جدة - عمر البدوي
الجمعة ٦ سبتمبر ٢٠١٣
العراك الذي حدث داخل مسجد في الرياض، قد يكون أقل ثمار عزل مرسي، مقارنة بالدماء التي سالت في مصر، في حين تبدو عجلة التفاعل مندفعة أكثر داخل الأوساط العربية والإسلامية.
انحياز خطيب جامع الفردوس في الرياض إلى فريق الرئيس المخلوع محمد مرسي والدعاء على السيسي، حفّز مجموعة من المصريين إلى مخالفته ومقاطعته بصوت مسموع وهو ما دفع مصلين آخرين إلى الاشتباك معهم لمحاولة إسكاتهم، وسريعاً ما اشتعلت جبهة «تويتر» الملتهبة دوماً.
أبدى مغردون استياءهم من العراك وتسيس الخطب، فأنشأوا وسماً باسم (#عراك ـ جامع ــ الفردوس) شارك فيه عدد من الفاعلين في الحراك الفكري والإعلامي.
كما أن خطبة الحرم المكي الجمعة الماضية تطرقت للسياسة أثناء تناولها للشأن المصري، وهو ما جعل النقاش يحتدم أكثر، حــــول ازدواجــيـــة رفــــــــــــض تسييس الخطب من عدمه. كتب الصحافي محمد العمر مطالباً خطباء السعودية تنحية آرائهم الشخصية عن منابر الجمعة وأضاف: «يا خطباء الجُمَع في السعودية لسنا في رابعة العدوية ولا ميدان النهضة ولا جامع الفتح.. فرأيكم ضعوه خارج جوامعنا».
بينما رأى بعض المغردين ضرورة حفظ مقام الخطيب مع خطئه، كما كتب المحامي محمد المهنا الذي قال: «قدر الخطيب التقدير والتوقير، فإن أخطأ وجب نصحه، أما من أثار اللغط في المسجد والفتنة بين المصلين فهو مسيء خاطئ ينبغي تعزيره».
وكان مصدر في وزارة الشؤون الإسلامية صرح سابقا لـ«الحياة» أن «الوزارة رصدت الحادثة وستوقف الإمام عن الخطابة، كما شدد على أن الوزارة لا تؤيد تسييس خطب الجمعة». وأكد المصدر المسؤول في الوزارة أن «الشؤون الإسلامية» لا ترضى إطلاقاً أن يحول المنبر من وظيفته الشرعية في الوعظ والإرشاد ليكون منبراً لأمور «سياسية» أو الحديث عن دول أو رؤساء، مشدداً على أن مثل هذه الأمور «غير مناسبة»
أستاذ الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن الدكتور مسفر علي القحطاني قال في حديث مع «الحياة» إن المنابر الخطابية ليست مجالاً للخصومة السياسية أو إذاعة الأخبار التي يتابعها الناس في كل مكان، ثم يأتي الخطيب ليلزم الحضور المكلفين بسماعه وجوباً أن يحلل ويعادي ويوالي على أساس ميوله السياسية أو قناعاته الفكرية.
ويضيف: «الناس اليوم مهما استجدت في واقعهم من قضايا سياسية شغلنا بها الإعلام تبقى حاجتهم الأهم في إصلاح شؤونهم الخاصة وعلاج مشكلاتهم الأسرية والتربوية والفكرية وبناء وعي نهضوي يدفعون من خلاله مجتمعهم للتقدم الأمر بالصلاح والنصر لدورهم في الدفع والجهاد».
ويؤكد أن أهم منبر في العالم هو منبر الحرمين ويؤسفني أن يكون مقولباً لقضايا داخلية أو تصفية لخصوم معينين او دعوة لشأن محلي، منبر الحرمين هو منبر الأمة جمعاء يحتاج إلى النصح العام والتوجيهات الجامعة وإلا فقد دوره التأثيري.
بينما عدد الشيخ سلطان بن عبدالله العمري المشرف العام على موقع «يا له من دين» صفات الخطيب الناجح كأن يكون حكيماً في صياغة الخطبة واختيارها وفي طريقة بثها للناس.
وأضاف: «لا شك أن المنبر رمز مهم لتبليغ الدين ونفع الناس، ولهذا ينبغي للخطيب أن يعتني برسالته الدعوية التي يلقيها من على منبره في كل أسبوع. والخطيب الموفق هو من يختار من مسائل الواقع ما يحتاج الناس فيها إلى بيان. في الوقت نفسه ينتقي لتوصيل فكرته أجمل الطرق وأرقى الأساليب. المنبر ليس حكراً على الخطب الوعظية فقط، أو العلمية، بل لا بد من أن يشمل واقع حياة الناس وهمومهم السياسية والسلوكية، مع مراعاة الحكمة في وزن الألفاظ وجودة الكلمات ووضوح الهدف ومراعاة المصالح والمفاسد في خطبته».
وأبدى انزعاجه من الخطيب الذي يلقي بالكلمات من دون تأنٍّ ولا حكمة ولا مراعاة لأحوال الناس، وهو ما قد يجلب له أو لغيره بعض الإشكال ولا يغيب عنه قول الله تعالى «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة». الإعلامي والصحافي عبدالعزيز قاسم تحدث عن ألمه الشديد لوقوع الفوضى التي حدثت في جامع الفردوس بعد مقاطعة مصلين مصريين لإمام المسجد الذي رفع الدعاء بالهلاك على الفريق السيسي إلى جانب بشار الأسد واعتبر الفوصى تلتي رآها في المسجد صدمة لأمثاله، وأكثر من ذلك عندما رأى شاباً سعودياً رفع العقال على آخر مصري، وهو ما لا يليق بمقام المسجد ولا بالأخوة الدينية والعراقة العربية.
وأضاف قاسم: «على خيرية الشيخ حمد الحقيل والثناء الذي بلغنا عنه، ولكن كنت أتمنى من فضيلته أن يظهر في خطبته وإمامته ما يؤلف بين الناس ويجمع بينهم ويتجنب، وهو ما يؤدي إلى الفتنة والقلاقل وإيغار صدروهم وإلهاب الخلافات بينهم، ولا سيما في ميادين السياسة التي تتشعب طرقها وتتعقد مسائلها.
بعد ازدواجية «التسييس» آل الشيخ : الدعاء على الظالم له مسوغ شرعي
وحول سؤال «الحياة» عما اعتبره بعض المتابعين ازدواجية من الوزارة كونها لا تمنع الدعاء على بشار الأسد، بينما أوقفت خطيب جامع الفردوس حين دعا على السيسي، واعتبرت ذلك من تسييس المنابر قال وكيل الوزارة الشيخ عبدالمحسن آل الشيخ: «الأصل الشرعي أن من كان ظالماً وباغياً وقاتلاً للمسلمين بغير وجه حق واجتمع على هذا الرأي في ذلك الشخص ولاة الأمور والعلماء وأهل الحل والعقد، فإن ذلك مسوغاً شرعياً للدعاء عليه» واستدرك أن «الأولى أن يدعو الخطيب بدعاء عام على من ظلم وبغى وقتل المسلمين وآذاهم في أعراضهم وأموالهم وأنفسهم».
وأضح أن «المقصود من منع تسييس المنابر ألا تدخلها الحزبية لطائفة مسلمة ضد طائفة أخرى فنقع في ما وقعت فيه بعض المساجد ببعض الدول المسلمة من أن هذا المسجد للحزب الفلاني وذلك المسجد للحزب الآخر، فلا يصلي في هذا المسجد إلا أتباع هذا الحزب ولا يصلي في الآخر إلا من كان مع الحزب الآخر» وشدد على أن الله نهانا عن الافتراق في الدين قال تعالى: (إن الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء)، وكلما كان من شأنه التفرق عن الجماعة والائتلاف والالتفاف حول ولاة الأمور ستكون الوزارة مسارعة إلى ضبطه ومنعه لما فيه من إشاعة الفرقة والكراهية.
رأى الإعلامي عبدالعزيز قاسم أن الدعاء على الرئيس السوري بشار الأسد لا يشبه ما يحدث في مصر التي تشهد استقطاباً سياسياً غامضاً لا يعلم منتهاه ولا المخرج منه مما يستلزم الحياد المطلع ومجانبة ما يجلب الفتنة والخلاف والفوضى ويدعو إلى الألفة والتعاون والنصح، بغض النظر عن موقفنا الشخصي، لأن إظهار رؤيتنا سيؤدي إلى فتنة»، بخلاف بشار الأسد الذي أجرم في حق شعبه ونكل بهم، ويلقى إجماعاً مطبقاً على دمويته وبشاعته، وهو ما يجعل المسألة مختلفة تماماً.
إمام المسجد وخطيب الجامع مفترض به أن يكون موئلاً للفرقاء بين المصلين، يجمع بين كلمتهم ويؤاخي المختصمين.
وبخصوص الدعاء يفضل أن يكون بشكل عام ولا ينحاز لطرف ما أو ينتصر لتيار سياسي من دون آخر، فالغرض من الدعاء إرادة الخير للناس جميعاً وتجاوز الخلافات .
الرابط :
http://alhayat.com/Details/548987
http://alhayat.com/Details/548974
تعليقات
إرسال تعليق