مما يؤسف له أن مصطلح " الثقافة " لا يتداول في أوساطنا بشكل صحي وحقيقي وهذا يجد ما يبرره في ظل مستوى الوعي لدى مجتمعنا الريفي الذي تسيطر عليها ثقافة البداوة والقبيلة والمصلحة الراهنة .
إذ يعتبر الحديث عن الثقافة بنفس دلالاتها الأدبية والعلمية ضرب من " الترف " في تفكير الجادين وضرب من " التفلسافة " الممجوجة في تفكير العاديين .
لا يمكن تطوير الثقافة إلا إذا كانت جزءاً وظيفياً من حياة المجتمع ، وإذا طالعت أشكال الوظائف التي ينتشر فيها أبناء حلي ستجدهم يتراكمون في السلك العسكري بكل عاهاته الثقافية وفي سلك التعليم المتهافت إذ لا يخفى عليكم حالة التعليم على مستوى المملكة فضلاً عن حلي .
بقي أن تصبح الثقافة " هواية معظمة " لدى قطاع الموهوبين والمبدعين ، وهنا يشتعل حماس المبتدئ ثم يبرد عند تكاثف أشغال الحياة حتى يغرق في دوامة تنتهي به إلى قبر موهبته وانطفاء جذوتها .
ثمة تحديان محوريان لدى المثقف في حلي : حجم التفاعل على المدى المحلي ( الوطن ) وفي المدى الكوني ( خارج الوطن ) وهذا يضمن للمثقف توسيع مداركه واهتمامه وتجويد قلمه واكتسابه صبغة احترافية عالمية تحقق له الشهرة والنبوغ ويرتفع به اسم الوادي أو ينتج أيقونة " القدوة النموذج " .
التحدي الآخر هو مقدار المعارف التي يتلقاها طيلة مشواره ، وليس من مشكك في قيمة التعمق الفكري والتزود العلمي كنواة صلبة لتكوين مثقف عالمي يرفع من أسهم حلي الأدبية .
توقف نتاج المثقفين في حلي عند التقاطر على منصات المناسبات الاجتماعية والوطنية ، ولم يبذل أحدهم جهده ويصرف وقته في مشروع تنويري ناضج مستوفٍ لشروط المشاريع الأدبية والفكرية الرئيسية .
لقد أصبح " أدب المناسبات " مغرياً لدى المثقفين لما له من حضور اجتماعي جيد كما ويصنع وجاهات ينتفع بها المثقف في الوظيفة والواسطة والتزلف .
الأدب الشعبي جزء من ثقافة أي مجتمع متمايز سواء الفلكلور أو الشعر النبطي ، والأخير خسر الرهان لصالح " فن الكسرات " الترخيمي الذي يستلذ له الشباب السطحي الشفاف ، بينما أجبر الفلكلور على استبدال جلده بآخر ناعم أملس لا ينتمي للتراث في شيء وإذا حاولت قبيلة ما أن تحافظ على هويته التاريخية جلبت نائحاتها المستأجرة وتغنوا بأمجادهم الفذة .
ورغم أن الأدب الشعبي الموغل في القبلية والتعصب يعتبر عورة على الثقافة ولكنه لم يبلغ حداً من التأثير ليصل هذه الدرجة إذ استشرى فيه داء التجاهل والتشاغل حتى كاد يرديه نسياً منسياً .
التعليم لا يمشي بساقين سليمين ، إذ ما زال أعرجاً يتعثر في كل ميل يقطعه ، حتى أصبح " مقطع الطلاب الراقصين " فضيحة مدوية بينما تخريج مئات " الطلاب العاهات " لم يعتبر فضيحة تستحق أن يهتم لها مجموع العقول التي تتعقب النقائص ولا تحفل بالحقائق .
مدارس ضعيفة لا يتجاو إنتاجها مقولة " مدارس تدفع وعسكرية تبلع " ناهيك عن مخرجاتها الثقافية والأدبية .
الرياضة في حلي تعيش في حال أفضل بكثير من الثقافة ، عندما تبنى مجموعة من عشاق الكرة تطوير مستوياتها وتنظيم تجمعات وبطولات وأندية كانت محط إعجاب وتقدير وبلغت شهرة واسعة ودرجة من التنظيم عالية وهذا يحسب لأهل الرياضة مما جعل هذا الوسط من أكثرها حيوية وفاعلية ونشاطاً على علاته .
المشروع الدعوي تراجع تأثيره في المجتمع لأسباب متداخلة ومعقدة ، المهم أن الناس لم يعد يستهويها خطاب مؤسسات الدعوة سيما على مستوى الشباب الذي يشكل نسبة عالية وقد تجاوز فكر الماضوية والقوالب التقليدية إلى جيل الإنترنت الجديد .
الإعلام صنو كل مشروع اجتماعي ( دعوي - رياضي - تعليمي - ثقافي ) وهو ليس بحالة جيدة في الوادي بكل أشكاله التقليدية والحديثة ، ولم يوظف إلا عبر منتديات إلكترونية بدأت تخسر جمهورها مجدداً بسبب التوقف عن التحديث والتجديد والترافق مع عقلية الشاب الجديد .
في ختام حديثي " المتصدع " أريد أن أسجل إعجابي بالروائي " مقبول موسى العلوي " الذي
فاجأنا بمستوى منتوجه الأدبي الفاخر ، وكم هو رائع أن يقودك الصمت العميق إلى هذا الإنجاز وكان لي الشرف أن كنت يوماً ما طالباً بين يديه .
والله يرعانا ويرعاكم ،،،،
تعليقات
إرسال تعليق