جدة - عمر البدوي
الجمعة ٤ أكتوبر ٢٠١٣
يبدو أن جزءاً من غياب مؤسسات المجتمع المدني عن المشهد الشعبي يعود إلى هشاشة الإيمان بدور هذه المؤسسات في تنمية البلاد وتسريع عجلة الإصلاح في صوره كافة، على رغم الحضور التاريخي للعمل الأهلي في الثقافة الدينية والاجتماعية، ولكن المسألة لم ترقَ إلى التنظيم القانوني.
تعد المنظمات المدنية المصرية من أقدم المنظمات العربية، إذ أسست أول منظمة في مصر عام 1821، وفيها اليوم آلاف المنظمات، وتأثرت دول الخليج العربي بالطبيعة السياسية والثقافية والاجتماعية لها في إنشاء المنظمات المدنية، ومن أوائل الدول التي تأسست فيها هذه الجمعيات البحرين، ولعل النشأة الأولى لمنظمات المجتمع المدني في دول الخليج أخذت الطابع الخيري أو الأدبي والثقافي والاجتماعي، وبرز حضورها في دول وقلّ في أخرى.
وتنظّم كل المؤسسات والجمعيات الناشطة في العمل الخيري وفقاً للمفهوم الرسمي للمجتمع المدني في السعودية، وينقسم مجال اهتمامها إلى نوعين: الأول هيئات تنشط في العمل الداخلي بدأ تأسيسها في منتصف الخمسينات في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز، وبلغ عددها حتى عام 2004 قرابة 260 هيئة ومؤسسة تؤمّن المساعدات العينية والرعاية الاجتماعية للمحتاجين، وهي مسجلة رسمياً لدى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وتخضع لأنظمتها، والثاني هيئات ومؤسسات خيرية أنشئت في ظروف دولية خاصة «نتيجة للصراعات المسلحة في أفغانستان والبوسنة»، وتنشط في العمل الخارجي، ويقدر عددها ببضع عشرة هيئة ومؤسسة تعمل في مجالات الرعاية والتعليم والدعوة والدعم العيني.
بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 أظهرت نتائج التحقيقات الأميركية تورط سعوديين في تنفيذها، ما عكس آثاره السلبية على الأوضاع الداخلية السعودية وعلى مختلف الأصعدة، إذ تعرضت بعض المؤسسات الخيرية والأهلية إلى المساءلة القانونية والإغلاق الفوري، وعلى صعيد آخر حصل اعتراف علني بأهمية وجود مؤسسات المجتمع المدني وحاجة الدولة والمجتمع للانتقال إلى موقع إيجابي في قضايا حقوق الإنسان. وتشهد المؤسسات المدنية والأهلية ذات الاهتمامات السياسية والرقابية حضوراً أضعف في مقابل المؤسسات الخيرية والإغاثية لظروف مختلفة، تعود في غالبها إلى الطبيعة السياسية للبلاد، والثقافة الاجتماعية المترددة تجاه أي سلوك سياسي جاد وصريح.
يقول الكاتب جعفر الشايب: «لا وجود حقيقياً لمؤسسات المجتمع المدني في السعودية، على رغم الحاجة الماسة لها نتيجة تطور المجتمع ونموه المتسارع، وتعاظم الحاجات الإنسانية لدى أفراده، ومن الملاحظ أن قدرة الجهات والمؤسسات الرسمية على الاستجابة لهذه المطالب والحاجات لا تزال محدودة ولا تلبي الحاجات، وهو ما يعني أن عملاً مدنياً موازياً أصبح ضرورة ملحة ليسهم في تعزيز وتوفير حاجات المجتمع، كما أنه بالتأكيد سيسهم في تنمية القدرات الذاتية للعناصر المشاركة فيه».
ويرى المحلل السياسي عقل الباهلي أن ما يسبب غياب مؤسسات المجتمع المدني في السعودية هي حال التوجس لدى من أن تلك المؤسسات ستكون خارج توجيهات المسؤول، ويؤكد أن مؤسسات المجتمع المدني هي الإطار القانوني لأي جهد جماعي، ولا يمكن للنشطاء التحرك من دون مؤسسات مجتمع مدني تصرف على أنشطتهم وتقنن أعمالهم وتدافع عنهم في حال تعرض سلوكهم لأي سوء فهم.
ورأى المدوّن الشاب أحمد صبري أن السعودية تشهد غياباً ليس لمؤسسات المجتمع المدني فقط، وإنما أيضاً لحرية الرأي وحرية الصحافة والحريات السياسية، ويشير صبري إلى أن المؤسسات المدنية بمقدورها أن تقوم بالكثير وبما يجعلها مطلباً أولوياً عند بعض الناشطين، إذ يمكنها أن تكون رقيباً فعالاً على القطاعين الخاص والعام، ويمكنها أن ترفع نسبة الشفافية وتخفض نسبة الفساد، وعلى نطاق آخر يمكنها أن تخفف من الاحتقان لدى الشباب الطموح لتطوير بلده، ولكنه مكبّل لأنه محاصر بالكثير من المحاذير والخطوط الحمراء.
الأمر نفسه بالنسبة إلى الكاتب جعفر الشايب، إذ يقول: «نظراً إلى ما تتميز به مؤسسات المجتمع المدني من حيوية ومرونة وفاعلية، فإنها تكون قريبة من الحاجات الفعلية للفئات المستهدفة، وبالتالي فإنها أكثر قدرة على فهم حاجاتها وسرعة تلبيتها، وعادة ما تتمكن مثل هذه المؤسسات من العمل بعيداً من البيروقراطية المعهودة في المؤسسات الرسمية، إضافة إلى ذلك فإنها تعتبر مكاناً ملائماً لتنمية القدرات والطاقات للعاملين فيها، يضاف إلى ذلك أن هناك مناطق فراغ واسعة في المجتمع السعودي تتطلب إشراك مختلف الجهات والفئات للتعاطي معها ومعالجتها، وهذا بالتأكيد لا يتأتى إلا من خلال إفساح المجال أمام مؤسسات المجتمع المدني للمشاركة الفاعلة في ذلك».
وأضاف: «في بلد مثل السعودية تبدو الحاجة ماسة إلى مؤسسات المجتمع المدني، لما لها من دور مهم في شيوع الوعي الشعبي الذي انعكس في تشكيلات العمل التطوعي على ضعف تجربتها وسيولتها المادية، وهو ما يؤكد استعداد المجتمع للانخراط في تجربة المؤسسات المدنية المستقلة وتوظيفها على نحو جاد وواعٍ».
وأشار الشايب إلى أن هناك مبادرات وتعبيرات متعددة في المجتمع السعودي تنبع من الحاجة إلى وجود مؤسسات تسهم في سد حاجات المجتمع أو تلبية طموحات أبنائه، وتتنوع هذه المبادرات زمانياً ومكانياً بحسب ظروف كل بيئة اجتماعية ونشاط أبنائها، ومجالات التطوع مختلفة ومتعددة وواسعة جداً.
ويضيف: «لا شك في أن هذه المبادرات بمختلف نماذجها تعطي صورة عن حركية المجتمع واستعداد أفراده للعمل المؤسسي المنــــــظم، وأرى أن ذلك علامة صحية في مجتمع شاب وناشئ». ولاحظ الشايب أن معظم هذه المبادرات هي استجابة لحاجات حقيقية في المجتمع، مثل مساعدة ضحايا كارثة جدة، ومبادرات ضد الطائفية ومكافحة الفساد، ومساندة حقوق المرأة، وتوعية الشباب والتواصل الوطني، وحماية البيئة وغيرها من المبادرات المهمة جداً.
غياب نظام يقنّن إنشاء المبادرات المدنية... أبرز العوائق
أوضح الكاتب جعفر الشايب أن من العوائق الرئيسة عدم وجود نظام يقنن تأسيس وإنشاء مؤسسات مجتمع مدني ومؤسسات أهلية، الأمر الذي يعني أن البيئة القانونية لمؤسسات المجتمع المدني مشوشة للغاية، ولا توجد حماية قانونية لمثل هذه المبادرات والمؤسسات، ما يجعلها عرضة لإجراءات إدارية تعوق أو توقف عملها. وينعكس هذا بالطبع على حذر الكثيرين من المشاركة في مثل هذه المبادرات والمؤسسات والانتظام في عضويتها، والعائق الآخر هو ضعف استقلال المؤسسات الأهلية التي يراد لها أن ترتبط بصورة أو بأخرى بشخصيات معيّنة أو بجهات رسمية، ما يعني فقدانها أهم سمات مؤسسات المجتمع المدني، وهي الاستقلال عن الدولة ومؤسساتها. ولعل من المعوقات أيضاً ضعف ثقافة العمل المؤسسي في البيئة المحلية والذي يجعل من الشخصنة في إدارة المؤسسات علامة بارزة وواضحة.
وعن مستقبل النظام الذي ينتظر منه التشريع لعمل هذه المؤسسات يذكر عقل الباهلي أنه متوقف منذ ستة أعوام، وهو ينتظر الصدور من المقام السامي فقط بعد أن وافق مجلس الشورى عليه. وعن تجربة بعض مؤسسات المجتمع المدني الموجودة الآن في السعودية مثل هيئة الصحافيين وجمعية حماية المستهلك والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان يقول الشايب: «هناك بعض المؤسسات القائمة في المملكة أثبتت وجودها وفاعليتها، ولكن الكثير منها لا يزال متردداً في تقديم فعل حقيقي ومثمر بسبب عدم وضوح الأدوار والتداخل بين الأهلي والرسمي، ما يجعل عطاءها أقل بكثير مما هو مطلوب أو متوقع، وأعتقد أن على هذه المؤسسات أن تثبت قدرتها على التعاطي الجاد مع المسؤوليات المناطة بها، وأن تتخلص من الرقابة الذاتية للقيام بدور حقيقي، وهذا ما يجعلها تقدم خدمة ملموسة للمنتسبين إليها أو المستفيدين منها، وأرى أن أمام هذه المؤسسات مجالات عمل واسعة يمكنها العمل من خلالها كي تكون نماذج فاعلة في الساحة المحلية». ويعتبر الباهلي أن أكثر مؤسسة فاعلة على رغم ضعفها الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان. وأضاف أن المملكة يسكنها 20 مليوناً، ولديها 3 جمعيات، بينما البحرين تحتضن 43 جمعية، وذكر أن الأوهام أخطر من القرارات عند المسؤولين.
الروابط :
http://alhayat.com/Details/558576
http://alhayat.com/Details/558572
تعليقات
إرسال تعليق