2013-10-28 |
بقلم: عمر علي البدوي / كاتب سعودي
مشهد السيسي وهو يلقي بيانه الأول بعد عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي يعبر عن الإعداد الدقيق للصورة التي ستعبر طوال التاريخ عن اللحظة الفاصلة في النهاية الدرامية لأول رئيس مصري منتخب شعبياً، يجلس ممثلو الأطياف والتيارات السياسية على يمين ويسار السيسي لاستكمال المشهد المسرحي بكل أركانه.
لا يبدو هذا المشهد معبراً بما يكفي عن قرار اتخذ نتيجة ضغط شعبي يضج في شوارع مصر، لا إحساس ثوري في الصورة، لا يبدو أن أحداً من الجالسين كان منفعلاً مع قرار الجيش بالعزل، يبدو أن العلم المسبق أو الترتيب الهادئ لهذه اللحظة أجهز على الإحساس بالإثارة وقتل الروح الثورية والانفعال مع الموقف البطولي "البارد".
العسكر والمدنيون والشباب الثوري والإسلاميون في صورتهم الدولاتية والحزبية كان حضورهم لازماً لإظهار مدى التوافق على عزل الرئيس، الإخوان وحدهم وبقية التيارات الممانعة لا وجود لها، لأنها ستكون كبش الفداء والمقصود بالعداء، إنها حجر الزاوية لبناء القوام الجديد بعيداً عن النفس الثوري الذي أراد له الإخوان الديمومة والاستمرار.
ختم السيسي تلاوة البيان وانتهى المشهد وسدل الستار عن الفصل الأول من مسرحية الموجة الثورية الباردة، انتهت أدوار الأطراف السياسية وذهب كل منهم إلى مقعده المرسوم له أو إلى حيث أرادت له السلطة أن يكون عليه، السلفية هم النسخة الإسلامية السياسية الأفضل بالنسبة للسلطة الجديدة.
وفي حقيقة الأمر ليست السلفية هي النسخة الإسلامية السياسية الأنسب في معالجة الشأن العام وتناول السياسة أو الدخول في دهاليزها وأزقتها الضيقة، فالسلفية على نصاعتها العقدية لا تملك إرثاً تاريخياً جيداً في هذا المجال ولا تجربة واقعية تطبيقية مقنعة ولا حزمة رؤى متينة وواضحة في الشأن السياسي، وهي مرتبكة في موقفها من السياسة ومحاذرة إلى درجة الضياع والشتات.
السلفية غير ناضجة سياسياً، وهي في غالب طروحاتها التاريخية والراهنة تعاني ضعفاً وهشاشة في المحتوى، ويزيد الأمر تعقيداً عند تناول مفردة الديمقراطية التي تتنافس عليها التيارات السياسية عامة لإثبات انسجامهم مع الفكرة وقبولهم بخياراتها الفلسفية والإجرائية.
وحتى في السعودية باعتبارها مركز الإشعاع السلفي في العالم، فإن السلفية السعودية لا تباشر العمل السياسي وتكتفي بالجانب الاجتماعي والتعبدي، وتتوقف في شأن السياسة عند إسداء النصائح والتوجيهات العامة التي تقترب من رسم السقف الأخلاقي الإسلامي الذي يحيط تعاملات الإنسان وتواصلاته والحفاظ على المكون الإسلامي وبيضة المسلمين دون إمعان واضح وتناول صريح للتفاصل الدقيقة للسياسة وإخلاء مسؤوليتها عن درجة التطابق بين الرأي السلفي والفعل السياسي.
وهذا يعبر عن السلفية بوصفها مؤسسة رسمية تندرج تحت عباءة الدولة مما يعرضها لمساءلة أخلاقية ودينية من حساسية اتصال العالم بالسلطان وخضوعه لأجنداته السياسية.
وبالحديث عن المكون الديني المتصل بالدولة، فإن الأزهر لم يضطرب في القطع بالتدخل في الشأن السياسي من عدمه مثل ما يحدث له الآن، فهو كثيراً ما يدعو إلى ذلك باعتباره مبدأ شرف ونزاهة ثم يتدخل بصورة صارخة.
كما إنه يدعو إلى عدم الخروج على ولي الأمر ثم يضفي شرعية لمن له الغلبة والقوة في ذلك، وهو على درجة عالية من الخضوع للسلطات الفعلية القائمة خلال السنوات العشرية الأخيرة، فإنه وبالنظر إلى تاريخه كان فاعلاً سياسياً وواحداً من أكثر مؤسسات الدولة تأثيراً في مناكفة الفاسدين والمتنفذين في الشأن العام، ولكن شيئاً من ذلك تغيّر وأخضع هذه المؤسسة الدينية العتيقة إلى مجانبة هذا الدور الفاعل والمؤثر في الحفاظ على مصالح الشعب وكرامته.
أما السلفية بوصفها حزباً سياسياً، فتلك تجربة طريّة لا يسع الحكم عليها، رغم أنها تتعارض مع بعض أدبيات الفكر السلفي مثل التشنيع على المنافسة في طلب الإمارة، إلى جانب تأكيدهم المستمر والدائم على ترك السياسة نهائياً والتزهيد فيها (واعتزالها)، وهذا ما أشار له بعض رموز السلفية في مصر.
حزب النور يعاني من الإهمال والتضييق أحياناً، كما إنه لا يملك أدواراً فاعلة في المشهد الجديد، ويبدو أنه يتجه شيئاً فشيئاً إلى الإبعاد سواء كان ذلك بإرادة السلطة الجديدة أو لضعف أجندته السياسية وهشاشة أدواته.
وعلى كل حال، فإن الغطاء السلفي للسلطة الجديدة يوفر المناخ الهادئ لطبختهم التقليدية ويزيح همّ النفس الثوري عن سماء مصر الملبدة بالارتهانات الخارجية والاستقطابات الداخلية، النور السلفي يبعد عن السلطة الجديدة أحزاب الاستقواء الإسلامي بخطابهم المزعج وإمكاناتهم الحشدية وخياراتهم المربكة وبرنامجهم السياسي.
وحزب النور على قاعدته الشعبية العريضة، انقسم خلال الانقلاب بين (الطبقة المتصرفة) التي جلست في مقعد خلف السيسي وبين قطاع ليس بالقليل من القاعدة الشعبية مالت مع الإخوان في مغالبتهم للانقلابيين وتمسكهم بشرعيتهم الانتخابية.
عندما تتابع التفاصيل الدقيقة لمشهد الانقلاب، تلاحظ بوضوح الانزعاج الكبير من الحركات الإسلامية السياسية، وتقف على الجهد المبذول من القوى الفاعلة دولياً وإقليمياً لإفشال تجربة الإخوان المسلمين في الحكم.
ورغم التردد الأمريكي المحاذر في القبول بالانقلاب وتقويض العملية الديمقراطية في مصر، إلا أن قوى عربية وإسلامية وقفت بالمرصاد لكل الحركات الإسلامية السياسية، وجأرت وزأرت بالحرب على التوجهات الحركية عبر منابرها الإعلامية المنتشرة وتمويلها المشاريع السياسية البديلة.
الحركات الإسلامية السياسية بعد جهدها الشاق في تطوير رؤيتها السياسية وإنضاجها بما يتوافق مع الفضاء الديمقراطي وتجاوزها لاحتباسات الموقف الإسلامي المرتبك من السياسة، انطوت (هذه الحركات) على ما يزعج الأنظمة التقليدية في المنطقة.
ومع أخطائها في التعصب لأحزابها وشدة انغلاقها على تنظيماتها، ولكن إيمانها بالنقد الذاتي وضرورة التحديث المستمر سيساعدها للخروج من عنق الزجاجة الأيدولوجية، سيما إذا استقرت القواعد الديمقراطية والسلمية في البلاد بما يرسخ لدى الأحزاب والجماعات خيار الاحتكام إلى وسائل التعبير والوصول السلمي والمدني التشاركي الآمن.
أخطأ الإخوان خلال فترة حكمهم وارتكبوا عدداً من الانحرافات التي لا تليق، ولكن الانقلاب على المسار الديمقراطي أكبر خطيئة في حق مصر وشعبها.
الرابط : http://alasr.ws/articles/view/14694
تعليقات
إرسال تعليق