التخطي إلى المحتوى الرئيسي

السعودية... إرث ثلاثة قرون ينسج ذكرى توحيد البلاد في رحلة الدولة الثالثة

تحتفل باليوم الوطني الـ91 وسط ذكريات وتطلعات 

الخميس - 16 صفر 1443 هـ - 23 سبتمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15640]

بحلول تاريخ اليوم، 23 سبتمبر (أيلول) 2021، تدخل السعودية، دولة وأمّة، في العقد الجديد من مئويتها الأولى، وذلك منذ إعلان المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، توحيد البلاد في نطاقها الحالي، متكئاً على إرث عريق وعميق ضارب في أطناب الجزيرة العربية يبلغ ثلاثة قرون، منذ اللحظة التي لمعت فيها فكرة تأسيس كيان سياسي كبير، يجمع الجزء الأكبر من شبه الجزيرة العربية تحت راية واحدة.

تحتفظ الدرعية، القرية الطينية الوادعة على ضفاف وادي حنيفة، بسرّ قيام هذا الكيان الناشئ عام 1722، وامتداد تلك اللحظة الأثيرة في ذاكرتها لولادة واحدة من أهم الدول في منطقة الشرق الأوسط والعالم، أبقت على مركزيتها في المشهد السياسي والاقتصادي، وتأثيرها على مجريات الأمور والأحداث، رغم العواصف والرياح التي اختبرتها طوال القرون المنصرمة.

ازدهرت الدرعية في أوائل قيام الدولة السعودية الأولى؛ إذ وصف المؤرخ عثمان بن بشر في كتابه «عنوان المجد في تاريخ نجد»، وهو واحد من المراجع الشحيحة التي توثق لتلك المرحلة المهمة من عمر البلاد، حالها في زمن سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود، وقال «ولقد رأينا الدرعية بعد ذلك، وما فيه أهلها من الأموال وكثرة الرجال والسلاح المحلى بالذهب، والملابس الفاخرة، والرفاهيات، ما يعجزه عن عده اللسان ويكل عن حصره الجنان والبنان».

كانت الدولتان السعوديتان الأولى والثانية، متذبذبتين في توسعهما واستقرارهما؛ بسبب الخريطة الجيوسياسية التي عاشتها المنطقة خلال القرن الثامن عشر، انتهت بتضعضع الدولة العثمانية التي كانت تبسط وتطوي سيطرتها بين حين وآخر على أطراف من الجزيرة العربية، وتنتدب الحملات العسكرية التي كانت دموية للفتك بالأهالي وتدمير مدنهم وإشاعة الخوف والقضاء على مقومات الدولة والحياة.

وفي قصة هدم الدرعية، كتب ابن بشر (مؤرخ عاصر الدولتين الأولى والثانية وتوفي في العام 1873م)، «فلما كان في شعبان وقدمت الرسل والمكاتبات من محمد علي، على ابنه إبراهيم باشا وهو في الدرعية، أمره فيها بهدم الدرعية وتدميرها، فأمر على أهلها أن يرحلوا عنها. ثم أمر على العساكر أن يهدموا دورها وقصورها وأن يقطعوا نخيلها وأشجارها ولا يرحموا صغيرها ولا كبيرها».

مع انحسار تأثير الدولة العثمانية ثم نهايتها، طُويت مرحلة وبدأت أخرى، كانت المنطقة فضاءً مفتوحاً للتكهنات والتقلبات، وآفاق المستقبل حبلى بالقلق على مصير أمة تتنازعها العروض السياسية المختلفة، لكن شاباً متطلعاً يكابد أحلامه ومخاوفه في المنفى، كان على وشك أن يضع نهاية لكل ذلك، ويسفر عن مشروع وحدوي يستقر وجدان الأمة وواقعها تحت راية رجل واحد.

- 1902: استئناف مشروع الدولة

نوى الملك عبد العزيز وهو بعد شاب تجاوز عقده الثاني بقليل، أن يستعيد فردوس الدولة المفقود، وينهض بمشروع الدولة من رماد التجارب الماضية، التي عانت خلالها من استبداد الجيران أو التصدعات الداخلية الضارّة، وعقد عزمه على أن ينبري لتحديات ملامح عصر جديد ومرحلة تاريخية شديدة التعقيد، تعتزم فيها قوى كبرى أن تشكل خريطة المنطقة ومشهدها على هوى مصالحها واستقطاباتها.

فحص الملك عبد العزيز ذاكرة الأرض التي سالت عليها دماء، ونزف على ترابها عرَق العقود التي كانت فيها تجربتان سابقتان تحاولان التماسك والاستمرار وتقاومان شروط البقاء أو حتمية الانهيار، تسلّح بنتائج تلك التجارب ودروسها، واختار أن تكون ثالثته ثابتة الاستمرار وحجر زاوية الاستقرار.

قال روبرت ليسي في كتابه «المملكة من الداخل»، إن أهمية مؤسس السعودية الثالثة تكمن في تفكيره في الجزيرة العربية كثلاثة أجزاء، حقول النفط الواعدة، والمدينتان المقدستان مكة والمدينة، والصحراء القاحلة في الوسط.

يضيف ليسي، خلال بداية القرن العشرين، وأغلب القرون الماضية عبر تاريخ الجزيرة العربية، كانت تلك الأجزاء الجغرافية الثلاثة دولاً مختلفة، وإلى حد ما ثقافات مختلفة، وكان الإنجاز العظيم من خلال الحروب السعودية الشرسة والماكرة، والموهبة الفذة في إدارة الصراع، والجاذبية الكبيرة للرسالة الوهّابية، الأثر الكبير في جمع شتات هذه الأجزاء الثلاثة بحيث أصبحت الدولة التي تمتلك أكبر احتياطي للنفط في العالم مع نهاية القرن العشرين موحدة من البحر إلى البحر، ومركزاً يعتبر هو الأضخم في العالم للحج كل عام، عاصمتها الرياض.

- 1912: خطوات البناء والاستقرار

كان الملك المؤسس مشغولاً بتشكيل نواة اجتماعية، تكون منطلقاً لمجتمع الدولة الحديثة، وابتكر تأسيس الهجر التي تسكنها جماعات قبلية لتوطينهم وتجهيزهم للمشاركة في بناء الدولة والوفاء بواجباتها، بلغت عدد الهجر 200 تجمع سكني واجتماعي منذ تأسيس أول «هجرة» في الأرطاوية عام 1912.

كتب أمين الريحاني في يناير (كانون الثاني) 1927 رسالة إلى الملك عبد العزيز، وهي مقدمة لكتابه «تاريخ نجد الحديث»، قال في بعض أجزائها «إن ما قمتم به من تحضير البدو، وتأسيس الهجر، لمن أمجد مآثركم القومية، ومن خير أعمالكم الإصلاحية...، بنيتم يا طويل العمر البيوت للبدو، وهي الخطوة الأولى لتمدينهم، فعسى أن تخطو الخطوة الثانية فتبنوا لهم كذلك المدارس؛ لأن في المدارس تحقيق كل ما تنشدون. المدارس تكمّل عمل السيف. المدارس تمهد السبيل إلى الوحدة العربية الثابتة، الوحدة الشاملة، الوحدة العزيزة الوثيقة العرى».

- 1929: الانتصار لمنطق الدولة

مع تنائي الزمن وتقادم الوقت، تختفي بعض الجزئيات الصغيرة في سردية التاريخ وسط حشد من الأحداث الضخام والجسام، لكن تلك الجزئيات كان معقوداً عليها بناء دولة حضارية متماسكة، أثبت فيها الملك المؤسس وعياً بروح الدولة الحديثة، لم يغشاه غرور القوة ولا اندياح الأرض تحت سنابك خيله ورجله، وانتصر لمنطق دولة معاصرة، كما كشفت بعض المحكّات في مشوار البناء.

- تنويع العلاقات الخارجية

في حين كانت شمس بريطانيا الساطعة تذوي، كواحدة من القوى الكبرى الفاعلة، التي فرضت حضورها ودورها في المعادلات السياسية والجغرافية، كان الملك عبد العزيز يتدبّر أمر دولته الفتية دون اندفاع يعرضها للابتلاع أو الاهتزاز، دون أن تنقصه الشجاعة والمِضاء إذا حتّم عليه الموقف وتطلب الأمر؛ إذ في الوقت الذي كانت فيه أقلام مندوبي الأمم الأجنبية المنتصرة في الاشتباك العالمي ترسم الخطوط والحدود للمنطقة الهشة، كانت حوافر خيل رجال عبد العزيز تذرع أطراف الجزيرة العربية لتوحيدها وصهرها في بوتقة كيان واحد، بعد أن كانت لعقود نهباً لخطط الآخرين أو وقفاً على دسائسهم، وعلى الأغلب عرضة للإهمال والتجاهل في تضاعيف التاريخ ورفوف مكاتب المستعمرات النهِمة.

وبحلول يوم الـ23 من سبتمبر 1932 صدر أمر ملكي رقم 2716 بوصفه وثيقة تاريخية مهمة في بناء الدولة الحديثة، صدرت عن المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود، وتضم سبع مواد، من بينها تحويل اسم الدولة من المملكة الحجازية النجدية إلى اسم المملكة العربية السعودية، ويصبح لقب مؤسسها «الملك»، وجاءت تلك اللحظة إيذاناً بانطلاق كيان سياسي مهم يشعّ أثره على المشهدين الإقليمي والعالمي.

- 2030: وجهة نظر جديدة

واصل أبناء الملك عبد العزيز من ملوك السعودية المسيرة من بعده، وراهنوا على دعامتي الاستقرار والتنمية، التي منحت البلاد عقوداً من التقدم والازدهار، وأعطتها تماسكاً في بحر من التحديات والصعوبات التي أحاطت بالمنطقة وهزّت أركان دولها ورفاه شعوبها.

حتى حلّ عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، سابع ملوك السعودية، ليرعى مرحلة جديدة من تاريخ البلاد، يتولى زمامها ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، في الجمع بين وعود المستقبل، وتجاوز كل معوقاته والخوض في جملة استحقاقاته، مع العودة إلى جذور أعمق في أقدم الحضارات التي كانت في شبه الجزيرة العربية، الجغرافيا التي تصِل بين الماضي والحاضر، والمركز الحيوي الذي يجمع ثلاث قارات، ودور رئيسي في التاريخ العالمي.


Saudi Arabia: Three Centuries’ Legacy Weaves Memory of Unification 

Thursday, 23 September, 2021 - 08:45

On September 23, 2021, Saudi Arabia marks a new decade in its first centenary after its founder Abdulaziz bin Abdul Rahman Al Saud having unified the Kingdom under a profound legacy that spans over three centuries on the Arabian Peninsula. 


Diriyah, with its traditional mud-brick architecture that runs along the Wadi Hanifah valley, has kept the secret to the Kingdom’s establishment in 1722. It cradles the fond memory of the birth of one of the most important nations in the Middle East and the whole world.


Weathering harsh storms and high winds, Diriyah has maintained its centrality to the political and economic scene in the Kingdom and the region over the last decades. 


The first and second Saudi states fluctuated in their stability and expansion because of the geopolitical realities that the region was living in the 1800s. 


It ended with the weakening of the Ottoman Empire, which was extending and folding its control from time to time on the outskirts of the Arabian Peninsula.


Before its final collapse, the Ottoman Empire mandated military campaigns that were bloody to kill the people and destroy their cities and spread fear and eliminate any signs of state and life.


With the decline of the influence of the Ottoman Empire and then its end, a stage ended, and another began.


1929 - Victory for the State 


With the passage of time, minor historical events fade under shadows cast by significant happenings. Nevertheless, it is those minor instances that defined the building of a cohesive and modern state that proves its founder’s innovation and awareness. 


Diversifying Foreign Relations


While Britain’s role as one of the major active powers that shaped political and geographical equations was waning, King Abdulaziz was vigilantly managing his young state’s affairs without rushing to expose it to dangers.


By September 23, 1932, Royal Decree No. 2716 was issued as an essential historical document in building the modern Saudi state.


Issued by the founder, the decree included seven articles. One of the articles stipulated renaming the Kingdom of Hejaz and Najd as the Kingdom of Saudi Arabia with its founder as “King.” That moment marked the launch of an important political entity that radiates its impact on the regional and global scenes.


2030 – A New Perspective


The successors of King Abdulaziz continued his march, betting on the pillars of stability and development, which gave the country decades of progress and prosperity. This approach has given the Kingdom cohesion in the face of a sea of ​​challenges and difficulties that engulfed the region and shook the pillars of several states and the well-being of their peoples.


Today, King Salman bin Abdulaziz, the seventh king of Saudi Arabia, is nurturing a new stage in the country’s history under the leadership of Crown Prince Mohammad bin Salman.


Saudi Arabia’s leadership is bringing together the promises of the future and overcoming obstacles by returning to deeper roots in the oldest civilizations that were in the Arabian Peninsula.


It is relying on the geography that connects the past and the present and Saudi Arabia’s position as a vital hub linking three continents, and its major role in global history.




الرابط:

https://aawsat.com/home/article/3204411/%D8%

https://english.aawsat.com/home/article/3205116/saudi-arabia-three-centuries%E2%80%99-legacy-weaves-memory-unification



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم،...

ماذا يخطر في بالك ( 5 ) ؟

هنا أنقل بعضاً من منشوراتي على صفحتي في ( الفيس بوك ) . راجياً لكم النفع والفائدة  . ضعف التقدير يقود إلى سوء التقرير . .................. كلما كان واقعك ثرياً وغنياً ، بارت بضاعة خيالك الواهم . …………… إذا أحببت شيئاً ثم التقيت به بعد غياب فكأن الروح ردت إليك بعد غيبة الموت ، أو العقل عاد بعد جنون ، أو الذاكرة استفاقت بعد غيبة . كل الأشياء الرمادية تسترجع ألوانها الزاهية ، والروائح الزاكية تستجرّ عنفوانها ، والمشاعر اللذيذة تستعيد عافيتها . ما يفعله الشوق بك من ذهاب العقل وغيبة الذاكرة وموات الروح ، يفعل بك الوصل أضعافه من الفرح والطرب والنشوة . لقد جُبل هذا القلب على الإلف بما يحبه والتعلق به حتى يكون بمثابة الطاقة الموصولة بألياف الكهرباء ، أو الزيت الذي يقدح النور ، والجمر الذي يستفز أعواد البخور . وإذا غاب المحبوب واستبد بك الشوق انطفأ نور الوجه وضاقت النفس وذهب الفرح حتى يعرف ذلك في حدة طبعك وانغلاق عقلك وعبوس وجهك ، فإذا التقى المحبوبان والتأم القلب عادت المياه لمجاريها وشعشع الوجه واتسع الثغر وانفرجت الأسارير . سبحان من خلق . ……………… إذا كنت...