مجاهرة حماس بالعداء لمركز الثقل العربي في منطقة الخليج ضاعفت من غربة الحركة ذات الجذور الإخوانية وقضت على أي أمل لها بالعودة إلى مياه العقل والمنطق.
الاندفاعة التي تقوم بها حركة حماس تجاه تركيا في ذروة الخلاف والاستقطاب الذي تشهده المنطقة، لا تصب في صالح القضية الفلسطينية. المشروع التركي يكشف في كل مرة عن دوره السلبي والمزعج في سوريا وليبيا وخطواته للتشويش والعرقلة في مصر واليمن وربما أخيرا في لبنان.
هذا الأمر يجعل أي اصطفاف مع أنقرة محل ريبة وشك وربما يغضب العواصم العربية التي تواجه المشاريع الخبيثة، وهي تحيق بالمنطقة العربية منفردة وبجسارة.
تعمل حماس على مواصلة نأيها بسرعة الصاروخ عن عواصم خليجية كانت لعقود من الزمن تتكفل بالجزء الأكبر من الدعم والمساعدات للقضية الفلسطينية، وتحمل مطالبها وحاجاتها في حقائبها الدبلوماسية وتتبناها في المحافل الدولية. هذه الدول كانت تؤجل مشاريعها القومية رعاية للأولويات الفلسطينية.
لكن في الفترة الأخيرة، سجلت حماس الكثير من المواقف التي تصب في خانة العداء لدول الخليج، وراكمت عددا من المناسبات التي انحازت فيها إلى عواصم إقليمية تشهر أسنة مشاريعها التدخلية في المنطقة. هذه العواصم تعمل على توظيف عدالة القضية وقيمتها في وجدان العرب لصالح أجنداتها السلبية، الأمر الذي يخصم من رصيد المسألة الفلسطينية ويستنزفها ويعيق أي خطوة تخدم الحل النهائي للقضية.
عملت حركة حماس على إبقاء علاقتها مع قطر المفيدة حيث تلتقي معها في جانبين، الأول مادي وللمفارقة يحدث بالتنسيق مع إسرائيل التي تتحكم في مقدار الدفعات المادية وتوقيتها وتمرير حقائبها إلى قطاع غزة، والثاني أيديولوجي تخادمي ينطلق من خلفية واحدة هي عقيدة الإخوان المسلمين والانخراط في سرديتها التي تضع الخصومة على رأس أولوياتها مع دول الخليج.
تلعب حماس سياسيا للرد على تجاهلها بالارتكان إلى أنقرة وطهران والدوحة، حسب ما يبرر بعض أنصارها، غير آبهة بكل الويلات التي تسببت فيها هذه العواصم وخلقته من مشاريعها التخريبية في المنطقة، وحين تتمنطق بالمعادلات السياسية، فإن ذلك يجردها من كل امتياز ينزهها عن اللوم والعتب ويضع سلوكها ونتائج خياراتها على طاولة النقد والرفض والمحاسبة.
تسبب الانقسام الفلسطيني الذي تشارك فيه حماس كطرف رئيسي في مراكمة الإحباط وارتخاء الحزام العربي الداعم تقليديا للقضية المركزية.
كما أن مجاهرة حماس بالعداء لمركز الثقل العربي الجديد في منطقة الخليج ضاعفت من غربة الحركة ذات الجذور الإخوانية وقضت على أي أمل لها بالعودة إلى مياه العقل والمنطق، بعد أن عملت على توسيع علاقاتها مع إيران ونعي قائد الميليشيا في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بـ”الشهيد”، والذي بدوره خضّب المنطقة بدماء الطائفية والخراب، وأيضا مبادلتها لرسائل الود والتأييد مع ميليشيا الحوثي في اليمن، وتسجيل تقارب أكبر مع أنقرة في ذروة خصومتها مع العواصم العربية.
لقد تسبب وضع القضية الفلسطينية ضمن خانة المشاريع الاستقطابية في المنطقة بالكثير من الأذى، الذي دفع إلى تأجيل استحقاقاتها الشرعية. لنتذكر كم ترك الموقف غير المحسوب للقيادة الفلسطينية إبان غزو الكويت من استنزاف للقضية أخلاقيا وسياسيا وأحدث ندوبا لا تمحى وشرخا تاريخيا يضاف إلى بقية المصادمات التي وقعت في الأردن ولبنان ومصر وتسببت في تشتيت انتباه القضية والمعنيين بها عن أولوياتها الحقيقية.
يأتي الدور الآن مع دول الخليج بمغازلة خصومها الإقليميين وتمكينهم من توظيف ورقة القضية والانضواء تحت أجندتهم المؤدلجة، وإطلاق العنان لممارسات دعائية تخوّن قيادات البلدان الخليجية وتستعدي شعوبها وتستفز كرامتها ومركزية فلسطين في حساباتها.
تعليقات
إرسال تعليق