التخطي إلى المحتوى الرئيسي

لماذا ترفض طهران انضمام السعودية؟

ما يضير طهران في انضمام السعودية إلى المفاوضات هو كشف الجانب المظلم القاتم من السلوك الإيراني الذي يختبئ خلف الملابس الإفرنجية التي يرتديها الطاقم الإيراني.

الخميس 2021/02/04 

استشاطت إيران غضبا على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بسبب دعوته توسيع طاولة المفاوضات حول الاتفاق النووي لتشمل السعودية، ورفضت وزارة الخارجية الإيرانية إجراء أي مفاوضات أو تغييرات جديدة على المشاركين في اتفاق طهران النووي مع الدول الكبرى.

ما يضير طهران في انضمام السعودية إلى المفاوضات هو كشف الجانب المظلم القاتم من السلوك الإيراني الذي يختبئ خلف الملابس الإفرنجية التي يرتديها الطاقم الإيراني خلال جلسات المفاوضات، ونزع قفازات الحرير التي يندس فيها سلوك تخريبي بشع يغرز مخالبه في مجمل المنطقة العربية ويدمي حدودها ويفسد استقرارها.

لنتذكر كيف كانت طهران ترسل دعواتها للحوار مع السعودية وبقية جيرانها العرب، وحثها الرياض لتنأى بنفسها عن النفوذ الأجنبي وتغيّر سياساتها وتختار الحوار مع إيران، لكن بمجرد دعوة السعودية للمشاركة في النقاش حول واحد من الملفات الإشكالية لإيران، رفضت الأخيرة وتمنعت واستشاطت غضبا.

تريد إيران أن تتعامل مع الملفات بشكل منفصل، ينسجم مع أسلوبها في التحايل وطريقتها المعهودة في الالتفاف على المسؤوليات، وأن تفتت الموقف الجماعي الرافض لسلوكها السلبي في المنطقة، وتخرج من الثغرات المتاحة بأكبر قدر من المكاسب.

بالإضافة إلى لعبة الوقت والمماطلة التي تتقنها طهران جيدا، فإن تقنية استبعاد العقبات المتوقعة في طريق تحقيق المكاسب المتوخاة هي الطريقة المفضلة لديها في التعامل مع الاستحقاقات الدولية والإقليمية، وهو ما يشجع إيران على إجراء حوارات منفصلة وفتح قنوات اتصال منقطعة الصلة في ما بينها حول الملفات المختلفة والملحة لتضعف الموقف المضاد لها وتقدم تنازلات جزئية لا تضرّ أو تؤثر في مشروعها القومي الواسع الذي قامت لأجله ونذرت إمكاناتها لتحقيقه.

تحمل دعوة الرئيس الفرنسي ماكرون لمشاركة السعودية دلالة لا يمكن تجاهلها، وهو تحقيق اختراق ملفت في الموقف الأوروبي الذي ظهر كمهادن للسلوك الإيراني في وجه حدة الموقف الأميركي خلال السنوات الأربع الماضية إبان حكم الرئيس السابق دونالد ترامب.

تريد إيران أن تتعامل مع الملفات بشكل منفصل ينسجم مع أسلوبها في التحايل وطريقتها المعهودة في التنصل من تحمل المسؤوليات وتفتيت الموقف الجماعي الرافض لسلوكها السلبي في المنطقة

تمثل السعودية الخصم التقليدي لسلوك إيران التخريبي في المنطقة، وهي تدرك بحكم الاحتكاك والتجربة الثمن الفادح والتكلفة العالية للدور السلبي الذي تتبناه طهران، وتحيط علما بتفاصيل هذا الدور؛ ميليشياته وطاقاته ونتائجه، كما أنها تمثل بتفويض من دول عربية ومسلمة وجهة نظر المنطقة التي تميل إلى الاعتدال وتريد لكابوس الفوضى أن يتوقف وينزاح، ويخلو وجه المنطقة لاستحقاقات التنمية والتقدم.

وبوجود الرياض في هذا النقاش يتحقق ضمان توسيع الاتفاق ليشمل جوانب كانت مغيّبة ومعيبة في النسخة السابقة، وأن تُواجه إيران بحقيقة سلوكها التدميري في المنطقة، قبل أن تحصل على ضمان لتزويدها بأسباب الحياة بدعوى توقفها عن بناء ترسانتها النووية، لكن خطرا مماثلا يصدر عنها ولا يقلّ سوءا عن النووي، يجب وقفه ومحاسبتها عليه.

واشنطن، وهي الثقل الرئيسي في إنجاز الحوار أو إبطاله، متحمسة للعودة إليه، رغم كل العراقيل التي وضعتها الإدارة الأميركية السابقة، والتحذيرات التي تطلقها دول المنطقة، المعنية الأولى بسلوك طهران، والوعود الجادة من إسرائيل باتخاذ موقف، ربما عسكري، ضد إيران في حال جرت العودة غير المشروطة إلى الاتفاق.

من جهته، يشكل نقض إيران لجزء كبير من التزاماتها في الاتفاق بعد انسحاب واشنطن منه، وتسريعها لبعض الخطوات التي قد تؤدي إلى قطع أشواط مهمة في مشوارها نحو الترسانة النووية، يضغط على واشنطن لاتخاذ موقف، حتى لو كان بالعودة السلسة وغير المعدلة للاتفاق، للحصول على المكسب الأهم بالنسبة إليها وليس لدول المنطقة، وهو مجرد تأجيل حصولها على القنبلة النووية فقط لا غير.

الرابط:

https://alarab.co.uk/%D9%84%D9%8




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...