التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هل تواجه "لحظة الخليج" مفترق طرق

لم يبدُ الخليج كتلة واحدة في خياراته بل كثيرا ما أبقى على درجة من المرونة في تبني خيارات مختلفة متجاوزا التباينات التكتيكية وملتئما أمام الخيارات الكبرى.
الثلاثاء 2020/09/01

إذا كانت لما بات يعرف باللحظة الخليجية ثمرات ومكاسب إيجابية، فإن لذلك ثمنا، يرتفع وينقص حسب ما يقتضيه الموقف، كل دول الخليج تقريبا تعيش على صفيح ساخن، جملة من التحولات والاستحقاقات الداخلية وإعادة هندسة اتصالها بالخارج، تفرض مواجهة تحديات للحفاظ على مكاسبها الماضية وعبور المرحلة الصعبة والشاقة التي تخيّم على المنطقة.

تعمل الرياض على اختراق الواقع بمشروعها الإصلاحي الكبير، القرارات الاقتصادية الجريئة التي اتخذتها تتمّ فوق بحر من المخاطر والتحديات، سيكون لنجاح السعودية في إرساء مشروعها وتحقيق النجاح الذي تصرّ عليه أثر عميق في تعزيز موقع الخليج، وتمكين لحظته من إثبات جدواها من عدمه، ولذا فإن الرياض تقود قاطرة المنطقة أثناء سيرها الحثيث إلى حيث تشير رؤيتها الكبيرة، رغم كل التحديات التي تعترض الطريق ومشاريع اللاعبين الإقليميين في إطار منافستهم المحمومة للفوز بورقة تشكيل المنطقة والتأثير في مصيرها.

من جهتها، تعيش دولة الإمارات مرحلة جديدة بعد قرارها مباشرة العلاقات الثنائية الكاملة مع إسرائيل، ستنقلها الخطوة إلى مستوى جديد في الدبلوماسية الدولية، وستطور نوافذها الاقتصادية التي ستشكل ربما الحيّز الأكبر من هذا الاتفاق الجريء، وقد تباينت مواقف دول الخليج بين مؤيدة وداعمة وأخرى اختارت عدم التعليق أو إبداء موقف.

الكويت تواجه مخاضا صعبا فرضته أزمة كورونا في شقها الاقتصادي، وتبعات انفجار بعض الملفات المؤجلة في وقت متزامن، الأمر الذي اضطر نائب أمير الدولة الشيخ نواف الأحمد إلى الظهور وتطويق مخاوف الكويتيين، داعيا السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى التحرك “لتصحيح المسار” .

وستدفع هذه المواجهة المفتوحة إلى الكثير من الملفات لانكفاءة كويتية قد تؤثر على مساعيها في تحقيق اختراق في ملف أزمة قطر، ومحاولة إنعاش واجبات مجلس التعاون في أدواره السياسية، بعد أن حافظ على درجة معقولة من التعاون والتواصل في أدواره الفنية واللوجستية، كما ظهر خلال أزمة كورونا.

عُمان التي تجاوزت وفاة السلطان قابوس، بدأت تتخذ مسارها الذي يبدو جديدا حسب ما انطوت عليه المراسيم السلطانية الأخيرة من نية لإعادة الهيكلة، وتضمّنت المراسيم تشكيلا وزاريا جديدا وواسعا، من أبرزه استبدال وجه الشؤون الخارجية المألوف لعمان يوسف بن علوي، وتسمية وزير خارجية في السلطنة لأول مرة هو بدر البوسعيدي، الأمر الذي فسّر وكأنه رغبة في خلق نهج جديد أمام واقع متغير يقتضي من كافة دول الخليج إعادة النظر في شكل الاستجابات القديمة.

كما أن التغييرات الجديدة في وزارة المالية والمؤسسات الاقتصادية تعكس ضرورة اتخاذ إجراءات مهمة لمواجهة المصاعب المالية التي تولدت مع تراجع أسعار النفط.

قطر وحدها تعاني حيرة في تثبيت شكل نهائي ومتماسك لسياستها، خصومتها المزمنة مع جيرانها، اضطرتها إلى أن ترتهن لمشاريع استقطاب إقليمية، وتصاغرت أحلامها إلى درجة أصبحت معها محض ترس في آلة ما تتبناه كل من طهران وأنقرة من مشاريع التوسع المكلفة اقتصاديا وأخلاقيا، وتحتم على الدوحة أن تدفع ثمن ارتباطها بتلك المشاريع، دون أن يعود ذلك عليها بأي مكاسب، سوى حنق المحيط الطبيعي لها ونقمة شعوب مكلومة، شاركت سياسات قطر وسلوكها في تفخيخ مستقبلها بأجندة أيديولوجية ساقت للمنطقة ويلات الخراب والفوضى.

لم يبدُ الخليج دائما ككتلة واحدة في خياراته، بل أبقى على درجة ما من المرونة في تبني خيارات مختلفة، واستمر ذلك مع عدم تطوير مجلس دوله للتعاون إلى مرحلة اتحادية مكتملة، لكنه دائما ما يتجاوز هذه التباينات التكتيكية ويلتئم أمام الخيارات الكبرى، التي لا يصحّ وصفها بالاستراتيجية، لكن تلك التي تحافظ على الحدّ الأدنى من إمكانية وصفه بتكتل أو إقليم.

وبكل الأحوال فإن دول الخليج تكاد تتشابه في نفس التحديات التي تأتي على رأس قائمتها، تبعات انخفاض أسعار النفط، وتبني برامج جادة لمواجهة غول الفساد، والمخاطر الأمنية بأشكالها المتعددة، وسيكون لشكل استجابتها ونتيجته تأثير على ديمومة فعالية وصف لحظة الخليج أو ضمور معناه وقيمته.



الرابط :



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...