إذا كانت لما بات يعرف باللحظة الخليجية ثمرات ومكاسب إيجابية، فإن لذلك ثمنا، يرتفع وينقص حسب ما يقتضيه الموقف، كل دول الخليج تقريبا تعيش على صفيح ساخن، جملة من التحولات والاستحقاقات الداخلية وإعادة هندسة اتصالها بالخارج، تفرض مواجهة تحديات للحفاظ على مكاسبها الماضية وعبور المرحلة الصعبة والشاقة التي تخيّم على المنطقة.
تعمل الرياض على اختراق الواقع بمشروعها الإصلاحي الكبير، القرارات الاقتصادية الجريئة التي اتخذتها تتمّ فوق بحر من المخاطر والتحديات، سيكون لنجاح السعودية في إرساء مشروعها وتحقيق النجاح الذي تصرّ عليه أثر عميق في تعزيز موقع الخليج، وتمكين لحظته من إثبات جدواها من عدمه، ولذا فإن الرياض تقود قاطرة المنطقة أثناء سيرها الحثيث إلى حيث تشير رؤيتها الكبيرة، رغم كل التحديات التي تعترض الطريق ومشاريع اللاعبين الإقليميين في إطار منافستهم المحمومة للفوز بورقة تشكيل المنطقة والتأثير في مصيرها.
من جهتها، تعيش دولة الإمارات مرحلة جديدة بعد قرارها مباشرة العلاقات الثنائية الكاملة مع إسرائيل، ستنقلها الخطوة إلى مستوى جديد في الدبلوماسية الدولية، وستطور نوافذها الاقتصادية التي ستشكل ربما الحيّز الأكبر من هذا الاتفاق الجريء، وقد تباينت مواقف دول الخليج بين مؤيدة وداعمة وأخرى اختارت عدم التعليق أو إبداء موقف.
الكويت تواجه مخاضا صعبا فرضته أزمة كورونا في شقها الاقتصادي، وتبعات انفجار بعض الملفات المؤجلة في وقت متزامن، الأمر الذي اضطر نائب أمير الدولة الشيخ نواف الأحمد إلى الظهور وتطويق مخاوف الكويتيين، داعيا السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى التحرك “لتصحيح المسار” .
وستدفع هذه المواجهة المفتوحة إلى الكثير من الملفات لانكفاءة كويتية قد تؤثر على مساعيها في تحقيق اختراق في ملف أزمة قطر، ومحاولة إنعاش واجبات مجلس التعاون في أدواره السياسية، بعد أن حافظ على درجة معقولة من التعاون والتواصل في أدواره الفنية واللوجستية، كما ظهر خلال أزمة كورونا.
عُمان التي تجاوزت وفاة السلطان قابوس، بدأت تتخذ مسارها الذي يبدو جديدا حسب ما انطوت عليه المراسيم السلطانية الأخيرة من نية لإعادة الهيكلة، وتضمّنت المراسيم تشكيلا وزاريا جديدا وواسعا، من أبرزه استبدال وجه الشؤون الخارجية المألوف لعمان يوسف بن علوي، وتسمية وزير خارجية في السلطنة لأول مرة هو بدر البوسعيدي، الأمر الذي فسّر وكأنه رغبة في خلق نهج جديد أمام واقع متغير يقتضي من كافة دول الخليج إعادة النظر في شكل الاستجابات القديمة.
كما أن التغييرات الجديدة في وزارة المالية والمؤسسات الاقتصادية تعكس ضرورة اتخاذ إجراءات مهمة لمواجهة المصاعب المالية التي تولدت مع تراجع أسعار النفط.
قطر وحدها تعاني حيرة في تثبيت شكل نهائي ومتماسك لسياستها، خصومتها المزمنة مع جيرانها، اضطرتها إلى أن ترتهن لمشاريع استقطاب إقليمية، وتصاغرت أحلامها إلى درجة أصبحت معها محض ترس في آلة ما تتبناه كل من طهران وأنقرة من مشاريع التوسع المكلفة اقتصاديا وأخلاقيا، وتحتم على الدوحة أن تدفع ثمن ارتباطها بتلك المشاريع، دون أن يعود ذلك عليها بأي مكاسب، سوى حنق المحيط الطبيعي لها ونقمة شعوب مكلومة، شاركت سياسات قطر وسلوكها في تفخيخ مستقبلها بأجندة أيديولوجية ساقت للمنطقة ويلات الخراب والفوضى.
لم يبدُ الخليج دائما ككتلة واحدة في خياراته، بل أبقى على درجة ما من المرونة في تبني خيارات مختلفة، واستمر ذلك مع عدم تطوير مجلس دوله للتعاون إلى مرحلة اتحادية مكتملة، لكنه دائما ما يتجاوز هذه التباينات التكتيكية ويلتئم أمام الخيارات الكبرى، التي لا يصحّ وصفها بالاستراتيجية، لكن تلك التي تحافظ على الحدّ الأدنى من إمكانية وصفه بتكتل أو إقليم.
وبكل الأحوال فإن دول الخليج تكاد تتشابه في نفس التحديات التي تأتي على رأس قائمتها، تبعات انخفاض أسعار النفط، وتبني برامج جادة لمواجهة غول الفساد، والمخاطر الأمنية بأشكالها المتعددة، وسيكون لشكل استجابتها ونتيجته تأثير على ديمومة فعالية وصف لحظة الخليج أو ضمور معناه وقيمته.
تعليقات
إرسال تعليق