التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الخليج وإيران... حوار تنقصه "الثقة"

 

المصدر: النهار العربي
عمر علي البدوي








بغياب الثقة، يستحيل قيام أي شكل من الحوار بين الضفتين العربية والفارسية لمياه الخليج، وبذا تكون احتمالات الاحتكاك أكثر ترجيحاً من فرص الافتكاك. 
 
بين دعوات وزير خارجية إيران جواد ظريف المتكررة الى الحوار، وإبداء الرياض امتعاضها من خواء هذه الدعوات وفراغها من مضمونها الحقيقي، ومساعي الدوحة للعب دور "المسهّل" بين الأطراف، لا يبدو الموقف من شكل الحوار الخليجي الإيراني ثابتاً ولا ناجزاً ولا منتهياً إلى مصير واضح. 
 
العقدة المركزية 
الأذرع الميليشيوية وأوراق الضغط واللعب الإيرانية، مصممة لإحباط كل فرصة للتهدئة مع جيرانها. على قاعدة "وجدت لتبقى" تستمر طهران في تزويد هذه الجماعات المسلحة بأسباب استمرارها، ولضمان وفائها بواجباتها تجاه المشروع الأيديولوجي الذي تتبناه إيران ولا يسعها التنازل عنه، لأنه يتساوى مع الأساس الوجودي لها، فإذا جرى إفناؤه وإنهاؤه، فإن ذلك ينعكس مباشرة عليها. 
 
ذاكرة المنطقة لا تحتفظ بما يشجع على الارتياح تجاه رغبة إيران ونزوعها إلى السِلم، كما أن تجربة طهران خلال الحرب مع العراق مطلع استواء الثورة لديها  (أيلول (سبتمبر) 1980 حتى آب (أغسطس) 1988)، لا تشجعها على اتخاذ الطمأنينة جسراً للتواصل مع جيرانها العرب، إذ لا تزال ندوب ذاكرتها القومية تحتّم عليها التوجس والنقمة واشتهاء الثأر لجروح الماضي، وبقيت كل من إيران والمنطقة بالطبع، حبيسة تلك اللحظة المؤثثة بالندب والحزن والنقمة. 
 
العامل الإسرائيلي 
يلعب العامل الإسرائيلي في المنطقة دوراً في فسيفساء الموقف من إيران، فطهران لا تقبل به وتؤسس عملها على تقويضه ونفيه، على اعتبار أنه المقدمة الطبيعية للدور الأجنبي في المنطقة، أو على الأقل هذا ما تزعمه السردية الإيرانية في حكاية محورها المقاوم، رغم أنها في بعض اللحظات التاريخية الحرجة، اضطرت إلى التعامل معه والمرور عبره للنجاة من مخاطر الفناء وضغط التحديات المصيرية. 
 
بكل الأحوال، يشكل الاحتكاك الإسرائيلي - الإيراني واحداً من محددات الواقع الجيوسياسي للمنطقة. 
 
رغم التموضع الجديد للحضور الإسرائيلي في المنطقة، نتيجة سلسلة التطبيع التي حصلت عليها مع دول عربية، من شأنها أن تعزز دورها في المنطقة وتعيد استدماجها في منظومة الأمن والسياسة الشاملة. 
 
التذبذب الأميركي 
هناك ضرورة تثبت إلحاحها الأيام في كل مرة، وهي بلورة موقف تشاركي من دول المنطقة تجاه السلوك الإيراني، بمنأى عن الدور الأميركي، في ظل تقلباته بين مساعد أو مشتت، فقد اختارت إدارة باراك أوباما السابقة إبرام اتفاق سري ثم علني لم يراع هواجس دول المنطقة ولا مآخذها، ليتبعه الرئيس دونالد ترامب بنسف الاتفاق، وأخيراً باستعادة الوعود لإحيائه مجدداً مع وصول الرئيس الديموقراطي جو بايدن. 
 
يعطي هذا الخط الأميركي المتذبذب، صورة عمّا يجب الانتباه إليه أثناء صوغ موقف عربي من إيران، وأوله رغبة واشنطن في ترتيب خروج مريح لها من المنطقة، وفك ارتباطها بمحيط الأزمات التي لا تنتهي في الشرق الأوسط، وتوجيه بوصلتها إلى مناطق أكثر حيوية وأولوية بالنسبة الى مصالحها. 
 
بالنهاية، على دول المنطقة أن تواجه مصيرها بنفسها، وأن تتحمل مسؤوليتها تجاه واقع يزداد تهافتاً، وأن يعيد المكوّن العربي استثماره في المؤهلات المحلية لموازنة النفوذ الإيراني، ويؤهل قدرات الردع في منظومته الأمنية، وأن يعادل حالة الاستقطاب التي استثمرت فيها طهران بتثوير مكوّن ما وتصوير أنها تمثله ويلوذ إليها، وسوى ذلك، فإن المنطقة ستبقى على حافة الترقّب والانتظار، فيما تقضم إيران المزيد من المساحات وتوقد بؤر الفوضى، وتوسع من رقعة نفوذها على حساب الوجع العربي المزمن.


الرابط:



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم،...