قد تكون ثمة لوثة أصابت عقلي الغض الطري ، أو طار بي حماس شاب متوهج ينفخ فيه أصحابه بكير الثقة والتميز والتفوق ، وقد يكون غير هذا وذاك لأحيي عظام هذا السؤال وهو رميم وأنفخ فيه روح القيام واليقظة .
ولكن بالتأكيد كانت تجربتي القصيرة مع من عرفت من الناس سبباً موصولاً إلى ذلك ، عرفت من الناس كثير ؛ رأيتهم أغير ما يكون على أعراضهم وأضيعهم لقيمهم الشخصية ، يشترون كرامتهم بحيواتهم ثم يبيعونها في موعد غرامي عابر ، يكاد لا يفرط في عقد صداقتنا الوثيق حتى تحين موعدة من مصلحة ومنفعة فيبيعها بأبخس ثمن وأرخص جعل ، وجدت بعضهم أشدهم في الحرص على الدين وأزهدهم في الحياة الدنيا ثم لا يتوانى عن الوقيعة في الأعراض وحض الناس إلى الاعتراض .
مزيج فسيفسائي يصيبك بالدوار إذا صرفت باتجاهه الأنظار !!
تصفحت وجوه الناس فرأيت العجاب ، تعمقت في النظر إلى تفاصيل المواقف الإنسانية الشتيت ، جالست اليائس والبائس وتحدثت إلى الناجح والطامح ، تلقيت من الحياة صدمات وبشارات ، حاولت التباسط والتفلسف ، استقمت لأمر الدين وجربت ما يناقضه من باب إدراك الشرور لمجانبتها وأحياناً لمواقعتها .
أحتفظ بتاريخ من المواقف المتضاربة ، وألبوم من الصور المتقاربة ، لا أريد أن أقطع بجواب ولا أطفئ حرارة سؤال ، ولا أنوي أن أنتهي إلى غاية ولا الوصول إلى نقطة النهاية ، فعشقي باللامتناهي لا متناهي له ، وإدراكي أن مثيل هذه الأسئلة الوجودية لا قرار لها ألزم وأحكم .
يتناولني هذه الأيام يقين لا أجزم بدوامه ، أن الطفل هو أكثر ما يكون الإنسان تعافياً في جسده وعقله ونفسه ، حتى إذا بدأ يكبر ويكبر وإذ به يخسر وينحدر ، فتنقبض نفسه على أدواء وعلل نفسية ، وينحدر جسده باتجاه المرض والبلى ، ويضمر عقله وتتعطل أدواته .
عُقد الحياة ومشاغلها تتخاصمه وتتناوشه حتى تلقي به جثمة هامدة وروحاً خاوية ، وإذا سلم بحصن من دين ، ووقاية من رياضة بدنية ونفسية ، وبُلغة من علم ، وحافظ من مال ومسكن ومأوى ، وأود من طعام نافع دسم ، فما يستوي إلا كمن خرج لتوه من حرب ضروس وعراك طاحن ترك فيه بعض ندوب وجروح دامية محتقنة .
الحق الذي يعلم ويؤلم ، أن المثل والمبادئ ضرب من المثالية ، وهي صورة ذهنية لا تقوم لها قائمة في واقع الناس إلا باستنبات ظروف مصلحية ونفعية قاسية ، حتى تكاد تذهل لنماذج التاريخ التي سمعت بها أو قرأت عنها .
وهذا لا يجري دائماً وأبداً ، إذ جرى لنا ووقف بنا الحال عند مواقف عظيمة تستنقذ الإنسانية من جحيم تنزلها ولأواء تسفلها ، ولكن شيطان الشك يؤذيك حتى تبحث في دوافع الأمر وبواعث الفعل لتستخرج حظه من النقص والضعف والخبث .
(المنفعة - المبدأ - اللذة ) وقف بي التفكير عند ثلاثة من مفاتيح الحياة ، لتفسيرها ، لتبريرها ، قد تمتزج أحياناً وأخرى تنفرد ، يأخذ كل إنسان منها بنصيب ، وقد يستغرق في أحدها فيصطبغ بها ولا ينفك عنها فيكون منتفعاً أو ملتذاً أو صاحب مبدأ وهكذا .
تعليقات
إرسال تعليق