جدة – عمر البدوي
لم يسبق لقمة عربية أن نظمت في مثل هذه الأجواء العاصفة والظروف الصعبة التي تمر بها بلدان العالم العربي، التي تشكل في مجموعها الدول الأعضاء للجامعة والقمة العربية في نواكشوط اليوم، حال من المعضلات المبددة في أطراف هذه الجغرافيا منذ ثورات الربيع العربي.
القمة العربية التي انطلقت من أنشاص بمدينة الإسكندرية المصرية استجابةً لدعوة من الملك فاروق، ودعت لوقف الهجرة اليهودية وتحقيق استقلال فلسطين وتشكيل حكومة تضمن حقوق جميع سكانها الشرعيين من دون تفريق بين عنصر ومذهب، لم يتحقق ذلك الهدف على رغم مضي عقود طويلة على التصريح به في أولى القمم العربية، بل أصبحت فلسطين نفسها ومشروع دولتها مؤجلاً ومنسياً في قائمة الظروف العربية الخانقة. وظلت فلسطين ترزح تحت الاحتلال ونهباً لمشاريع الاستيطان وواقعها منقسم بين فصيلين متباينين تعثر معهما أي مشروع للمصالحة الوطنية، فيما تعاني غزة من حصار خانق منذ سنوات، وبقيت القمم المتتالية سخية في تقديم بيانات الشجب والاستنكار المجانية من دون تحقيق خطوة واحدة إلى الأمام.
نواكشوط التي تستقبل القمة العربية للمرة الأولى تعبير واضح وكافٍ عن الحال العربية المخيبة للآمال، إذ تواجه موريتانيا ظروفاً صعبة مع الفقر والتصحر ولا يلمع في أفق مستقبلها أي ملامح للتغيير، بعد أن عانت لسنوات من ضعف الاستقرار مع سلسلة من الانقلابات العسكرية وتحولات المزاج السياسي الحاكم فيها، ولعل في استقبالها للقمة العربية للمرة الأولى تحاول تلمس طريقها واستنهاض واقعها وزحزحته قليلاً إلى حيث تقوى إمكاناتها. القمة هي الثانية بعد الربيع العربي الذي عصف ببعض بلدان الشرق الأوسط وانتهى إلى مآلات مختلفة، كان أقلها كلفة هو مصر وما تعانيه من تعثر ظروفها الاقتصادية، فضلاً عن غياب دورها السياسي المؤثر بعد أن ظلت لعقود رائدة الميدان وقائدة من دون منازع، وقد رجحت الكفة في غير صالحها أخيراً نتيجة حالة عدم الاستقرار لديها، فضلاً عن الخناق الاقتصادي الذي يكبلها ويعرقل مساعيها. وفي الوقت الذي حصلت فيه تونس على الثمرة الأنضج من موسم الربيع وقد انطلق منها أولى شرارات الانتفاضات الشعبية عبر جسد البوعزيزي الضاج بالقهر، اضطرت ليبيا وسورية واليمن أن تدفع أثماناً باهظة من دماء وأمن ومستقبل أجيالها. وعند ذكر الجراح المفتوحة للربيع العربي تحضر إيران بمشروعها التوسعي الذي ابتلع العراق ولبنان وأعمل فيها بميليشياته المتعصبة لمشروع الولي الفقيه، وألهب حدود الجوار مع الشط العربي من الخليج، وفتح ثغرات الخلل الأمني والسياسي في الجيوب المنتشرة في كل مكان.
إضافة إلى تدخلات الجار اللدود إيران ما يحدثه الانتشار السرطاني للجماعات المتشددة في بلدان النزاعات التي ترمي بشررها على الجميع، ومن بينهم دول الاتحاد الأوروبي التي أخذت تعلن حالة الطوارئ عاصمة تلو أخرى.
يبلغ التشدد ذروته هذه الأيام، ويتفسخ المشهد عن مستوى غير مسبوق من التطرف تعكسه جموع السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة التي لم تبقِ ولا تذر، في المطارات والمساجد وأماكن التجمعات، حتى لا يكاد يمضي يوم من دون أن يتصدر عناوين الأخبار منظر الجثث الملقاة على الطرق والمقاهي العامة، فيما يظل العالم مشدوهاً وشبه عاجز عن الوقوف في وجه هذا المارد المستطير، إلا طائرات التحالف الدولي التي لا تصنع الكثير من الفرق ولا تساعد على وقف شلال الدم المهدر من دون مبرر.
تعكف كل دولة عربية على همومها الخاصة، فـ«لبنان» من دون رئيس، و«العراق» تواجه حكومتها حرب البقاء في ظل تمدد «داعش» وسياراته المفخخة في مقابل ميليشيات إيران الطائفية، و«المغرب» لم يحلحل إشكالات الصحراء الكبرى في ظل تحفز الجزائر على الحدود واحتجاجات الغاز الصخري فيها، و«الأردن» يواجه تبعات الحرب السورية ومخاطر تنظيم داعش، و«السعودية» تحاول لملمة ما تبقى من مشروع عربي بمواجهة خصومه المتعددين وانسحاب القوى الكبرى من محيط العرب، و«السودان» بعد انفصال جنوبها تكابد مشاريع مشابهة وتواضع الحالة الاقتصادية ومؤتمرات التوافق الوطني، و«الصومال» تشبه جاراتها في ظروف الفقر والمجاعة واستقرار الحكم وتمدد حركة الشباب المقاتلة، ومثلها «جزر القمر» في مواجهة حادة مع انخفاض الدخل وتوسع الفقر، و«البحرين» تلتهب بحراك سياسي تستغله إيران لالتهام الجزيرة الوادعة، الله وحده يعرف أي مستقبل ينتظر الدول العربية في ظل تواضع قدرتها على إنجاز مشروع تعاون حقيقي ومنتج، وهي تجتمع للمرة الأولى في نواكشوط .
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق