التخطي إلى المحتوى الرئيسي

في الذكرى الثانية لمقاطعة قطر

بعد انقضاء عامين على قرار المقاطعة، لا يبدو أن الدوحة ماضية إلا في المزيد من الهروب إلى الأمام. تمعن في المكابرة رغم ما تتكبده من خسارات في المكانة والاقتصاد.

الاثنين 2019/06/10


مع حلول الذكرى الثانية لمقاطعة قطر، فتحت الدوحة شاشاتها وساعاتها لمحاولة لفت انتباه المجتمع الإقليمي والدولي وتعزيز روايتها، والبحث عن منقذ يحرك مياه الأزمة المهملة وحل المشكلة التي علقت بها منذ قرر الرباعي العربي أن يعاقب النظام هناك، ويمنعه من الإسراف في سلوكه المؤذي ويجبره على دفع فاتورة أخطائه الفادحة التي ارتكبها في حق المنطقة، والكفّ عن سيرة طويلة من التأليب والتحريض وتأجيج المحيط العربي والإسلامي ضدّ عواصم الاعتدال والاستقرار.
بعد انقضاء عامين على قرار المقاطعة، لا يبدو أن الدوحة ماضية إلا في المزيد من الهروب إلى الأمام. تمعن في المكابرة رغم ما تتكبده من خسارات في المكانة والاقتصاد والقلق الذي يفتك بها وهي تتقلب بين النقيض ونقيضه لتنجو من الشبكات المعقدة التي أبرمتها طيلة سنوات التسامح والعفو وغضّ الطرف من الجيران، وعندما حانت ساعة المواجهة العارية من كل المجاملات، أسقط في يد الدوحة وتجرعت من كأس المرارات التي كثيرا ما أهرقتها في خرائط البلدان العربية التي فتحت رياح الربيع العربي بواباتها العتيقة.
تتعامى قطر قصدا أو نتيجة قصور في الفهم وتواضع في الاستيعاب، وتعتقد أن ما أقدمت عليه العواصم العربية الأربع عند مقاطعتها هو نتيجة “الغيرة” من ثروتها وتنامي سمعتها ونفوذها.
وهذا تفسير سطحي لا يقل عنه الترويج لكذبة نوايا الغزو التي تتستّر بها قطر للتغطية على حقيقة الدوافع والأخطاء التي جرّتها إلى هذه النتيجة الصادمة.
لا نجاة للدوحة ممّا أوقعت نفسها به، إلا سبيل الحكمة التي ضيعته منذ اختارت أن تناصب جيرانها العداء، وتمتطي الجماعات المتشددة التي أغرتها بالانتشار والتأثير، لكنها وقعت في شرّ حبائلها.
ولا نجاة للدوحة إلا بمراجعة سياساتها التي أوردتها الصدام الحتمي مع المنطق والعقل، بدل الإمعان في تبني خطابات التشويه والتأليب التي تفاقم الفجوة وتشذّ بقطر عن سفينة الخليج بلا رجعة.
لم يبقَ لدى قطر بعد أن عزف الجمهور العربي عن متابعة محطاتها الإعلامية -رغم ما نالته من الدعم المفتوح والتمويل الضخم- وقد غرقت في ازدواجيتها، إلا أن تبتكر سياسة الانسحاب؛ إذ أصبح من عادة الوفود القطرية التي تشارك في اللقاءات والاجتماعات العربية والدولية الانسحاب، لتسجيل موقف ما وإثارة الانتباه وإحداث جلبة قد تجتذب عناية من يتحفز لحل معضلتها.
فعلت ذلك في قمة تونس العربية، وذهبت مع الريح، وكررتها خلال قمم مكة التي حضرتها بإشارة أميركية وحثتها على رفع مستوى التمثيل فيها، وذهبت هي الأخرى مع الريح، لتعود وتلملم بعض جلبتها المهدرة عبر بيان ينقض ما غزلته مع محيطها العربي والإسلامي.
ينسجم هذا مع سياساتها المألوفة في التناقض، إذ ترتع الدوحة في بحر من التناقضات، فهي التي تظللها قاعدة أميركية ثم تمدّ يدها مع إيران، وتؤلب ضد الحل السلمي في فلسطين وهي التي كانت أول من هرول إلى تل أبيب، وتشجب التدخل في شؤون السودان فيما تمدّ ميليشيات طرابلس الليبية بالمال والسلاح ونحيب الشاشات، وتولول على اختلاف العرب وتشظي لحمتهم وتكون أول من ينقض غزلها وتعتصم بالأتراك لشق الصف العربي الذي يلملم شتاته من جديد.
من جهة أخرى تشكل الخسارات العريضة التي تكبدتها الدوحة منذ واجهت حقيقة ما يعوزها من التأثير والنفوذ والإمكانات، زيادة في كلفة نتائج المقاطعة وآثارها المريرة، وتعوّض هذا بزيادة جرعات المظلومية المدّعاة في خطابها إلى الخارج، والنفخ في الإنجازات العابرة إلى الداخل، وتراهن على اشتباك كبير يفجر المنطقة وتنجو فيه من فعلتها، رغم أن خطاب الرباعي العربي لم يتبدل ولم يتزحزح؛ وضوحا ودقة ومباشرة، وكان آخر تعبيراته في تعليق وزير الخارجية السعودي، إبراهيم العساف، على هامش قمم مكة، حينما أشار إلى ترحيب بالحوار مع قطر ولكن بشرط أن تعود هذه الأخيرة إلى “طريق الصواب”.
فهل من رجل رشيد؟


الرابط :

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم،...