التخطي إلى المحتوى الرئيسي

محمد عبده.. "فنان العرب" المحسود على محبة جمهوره له

محمد عبده كان جزءا من تبلور الحالة الفنية والثقافية في منطقة الخليج والسعودية على وجه الخصوص.

الخميس 2019/07/18


كانت فترة السبعينات في المملكة العربية السعودية حافلة بالنجاح بالنسبة إلى محمد عبده، فقد عُرِف على مستوى الوطن العربي كمطرب ناجح في بلاده وفي الخليج العربي. أطلق عليه الجمهور آنذاك لقب “مطرب الجزيرة العربية”، قبل انطلاقته الكبرى من مصر، ليذيع صيته في كل حدبٍ وصوب.
ذلك النجاح الذي بزغ مبكرا كان حصيلة تضافر أسباب عدة، من بينها قوة الموهبة التي تمتع بها محمد عبده، وملاءمة الظروف المشجعة على الإبداع، وذائقة الجمهور الطريّة التي شكلتها أغنياته.
لم تكن مسيرته مكللة بالنجاح وحده، بل عانى مثل بقية المجتمع السعودي ونخبه من التحولات التي عصفت بالسعودية، والآثار السلبية الناتجة عن جحيم الأحداث السياسية والاجتماعية والدينية التي أطلقت حممها عليه.
كان عبده وثلة من الفنانين السعوديين جزءا من تبلور الحالة الفنية والثقافية في منطقة الخليج والسعودية على وجه الخصوص، قبل أن تقتحمها رياح التشدد التي شلّت الكثير من وجوه الحياة التي كانت تزين صحراء المنطقة وتعشب ترابها.

غيوم الصحوة القاتمة

لاحقته مثل غيره سهام تشدّدٍ أخذت تقلص من مساحات الانفتاح والحرية التي تخصب الفن وتذكي شروط نجاحه، ويحتفظ عن مرحلة الصحوة بندبة في قلبه لم تغادر مخيلته حتى اليوم.
عندما اضطر إلى أن يتأخر عن جنازة والدته في الصفوف الخلفية حتى لا يكتشف أحد من المشيعين أنها والدة الفنان الشهير وتتعذر إقامة مراسم العزاء، كانت الأجواء وقتئذ مسمومة بالاتهام والتشنيع على الفنانين. لكن السعودية بجمهورها ونخبها وقيادتها تجاوزت تلك المرحلة الصعبة، وبقي عبده وزملاؤه يحمون شعلة الفن متقدة حتى تحين ساعة أخرى للخروج إلى الفضاء.
كان عبده فنانًا أصيلا وراعيا لموهبته، انحنى لعاصفة التشدد بانتظار أن تنجلي عن سماء صافية ومواتية للعودة إلى التحليق في فضاءات الفن والموسيقى والغناء.
ليس هذا وحده ما تعرض له خلال مسيرته الفنية العريقة، إذ كاد يقضي نتيجة عمل إرهابي عام 2004، عندما انتوى منظّر القاعدة الأشهر في السعودية فارس آل شويل تفجير حفله الغنائي ضمن فعاليات “مهرجان أبها السياحي” في مسرح المفتاحة، المسرح الذي شهد واحدا من مفاصل توهجه التاريخي، وقدم على خشبته جواهر من أشهر أغنياته، وقد أصرّ في تلك الليلة على أن يصعد المسرح ويقدم أمسيته الغنائية وكأن شيئًا لم يكن ليحدث، وغنى للجمهور بلحن واثق وحنجرة ذهبية تبدد وساوس التشدد ونعيق التطرف مقطعًا آسرا من أغنيته المعروفة “كوكب الأرض”.
من يبحث في أرشيف عبده، قبل سنوات طويلة، لن يجد مجرد مطرب يهتم بالحفلات والأغاني والمتعهدين والأرباح، بل سيعثر على صاحب مشروع تنويري من خلال الفن، له علاماته المميزة وطروحاته الخاصة اللافتة، كما في مقابلته مع عبدالله الحارثي في قناة “اقرأ” التي دافع فيها عن رأيه بأن الإسلام “لا يحرّم الالتزام بالترويح عن النفس”. وقال الفنان السعودي الجريء “لكل قاعدة شواذ، والانضباط لا يأتي إلا من خلال المشرعين من الإذاعة والتلفزيون، وبالتالي يجب ضبط ما يبث للناس وهؤلاء شرائح كبيرة ومنهم الرافض لمبدأ الغناء ومنهم المحب ومنهم المحايد المقلد، وكل الفنانين يريدون أن يقنعوا المقلد ويتمثلون حسب وجهة نظره بالسلبيات الموجودة في الغناء كالأغاني الركيكة أو الإباحية أو المتقربة لغناء الآيات”.

من اليتم إلى أبعاد


ظل عبده ينتقد الانحطاط والابتذال في الفن، وهو يدرك أنه -كما يقول- موجود منذ الأزل، ومن هنا أراد العلماء أن يسدوا الذرائع. يؤمن عبده بأننا نبدأ عصرًا جديدا من الغناء العربي، على الرغم مما يصفه بالقول “كل ما بأنفسنا من توهان حول موضوع الغناء، وقد كان بالسابق ينظر إلى الفنان أنه مستهتر بل جُرِّدَ من التواصل الديني وعزل عن الناس”.
ولد عام 1948 في مدينة الدرب، وهي مدينة تابعة لمنطقة جازان التي تقع في الجزء الجنوبي الغربي من المملكة. وكان عمره ثلاث سنوات حين توفي والده، فنشأ يتيما في دار الأيتام بمنحة من الملك فيصل، والتحق بالمعهد الصناعي الثانوي في جدة، وحصل على دبلوم في صناعة السفن، كما عمل في بداية حياته بمصلحة البريد.
بدأ حياته الفنية هاويًا في برنامج الأطفال “بابا عباس” في إذاعة جدة. وعمل في الكورس في قسم الموسيقى قبل أن يكتشفه الإعلامي والدبلوماسي الشهير عباس فائق غزاوي، وبارك هذا الاكتشاف الشاعر والأديب الراحل طاهر زمخشري، ليتبناه الملحن عمر كدرس، فكانت أغنية “سكبت دموع عيني” من أغانيه المبكرة التي عرفه بها الجمهور أول مرة.

رمز الأغنية

لحّن أول عمل من تأليفه وهو في الثانية عشرة من عمره، وسافر إلى بيروت في أول رحلة فنية وسجل العديد من الأغاني. وعلى شاشة تلفزيون شركة أرامكو ظهرت أعماله لأول مرة، ثم بعد ذلك على شاشة التلفزيون السعودي، عبر أغنية “سكة التائهين”، وهي الأغنية التي حققت الكثير من الانتشار.
انتبه إليه الشارع السعودي حين استعار تعبير “الرمش الطويل” من واحدة من أغانيه، فدخلت كلماته عالم الموضة، وأطلقوها على أنواع من الأقمشة والسيارات وحتى السجائر.
وكغيره من الفنانين الذين توجهوا في ذلك الزمن إلى التمثيل إضافة إلى الغناء، أسوة بمحمد عبدالوهاب وفريد الأطرش وعبدالحليم حافظ، شارك عبده في مسلسل تلفزيوني من بطولته بعنوان “أغاني في بحر الأماني“، كما شارك في مسلسل إذاعي بعنوان “داعي السماء” وغنى فيه من ألحان محمد الموجي، لتأتي أغنيته “ابعاد” في عام 1975 وتحمله على جناح الشهرة، وتصبح إحدى أنجح وأشهر الأغاني العربية على المستوى العالمي بعد أن ترجمتها فرق موسيقية دولية مختلفة.
متابعو الوسط الفني يجمعون على أن محمد عبده، مع طلال مداح، كانا من أهم الفنانين الذين ساهموا بنشر الأغنية الخليجية في جميع أنحاء العالم العربي، فهما اللذان ساهما بتطوير الأغنية السعودية بجانب الأمير الشاعر خالد الفيصل والأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن
أصبح عبده علامة لكل المناسبات الوطنية، ماركة سعودية مسجلة على جبين كل الانعطافات التي مرّ بها البلد، فهو سفير الفن السعودي إلى الخارج، وديوان المملكة الغنائي الذي خلّد الكثير من مناسباتها وأحداثها، فرحها وترحها، في مقطوعات غنائية ما زالت تتناقلها الأجيال محتفظة بسحرها ولحنها ووهجها.
شكّل بألحانه المبتكرة، وذائقته في اختيار النصوص، ذاكرة الفن السعودي، أجيال متعاقبة تدربت أذنها الموسيقية على الجرس الذي اقترحه عبده عبر سلسلة أغنياته التي كانت تنضج بالتزامن مع بناء هوية سمعية متماسكة للوطن الخليجي. لم يقتصر عبده في اختيار النصوص على اللهجة الخليجية، بل ذهب إلى الفصحى، في أكثر من قصيدة حديثة. وغامر بالتلحين مع رائعة من روائع الشعر العربي الجديد، حين قام بتلحين “أنشودة المطر” لبدر شاكر السياب.
هذه الشجاعة أهّلته ليقدم أغانيه في العديد من المسارح سواء أكانت في الخليج العربي أم في دول بلاد الشام وشمال أفريقيا، ووصل صيته إلى العالمية، فقدم ألبومات وطنية تحمل صورته بلباس عسكري، وكان يشارك بشكل سنوي في مهرجان الجنادرية، ولحن وقتها العديد من أوبريتات الجنادرية منها “أرض الرسالات والبطولات” من كلمات الوزير
الراحل الأديب غازي القصيبي، و”عرايس المملكة” من كلمات كاتب النشيد الوطني السعودي إبراهيم خفاجي، و”فارس التوحيد” من كلمات الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن.

فوق هام السحب

يجمع العديد من المتابعين للوسط الفني على أن محمد عبده، مع طلال مداح، كانا من أهم الفنانين الذين ساهموا بنشر الأغنية الخليجية في جميع أنحاء العالم العربي، فهما اللذان ساهما بتطوير الأغنية السعودية بجانب الأمير الشاعر خالد الفيصل والأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن.
وقد توج عبده أعماله البديعة بأغنية “الأماكن” التي لاقت انتشارًا واسعا عبر الحدود العربية، وباتت على كل لسان، لعذوبة كلماتها وأداء عبده الرفيع لها.
يعتبر عبده اليوم من أكثر الفنانين غناء للوطن؛ فقد تجاوزت أغانيه الوطنية المئة، ومنها “الله أحد” و“رسالة” و“يالسعودي يالبطل” و“أجل نحن الحجاز ونحن نجد” و“اوقد النار” و”حدثينا”، وغيرها الكثير من الأغنيات التي لا تزال حيّة اليوم بين الناس، رغم مرور عقود منذ إطلاقها، وهو يعد أول فنان سعودي يطرح ألبوما وطنيا كان بعنوان “فوق هام السحب“.
لا يزال عبده حاضرا حتى يوم الناس هذا، يلهب حماس المسارح والأمسيات الغنائية، ويتوج مناسبات الوطن المختلفة، وترقص الجماهير على صوت حنجرته التي ما زادها التقدم في العمر إلا وقارا ووهجا، وما زالت تلك الموهبة العتيقة تحتفظ بسرّه وسحره.
"فنان العرب" هو أول مطرب سعودي يطرح ألبوما وطنيا كان بعنوان "فوق هام السحب". وهو من أكثر الفنانين غناء للوطن، فقد تجاوزت أغانيه الوطنية المئة، ومنها "الله أحد" و"رسالة"، وغيرهما الكثير من الأغنيات التي لا تزال حيّة اليوم بين الناس، رغم مرور عقود على إطلاقها
قبل أن تدخل السعودية في مرحلة مشعة من التحولات الجديدة، كان يتساءل بمضض في مجالسه وأمسياته الفنية خارج البلاد “إلى متى سيبقى الفم السعودي في المنفى؟”. وجاء الجواب اليوم قاطعًا مانعا بسلسلة من التغييرات التي أعادت إلى المنصات الوطنية روحها ونبضها من جديد. ويوم حانت ساعة العودة إلى حضن الوطن ودفء أهله، حلّ عبده اسمًا لامعا وصوتًا صادحا ووجهًا باشًّا في إعلانات العهد الجديد ودعاياته، محتفظا بعبق البدايات ونضج النهايات.
إلا أن الناس عتبوا عليه كثرة مشاركاته واستنزاف طاقته، حتى أن رواد وسائل التواصل الاجتماعي حاولوا النيل من مكانة عبده الذي أتم عامه السبعين هذه السنة، إذ أطلقوا هاشتاغ #محمد_عبده_في_الباحه -ومن بين هؤلاء مستخدم يسمي نفسه على تويتر “أبو سعد” كتب يقول “يا بن عبده وصلت السبعين وباقي ما اتعظت؟ ألم تسمع قول الفرزدق: أطعتكَ يا إبليسُ سبعين حجة/ فلما انتهى شيبي وتم تمامي/ فررتُ إلى ربي وأيقنت أنني/ ملاقٍ لأيامِ المنونِ حِمامي”. أما من أطلقت على نفسها لقب “الجليلة” فعقبت بالقول “أستغفر الله هالشايب ما يتعب أبدا #محمد_عبده_في_الباحه”- فردّ عليهم رئيس هيئة الترفيه المستشار تركي آل الشيخ بمقطع من أغنية لعبده يقول فيها “أنا سندباد.. لفّ البلاد”.


الرابط :




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم،...

ماذا يخطر في بالك ( 5 ) ؟

هنا أنقل بعضاً من منشوراتي على صفحتي في ( الفيس بوك ) . راجياً لكم النفع والفائدة  . ضعف التقدير يقود إلى سوء التقرير . .................. كلما كان واقعك ثرياً وغنياً ، بارت بضاعة خيالك الواهم . …………… إذا أحببت شيئاً ثم التقيت به بعد غياب فكأن الروح ردت إليك بعد غيبة الموت ، أو العقل عاد بعد جنون ، أو الذاكرة استفاقت بعد غيبة . كل الأشياء الرمادية تسترجع ألوانها الزاهية ، والروائح الزاكية تستجرّ عنفوانها ، والمشاعر اللذيذة تستعيد عافيتها . ما يفعله الشوق بك من ذهاب العقل وغيبة الذاكرة وموات الروح ، يفعل بك الوصل أضعافه من الفرح والطرب والنشوة . لقد جُبل هذا القلب على الإلف بما يحبه والتعلق به حتى يكون بمثابة الطاقة الموصولة بألياف الكهرباء ، أو الزيت الذي يقدح النور ، والجمر الذي يستفز أعواد البخور . وإذا غاب المحبوب واستبد بك الشوق انطفأ نور الوجه وضاقت النفس وذهب الفرح حتى يعرف ذلك في حدة طبعك وانغلاق عقلك وعبوس وجهك ، فإذا التقى المحبوبان والتأم القلب عادت المياه لمجاريها وشعشع الوجه واتسع الثغر وانفرجت الأسارير . سبحان من خلق . ……………… إذا كنت...