لا أحسب أنني خير من يتكلم في هذا الشأن ، ولا أولى الناس به ، فهو مضمار ضخم ينخرط فيه عموم الرجال التي تبنت هذا الهم المقدس والعمل المعظم وقد امتدح الله سبحانه أهله في نص كتابه الكريم .
لقد بدى لي بعد عمر متواضع في الدعوة أن عموم العاملين في منطقتنا يغيب عنهم المعنى الحقيقي لمهمتهم الربانية ، لقد احتكروا مشروعهم في تخريج مجموعة من " المطاوعة " يسيرون سيرتهم في المجتمع ، ينقطعون عن العامة ولا يتماهون في داخلهم في سبيل الحفاظ على عذرية تدينهم أن تتلطخ بمساوئ الخلطة وتتكدر بشائبة الحياة العامة .
لقد نسوا أن الإسلام رسالة عامة ، جاء ليبني الإنسان بكل حاجاته ومكوناته ويستجيب لرغباته كما يستحثه لغاياته ، وتمثّل فيه الدعوة " النظام التربوي " أو الفلسفة الاجتماعية .
بمعنى : أن الدعوة هي أكبر نقطة التقاء بين الفكرة الإسلامية والمجتمع ، حينها لا قيمة للعزلة والتمترس وراء أستار التدين ، حتى أصبحت أكبر أهداف الدعوة في حلي " كسر حاجز القطيعة بين المؤسسة الدعوية والمجتمع سيما الشباب " .
ولأن فهمهم للدعوة توقف عند تمتين الجانب الديني لدى الإنسان . ذهب مجمل جهدهم في تكثيف الخطاب الوعظي بكافة الأساليب سيما عبر المحاضرات الجماهيرية أو المخيمات الشبابية كأساليب تقليدية للدعوة .
وهنا انخفضت استجابة المجتمع لمشروعات الدعوة على اعتبار أنها تقوم بتكرار ممجوج ولا تستثير رغبتهم عبر " تجديد الخطاب - أو تقديم ما ينفع حسب منظور الدنيا - أو توسيع دائرة الاهتمام الدعوي " .
الدعوة في وادي حلي هو نتاج طبيعي للصحوة الدينية التي عمّت بلادنا وانتقلت عبر نفس العقليات والذوات التي تشترك مع أشباهها في أطراف المملكة ، غير أن الصحوة ورموزها عاشت مخاض مراجعات وخضعت لموجة نقد وتطوير وتحديث لأدواتها وتكويناتها الفكرية بينما نحن نعيش في لحظة متأخرة من الصحوة هي ذات الفورة الأولى لها قبل عشرات السنين .
جزء من تمظهرات النسخة القديمة للصحوة التي ما فتئنا نزاولها ، هي اعتماد " الحماس الديني " دافعاً ومحرّضاً للانخراط في العمل التطوعي وتمثل قيم الصحوة والاستقامة الفردية بينما تجاوز المجموع الدعوي العام هذه المرحلة إلى أبعد من ذلك .
أصبح العمل الدعوي يقوم على التوظيف المأجور ، والعمل الاحترافي كمهنة ملزِمة ، والتطوع غير المشروط بمسبّقات دينية ، ولعل المشهد نفسه من حشود الملتزمين وأصحاب " اللحى الطويلة والثياب القصيرة " هم من يتولى مهام الدعوة .
وهذا ما أسس لمعضلة الارتجال ، إذ اتجه الاهتمام إلى الشروط الظاهرة دون المضامين الموضوعية التي تكفُل نجاح أي مشروع حديث لتحقيق هدف ما ، حيث ترك الأمر في قبضة التسطيح وهوّن من شأن التعمق العلمي والدربة العملية الكافية وسيولة الإبداع كشروط حضارية لأي عمل اجتماعي يرمي لبناء القيم ، وجعل المسألة رهن مقدار من الاستقامة يكفي للعمل .
إني أهيب بالمعنيين أن يلتفتوا لثلاث : ( المعرفة الشمولية - والتوظيف الذكي - وتجديد الخطاب ) على اعتبار أن المشروعات الحضارية تبنى بالعمل على تطوير وتفعيل جوانب ثلاث هي ( الفكر - السلوك - الخطاب ) .
وأسأل الله ألا يعاقبني بالخذلان ،،،
تعليقات
إرسال تعليق