التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الأسلمة.. دعوة تتجدد أم سلاح يتبدد؟


  عمر البدوي، محمد المصباحي ـ جدة

أكد مفكرون إسلاميون وأكاديميون أن الأسلمة هدف مهم يتمثل في صياغة الحياة في المجال المعرفي والاقتصادي والسياسي وغيرها وفق منهجنا الإسلامي. وقالوا لـ(الدين والحياة) إنها تعنى بإقامة الحياة كما يجب وفق نظام الإسلام مع إزالة العبث والتلاعب المادي والشهواني بالإنسان والحياة, كما أنها تعتبر حقيقة الدعوة الإسلامية وإعادة الحياة إلى نصابها.
مناقضات صارخة
بداية تحدث المفكر الإسلامي الدكتور عبد الرحمن الزنيدي حول ظهور مفهوم الأسلمة قائلا: بعد انفتاح الأمة العربية والإسلامية على الحضارة المعاصرة، ومداخلتها معرفيا كان من ضمن المجالات التي انفتح عليها أهل المعرفة المسلمون "الإنسانيات" أو ما يسمى بالعلوم الاجتماعية كالاجتماع والتربية وعلم النفس وأمثالها، مبينا أنهم وجدوا فيها على الرغم من الجوانب الإيجابية لها في المنهج والموضوع مناقضات صارخة لدينهم في الاعتقادات الكبرى وغيرها، فاتجه بعضهم في مجاله سعيا للتصحيح حتى لا يكون الانسياق وراء المسار الغربي لهذه العلوم عامل هدم للأمة بدل أن يكون عامل بناء, مشيرا إلى أن الأسلمة بصفتها هدفا يتمثل في صياغة الحياة في المجال المعرفي والاقتصادي و السياسي وغيرها وفق منهج الإسلام، ورسم المسالك التي تحقق للمسلم فردا ومجتمعا أن يعيش حياة إسلامية وعصرية وفي الوقت نفسه هدف تشترك الأمة الإسلامية بعلمائها ودعاتها وشعوبها وكثير من قياداتها ومثقفيها في نشره وتطلبه خاصة بعد إفلاس المشاريع اليسارية والعلمانية في تحقيق أي إصلاح أو نهوض بحياة هذه الأمة.
وأضاف أن الأسلمة هي مشروعات عملية من حيث إنها جهود بشرية فيها النقص والخطأ وفيها الصواب والمفيد، والتراكم والتجربة ترشد المسار, أعتقد أن مسيرة الأسلمة الآن تجاوزت مرحلة الدعوة إلى الشعار بعد أن اتجهت الأمة كلها نحوها, بل وصارت الأمة تلح في تحقيقها عبر رسم مسالك الحياة الاقتصادية والسياسية وغيرها، وفق صبغة إسلامية مستثمرة للسقف الحضاري المعاصر.
حقيقة الدعوة
من جانبه أشار المفكر الإسلامي الدكتور سعيد بن ناصر الغامدي أن الأسلمة هي إقامة الحياة كما يجب وفق نظام الإسلام مع إزالة العبث والتلاعب المادي والشهواني بالإنسان والحياة, وتعتبر هي حقيقة الدعوة الإسلامية وإعادة الحياة إلى نصابها وتعبيد الخلق لله سبحانه وتعالى وإشاعة المبادئ الرئيسية والأساسية التي جاءت بها كل الرسالات السابقة لإثبات الحق والعدل والخير والجمال بالمعاني التي أوحى بها الله سبحانه وتعالى, مؤكدا أن مثل هذه الدعوى يجب أن تفصل, فالأسلمة في حد ذاتها ليست خدعة مضللة ولا يمكن الحديث في مثل هذه الأمور بشكل معمم دون تفصيل أو إيضاح, فالأسلمة لم تأت كردة فعل بل هي حقيقة الدعوة الإسلامية غير أن هناك من الطبيعي أن يكون للإسلام موقف واضح وقول بين في كل جديد. ومضى الدكتور الغامدي يقول إن ظهور المناوئين للمشروع الإسلامي المندسين في ثنايا الغرب والناعقين بأفكاره وآرائه في أحشاء العالم الإسلامي الذي يقبعون بيننا كأبواق لأطروحات الغرب كأكبر أثر من آثار الأسلمة.
الإبداع والاختراع
وقال الدكتور مسفر القحطاني إن الأسلمة للعلوم المعاصرة لا يعني تحويلها من الكفر إلى الإسلام بمجرد ذكر شواهدها الشرعية، لكن ينبغي التأكيد على أسبقية الشرع وتقدم أحكامه في ذكر الشواهد الشرعية مع بيان حق أسبقية الكشف لمن قام به, فهو الأولى والله أعلم، وهذا لا ينقص الشريعة بل يعمق الإيمان فيها ويحفز المسلمين على العمل المتواصل للإبداع والاختراع وكشف الجديد من المعارف الإنسانية، مثل ما يقوم به بعض الدعاة والعلماء في قضايا الإعجاز العلمي أو قراءة النظريات النفسية والاجتماعية من خلال النصوص الشرعية، واعتقد أن هذا العمل إيجابي بشرط عدم تجاوز تفسير النص الشرعي ولي عنقه ليتفق مع النظريات المعاصرة.
العقل والشرع
وحول مدى استخدام الدعوة كسلاح ضد من يفصل الدين عن الدنيا ويتهم الرسالات السماوية بوأد العقل ورفض كل مخرجاته قال: إذا أثبتنا بشكل علمي صحيح العلاقة بين العلوم المعاصرة وثبوتها في الوحي الديني، فإنها دلالة ولا شك على تأكيد التوافق بين العقل والشرع، خصوصا أن الشريعة لم تخلق عداوة أصلا بين العلوم الدينية بل جعلت الأصل فيها هو لمكتشفها كما جاء في الحديث "أنتم أعلم بأمور دنياكم" أي في أمور الدنيا الحياتية والتجريبية أنتم أعلم بها من أي شخص آخر لم يتوصل لها, ولو كان نبيا متصلا بالوحي، والشريعة الإسلامية وإن فصلت بشكل كبير العلاقة بين العبد وربه وتوضيح الغيبيات؛ فإنها أجملت وبشكل كبير أيضا في الشأن الدنيوي، واكتفت بإبراز القيم والمبادئ الرئيسة العاصمة من الزلل العقدي أو الانحراف السلوكي أو الإغراق في الدنيا على حساب العمل الأخروي. وهذا دلالة إعجاز ورقي وتطور في التشريع الإسلامي وفتح الأفق واسعا أمام العلماء للاجتهاد والتطوير, وأضاف أن الأسلمة فقط لما هو موجود من النظريات المعاصرة، واعتقد أن في ذلك بعض السلبيات لأنه يرسخ للتبعية العلمية والانتظار المترقب لما يسفر عنه الغرب من جديد ثم محاولة أسلمته وتجييره للأسبقية الشرعية، ومن الأولى محاولة كشف الجديد من المعارف والعلوم و التنقيب عن السنن والمخترعات من خلال عمق الارتباط بالنصوص الشرعية أو التوجيهات القرآنية المحفزة على النظر والتفكر والتدبر والسير في الأرض.
مطابقة للشرع
إلى ذلك أوضح الأستاذ المشارك في جامعة أم القرى الدكتور إحسان المعتاز أنه من الضروري أسلمة جميع نواحي الحياة وجعلها مرضاة لله سبحانه وتعالى لأن ذلك هدف ومطلب وغاية يسعى كل مسلم لتحقيقه.
و قال في تصريح لـ (الدين والحياة) إن عالم اليوم يأتي بأشياء جديدة في حياتنا المعاصرة ونحتاج إلى معرفتها, فان كانت تتوافق مع شرعنا أخذنا بها وإن كانت غير ذلك فنأخذ الصالح ونصحح الخطأ إلى أن نصل لأفضل ما يحقق لنا المصلحة الدنيوية والشرعية, لذلك نجد في موضوع الأسلمة مصطلحا يفهمه البعض بطريقة خاطئة فيرفضون ما أتى به من الغرب وهذا رأي مرفوض والسبب أن الحكمة ضالة المؤمن إن وجدها فهو أحق بها, وأضاف البعض في فترات سابقة كان يظن وجوب أسلمة كل شيء وهذا من الخطأ لأن بعض الأشياء تكون مشتركة بين الناس جميعا فكون الإنسان يأكل عندما يجوع أو يلبس عند العري فهذه أمور يشترك فيها المؤمن والكافر والفاجر والبر ولا يحتاج أن نؤسلمه لأن ذلك إنما هو خاضع للآيات والأحاديث والسنن, مؤكدا أن العلوم الانسانية مسألة مهمة, فالبعض مثلا يقولون الهندسة الإسلامية وهذا خطأ لأن الهندسة تقوم على مبادئ ونظريات ومعادلات يشترك فيها جميع الناس في الديانات والأفكار, والبشر والملل وتركيبة المياه معروفة أنها H20 فلا نستطيع القول بالمحاسبة الإسلامية والكيمياء الإسلامية والفيزياء الإسلامية, فهذا عبث وتنزيل من قيمة الدين الذي أنزله الله على النبي صلى الله عليه وسلم, أما الاقتصاد أو علوم الاجتماع وعلم النفس فنزيل عنها الأفكار الغربية ثم نطابقها مع الشرع لنستفيد منها فإن وجدنا فيها مخالفة لا يعني أننا نرفضها بالكلية فينبغي أن نطورها ونأخذ الصحيح ونعالج الخطأ فيها للاستفادة منها, وقال إن أسلمة العلوم فكرة ليست صحيحة كان يقال نريد أن نفتح كلية لهندسة إسلامية حتى يكون في هذه الجامعة تميز فهذه فكرة غير صحيحة كذلك لو قلنا محاسبة إسلامية فقد أخطأنا خطأ كبيرا لأن الهندسة واحدة, فهل ما يدرس في الجامعات الأخرى هندسة غير إسلامية أو تهدم الإسلام؟ فهي علم واحد يشترك فيه جميع الديانات والأفكار والبشر فالمسلم لا يكون شاذا عن الناس وإنما يستفيد منهم, لكن لا يحاول أن يطوع كل شيء للأسلمة حتى لا يصبح أضحوكة.
تحرير المصطلح
وأكد استاذ العقيدة المشارك في جامعة أم القرى الدكتور سعد الشهراني على أهمية تحرير المصطلحات لأننا نعيش اليوم في فوضى أو حرب المصطلحات إذ علينا معرفة مفهوم الأسلمة لأن هذا المصطلح تنازعه عدة اتجاهات وكل جهة تريد التوجه به نحو الوجهة التي تريدها, مبينا أن هناك بعض العصرانيين ممن يستخدمون المصطلح في إقحام بعض المفاهيم الغربية زاعمين أنها تنويرية وهي ليست كذلك, لافتا إلى أن دين الإسلام يدعو إلى التفاعل الايجابي مع الآخرين فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها وقال: إن الإسلام يدعو إلى التبادل الثقافي أخذا وعطاء ما لم تتعارض مع مصالحه ومقاصده, فلا تعارض بين الإسلام وبين النافع في الحضارات الأخرى بل أنه دين ينمي ويبني الحضارات الأخرى ويتبادل معها ولا يسحقها.

الطريري: هموم أمتنا أولى بالأخذ من أئمة بلجيكا

  عمر البدوي- جدة
تحدث فضيلة الدكتور عبدالوهاب الطريري إلى “الدين والحياة” حول تنصيب إحدى النساء إمامة مسجد في بلجيكا، وشنع على الصحفيين تداول هذا الخبر بكثير من الاهتمام والتحجيم. وأكد أن الحكم في هذه القضية مبتوت فيه وأن الإمامة مشروعة للرجال، وصلاة المرأة في بيتها أفضل من الصلاة في المسجد. وذكر أن تناول هذه القضية من وسائل الإعلام واعتبارها قضايا تستحق الأخذ والعطاء وحشد الآراء نوع من إظهارها وإشهارها واستنزاف الجهد في ما لا يستحق. ونوه فضيلته إلى أن لدينا من الهموم والقضايا ما تزدحم به حياتنا، ولا يمكن أن نكون بمثل المادة الشمعية التي تلتصق بها كل قضية أيا كانت .




الروابط : 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم،...

ماذا يخطر في بالك ( 5 ) ؟

هنا أنقل بعضاً من منشوراتي على صفحتي في ( الفيس بوك ) . راجياً لكم النفع والفائدة  . ضعف التقدير يقود إلى سوء التقرير . .................. كلما كان واقعك ثرياً وغنياً ، بارت بضاعة خيالك الواهم . …………… إذا أحببت شيئاً ثم التقيت به بعد غياب فكأن الروح ردت إليك بعد غيبة الموت ، أو العقل عاد بعد جنون ، أو الذاكرة استفاقت بعد غيبة . كل الأشياء الرمادية تسترجع ألوانها الزاهية ، والروائح الزاكية تستجرّ عنفوانها ، والمشاعر اللذيذة تستعيد عافيتها . ما يفعله الشوق بك من ذهاب العقل وغيبة الذاكرة وموات الروح ، يفعل بك الوصل أضعافه من الفرح والطرب والنشوة . لقد جُبل هذا القلب على الإلف بما يحبه والتعلق به حتى يكون بمثابة الطاقة الموصولة بألياف الكهرباء ، أو الزيت الذي يقدح النور ، والجمر الذي يستفز أعواد البخور . وإذا غاب المحبوب واستبد بك الشوق انطفأ نور الوجه وضاقت النفس وذهب الفرح حتى يعرف ذلك في حدة طبعك وانغلاق عقلك وعبوس وجهك ، فإذا التقى المحبوبان والتأم القلب عادت المياه لمجاريها وشعشع الوجه واتسع الثغر وانفرجت الأسارير . سبحان من خلق . ……………… إذا كنت...