإنتاج برنامجها الناقد والساخر ” ماشي خلاف ” الذي يعالج قضايا وهموم المحافظة ويلقى رواجاً وقبولاً كبيرين يقدر بعشرات الآلاف من المشاهدين ، يساعدهم في الإنتاج شبكة تفاصيل الإعلامية التي تدعونا خلال الأيام المقبلة إلى اجتماع بخصوص تنفيذ نشرة إخبارية تجريبية ستذاع للملأ عبر الوسائط الإلكترونية ومثلها مجموعات إعلامية شبابية رائعة ومحترفة على رأسها ” مجموعة كام كوم ” الإعلامية ، فضلاً عن جموع الجيل الجديد من الصحفيين الشباب ممن يسعى باجتهاد إلى تطوير إمكاناته ومنافسة زملائه ، والصحف الإلكترونية التي ولدت من رحم منتدياتها التقليدية ، ولو فكرت بشكل جاد في توحيد صفوفها وتشكيل تجمع ينظم عملها ويداول نشاطاتها بما يقوي العزيمة ويرفع الكفاءة لتبدل الحال إلى أحسن مآل .
الأمر نفسه يحتاج إلى أصحاب الموهبة التي تقترب من الاحتراف في فن التصوير والرسم والخط ، فعبد الرحمن حلواني وماجد الرحماني ومحمد لاحق الناشري يقدمون للناس وعبر عدساتهم العظيمة جوانب من نشاط المحافظة وتراثها وانتعاشها ، أما صاحب الريشة الرقيقة والذوق الدافئ محمد الدرمحي القوزي فهو يصبغ الجمال على جدران القوز وحلي عبر مسافات من الفن الجداري التي تسرّ الناظرين وتلوي أعناق المعجبين .
اختتمت الاتصال بالفلاحي ليردفه اتصال آخر من الأستاذ ياسين الدرهمي للحديث حول نية جمعية تحفيظ القرآن بوادي حلي عن إطلاق النسخة المطورة من برنامجها ” أديب المستقبل ” الذي يهتم بتخريج نخبة من طلابها يتصلون بالقراءة اتصالاً ينتج مثقفين على طراز عالي وعميق ، وهي جمعية متميزة شاركنا في احتفالها مؤخراً بتمام أنشطتها وتكريم طلابها ومعلميها المميزين وبثت هذه المناسبة مباشرة على قنوات فضائية عدة نقلت للناس جزءاً مما تمتاز به القنفذة من كفاءات ونجاحات مشرفة .
يحدث مثل هذا وأكثر في مؤسسات التربية والتعليم وجمعيات تحفيظ القرآن والبر الخيرية ومكاتب الدعوة والإرشاد ولجان التنمية الاجتماعية ومراكز أحيائها والأندية الرياضية والفرق التطوعية والتجمعات الثقافية العابرة وسواها من محاضن النشاط الاجتماعي والثقافي الرسمي والأهلي .
أشعر بسعادة بالغة وأنا أرى هذا الحراك الجبار يمور في أقل من أسبوعين في محافظة القنفذة ، بل ألمس تنامياً مطرداً له على كافة الأصعدة ، ويزداد عندي اليقين بحاجتنا إلى تكثيف جهودنا الإعلامية لإظهار هذا النشاط ، لتطوير إمكاناتنا ، لتفعيل أدورانا عبر المواقع الافتراضية ، لنتحمل مسؤولية محافظتنا ونسمع الآخرين صوتنا وانتعاش مؤسساتنا .
كل هذا سيعود بالفائدة علينا ، سيخدم محافظتنا ، ويدفع باتجاه التنمية ويعجل بنيل مطالبنا وتحصيل حاجاتنا المؤجلة ، وأكثر من هذا سيسهم في بناء جيل ناضج من الشباب ، يطور إمكاناته ويرفع من مطامحه ويرتقي من مستواه إلى الحد الذي يجعله حاضراً في مسرح الوطن الكبير ومؤثراً فيه بقوة وفاعلية .
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق