إيران تراهن على شراء الوقت، وتود لو تمضي غمامة ترامب بخسارته الانتخابات القادمة عبر تمديد حالة التردد لديه بعمليات مبعثرة وتنشيط وكلائها غير المباشرين.
الأربعاء 2019/06/12
في البدء، لا أحد يتمنى أن تنشب حرب في منطقة لا تنقصها الويلات، إذ لا تكاد تتوقف أزمة حتى تشتعل أخرى في الشرق الأوسط أو أطرافه، ولا شيء يؤشر- للأسف- إلى نهاية واضحة لهذا الانفلات.
رغم الأجواء المسمومة والمتحفزة لنشوب حرب تقرع طبولها مع كل تصريح مرسل أو حادثة مفتعلة، لا أحد من اللاعبين في المنطقة يودّ أن تنقدح شرارة المواجهة الصفرية، والتي بالضرورة ستؤذي تبعاتها كل المنطقة ولن يسلم من شرورها أحد.
لا شك أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفلسفته المختلفة والمناقضة تماما لما كان عليه سلفه باراك أوباما، يريد أن يضع حدا لتجاوزات إيران، ويؤسس لفضاء مختلف في المنطقة بقواعد لعب جديدة تفقد معها طهران أوراقها الاستفزازية، وتحد من سلوكها المتهور الذي كلف المنطقة الكثير من ورطات الحروب والمواجهات الخاسرة.
اختار ترامب الطريق إلى ذلك عبر خنق إيران، والتقتير على مواردها الاقتصادية التي تغذيها بأسباب الحياة وشروط الاستمرار في نهجها الانتحاري، وحتى لا تعرقل طهران هذه السياسة عبر ميليشياتها – المستعدة للموت في سبيل المرشد- لوّح بقسوة الرد وعصا العقوبات العسكرية، ومن بينها احتمال الحرب التي ستكون يوم تقع نهاية الحلول المكروهة.
تشجع السعودية والإمارات وبقية العواصم العربية هذه اللغة الحادة تجاه إيران، وزيادة الضغط عليها لتعيد التفكير في حساباتها، لاسيما وأن النهج الأوبامي الماضي كان قد أغراها – بفضل صيغة الاتفاق المتخاذلة- لزيادة طموحها والاستقواء بثغراته ونقائصه لتحقيق أحلامها الإمبراطورية الفجة ودسّ وكلائها في المنطقة وإثخانها بمواسم الفوضى والانفلات.
تراهن إيران على شراء الوقت، وتود لو تمضي غمامة ترامب بخسارته الانتخابات القادمة عبر تمديد حالة التردد لديه بعمليات مبعثرة وتنشيط وكلائها غير المباشرين، وتعتقد أن موقف الولايات المتحدة الراهن هو مجرد سحابة صيف ستزول مع الرئيس المحتمل القادم، وتبدأ دورة جديدة من المماطلات والمراوغات تجرّب خلالها لعبة الحظ وتطرق إليه أبوابا مختلفة.
لا أحد مقتنع بأن طهران ستتخلى بسهولة عن فلسفتها في الحكم والتعاطي مع جيرانها، إذ تسري فكرة تصدير الثورة في عروق نظامها الموتور، ويحفزها ذلك للتدخل في شؤون الآخرين وحشو المنطقة بميليشياتها القابلة للانفجار.
لكن الضغط وزيادة كلفة هذه الخيارات السياسية على واقع إيران سيضطرانها إلى تحجيم تهورها المرفوض من العالم، على نحو ما تعانيه اليوم بفضل حزمة العقوبات القصوى التي فرضها ترامب ضدها. ثمة نذر اتفاق جديد قد يلوح في الأفق ستذعن له طهران، لاسيما وأن ترامب يستدرجها بإغراءات الاتصال به والجلوس معه. لو حدث ذلك هل سيكون الخليج العربي خارج الطاولة وبعيدا عن تفاصيل اتفاق جديد يضمن مصالح دوله ويراعي هواجس شعوبه؟
الخليج لا يطلب أكثر من توفير ضغط دولي يضطر إيران إلى الكف عن سياساتها المزعجة، سواء عبر حرب الاضطرار، أو من خلال اتفاق جاد أو تنازل من طرف طهران عن سياساتها المتهورة. لا يريد الخليج أكثر من تصميم المجتمع الدولي على عدم تمرير صيغة تراضي تؤمّن للدولة المارقة أن تتنفس من جديد وتبثّ سمومها في المنطقة والعالم أجمع.
وسواء حدث ذلك أم لم يحدث، فإن الخليج، وعلى رأسه السعودية والإمارات، مهتم اليوم أكثر من أي وقت مضى بتحصين جبهته الداخلية وحماية نسيجه وتعزيز مناعته ضد كل اختراق، وأن يزيد من كلفة المساس به على الطامعين الإقليميين والدوليين، ويحقق الاستقلال الكامل في حماية كياناته ومواجهة خصومه وصيانة مصالحه، وقد ترجم هذا بالمضيّ بعيدا في عمليات التسلح وتوطين الصناعات الحربية وبناء التحالفات الوثيقة وتطوير قدراته الدفاعية وزيادة جودة أدائه العسكري، بما يضمن تفوقه ورجحان كفته في معادلات الكفاءة وتوازنات الرعب وحسابات الخوف في المنطقة.
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق