التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بريطانيا تبحث عن دور جديد في الخليج

 

بريطانيا في المحصلة مهتمة بتحقيق مصلحتها أولا وستنتهي كل جهودها إلى دعم اتفاق نووي تتبناه الولايات المتحدة يكون مربحا للجميع وليس ملبيا بالضرورة لمخاوف ومصالح دول في المنطقة تفقد أوراق اللعب.
الجمعة 2021/02/19

هل تبحث بريطانيا عن التقاط فرصة ذهبية لاستعادة تموضعها في منطقة مهمّة هي الشرق الأوسط والخليج العربي بالتحديد، بالتزامن مع تقلبات في رياح العلاقات مع الحليف التقليدي لدول المنطقة، واشنطن، وفي سياق بحث بريطانيا عن نوافذ بديلة للمنظومة الأوروبية التي خرجت عنها مؤخرا.

هل تستثمر لندن في هذا المناخ بكل تفاصيله المعقدة، لتفوز بموطئ قدم أكثر فعالية وحيوية ومكاسب، وهي التي تملك تاريخا من الحضور يمتد لقرابة 400 عام، وتأثيرا في تشكيل ورسم الواقع الجيوسياسي القائم الآن، رغم أنها تعهّدت به إلى البديل الدولي الأميركي الذي واصل لعب الدور نفسه بتفاوتات متعددة، لكنه الآن أضحى أقل حماسة واهتماما للتداخل مع كل تفاصيل المنطقة ووقائعها.

تاريخيا لم تكن بريطانيا بعيدة تماما عن الخليج، كانت جزءا مواظبا على أحداثه المفصلية الكبرى، وفي الآونة الأخيرة التحقت بالسياسة الأميركية، تجلى ذلك أكثر في الحرب على العراق.

لكنها الآن، وفي ظل حضور أميركي باهت في المنطقة، تزداد وتيرته مع السنوات، وخالية من ارتباطها المزمن مع السياسة الخارجية الأوروبية، من المرجح أن تتخذ سياسات أكثر استقلالية وميلا للمصلحة القومية البريطانية، لكنها في المقابل ستكون عرضة لحالة الاستقطاب التي تخيّم على المنطقة وترجيح كفة على أخرى.

تعرضت بريطانيا لحرج دولي، ووقفت مليا وعن قرب على جرأة السلوك الإيراني السلبي في إيذاء التفاهمات الدولية، عندما احتجز الحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط البريطانية “ستينا إمبيرو” لدى عبورها مضيق هرمز، وانتهت الأزمة بإطلاق عملية تقودها الولايات المتحدة لحماية السفن التي تدخل الخليج، مع استمرار إيران في تصرفاتها الاستفزازية.

لكن هذا لا يجعل من بريطانيا بالضرورة خصما مصمّما على تقويض نفوذ إيران بل ضمن من يرغب في الاستفادة من حالة التوتر في المنطقة لحيازة المكاسب والعقود، لأن طابع التدخل الدولي اقتصادي بالأساس، وليس في وارد أحد أن يتحمل مسؤولية أمنه واستقراره إلا في حده الأدنى، لما في ذلك من تكاليف عالية.

بريطانيا بالمحصلة، مهتمة بتحقيق مصلحتها أولا، وستؤول جهودها إلى دعم اتفاق نووي تتبناه الولايات المتحدة يكون مربحا للجميع، وليس ملبّيا بالضرورة لمخاوف ومصالح دول المنطقة

في إطار توجهها ولزيادة فعالية دورها المرتقب، ‏أعلن مكتب رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون تعيين إدوارد ليستر مبعوثا خاصا جديدا لمنطقة الخليج، مشيرا إلى أن التعيين في إطار طموح لندن إلى تحقيق تحديث شامل للعلاقات مع الخليج.

في الآونة الأخيرة، أبدت بريطانيا مواقف متقاربة مع وجهة النظر الخليجية، إذ انضمت إلى فرنسا وألمانيا معربة عن قلقها من إنتاج إيران لمعدن اليورانيوم في انتهاك للاتفاق النووي، وقالت إنه يجب على إيران أن تعود إلى الالتزام بالاتفاق النووي وتتوقف عن تقويض فرص استعادة الدبلوماسية.

وبشأن الأزمة اليمنية شجب سفير لندن في اليمن سلوك الحوثيون، وقال إنهم يعملون على تغيير المجتمع اليمني ويدفعونه إلى التطرف، وأن قيام إيران بتسليح الحوثيين مشكلة كبيرة.

من الناحية العملية، رفض وزراء بريطانيون مسألة تعليق مبيعات المملكة المتحدة الأسلحة للسعودية، مؤكدين أن بلادهم تتخذ قراراتها الخاصة بشأن بيع الأسلحة، وليس وفق قرارات الدول الأخرى، وكشفت الأرقام عن تصدير بريطانيا لما يقرب من 1.9 مليارات دولار من الأسلحة إلى السعودية بعد استئنافها في يوليو الماضي.

وأشادت بريطانيا بنتائج قمة مجلس التعاون الخليجي في مدينة العلا السعودية التي خلصت إلى إنهاء الأزمة واستئناف العلاقات بين قطر ودول المقاطعة، واعتبر وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب أن “الاتفاق خطوة مهمّة نحو استعادة وحدة الخليج ما يحظى بأهمية قصوى بالنسبة إلى أمن واستقرار المنطقة”.

سواء كانت مواقف ترضية ومجاملات بروتوكولية، أو كانت التزاما حقيقيا من لندن، فإن استثمارها من طرف دول الخليج، مهمّ لتقوية جانبهم، وزيادة فعالية المواقف التي تتخذ تعبيرا عن وجهة نظرهم في قضايا المنطقة، أمام مجتمع دولي تشوبه الكثير من التحوّرات المريبة وغير المريحة إزاء هواجس ومآخذ دول المنطقة وعواصمها العربية.

وليكن الحديث واقعيا، تبحث واشنطن عن اختبار طرق جديدة لإثناء أو إبطاء البرنامج النووي الإيراني، رغم أن الكثير من التردّد والتعنّت يعرقل المهمة، لكن واشنطن مصرّة ومتمسكة بالتعامل مع الملف عن طريق الحوار وإغراء طهران له، حتى لو تسبب ذلك في استباحة الأخيرة للمنطقة.

بريطانيا بالمحصلة، مهتمة بتحقيق مصلحتها أولا، وستؤول جهودها إلى دعم اتفاق نووي تتبناه الولايات المتحدة يكون مربحا للجميع، وليس ملبّيا بالضرورة لمخاوف ومصالح دول المنطقة، ولن تتجشم عناء مساومة واشنطن ولا الوقوف بوجه مجتمع دولي مصرّ ومتعجّل، والتضحية بذلك في سبيل منطقة تفقد أوراق اللعب وتشعر بمجرد القلق من إمضاء الاتفاق بمنأى عن وجهة نظرها.

بالإضافة إلى تقوية الجبهة الداخلية، وإبرام تكتل إقليمي يضم دولا كانت في خانة المحرم والممنوع سلفا، فإن سعي دول الخليج إلى تقوية جانبها واستقطاب أوراق ضغط وعواصم دولية تلتزم بوجهة نظرها وترتبط بمصالح مفيدة ووثيقة معها، يصبّ في صالح المنطقة وأمن واستقرار حواضرها وشعوبها.



الرابط:




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...