التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مسرح «المفتاحة».. أغلق بـ «قرار» وأعادته «الكوميديا» إلى الحياة


جدة - عمر البدوي 

مع كل صيف تعيشه السعودية يتذكر السعوديون «مسرح المفتاحة»، بعد أن كان حالة فنية فريدة طوال سنوات قبل أن يغلق نوافذه الغنائية بقرار رسمي، اندلقت على إثره الاستفهامات عن الأسباب وراء غياب ذلك الدور الذي كان يلعبه المسرح في السعودية، إذ يبدو وكأنه لن يعود إلى سابق ما كان عليه، على الأقل حتى الآن.
مسرح المفتاحة هو إستاد مسرحي موجود في وسط مدينة أبها بمنطقة عسير جنوب السعودية تم افتتاحه في 1997، ويتسع لنحو 3800 شخص، ويقع في قرية المفتاحة التراثية «مركز الملك فهد الثقافي». وتستخدم في المسرح أحدث التقنيات الصوتية والإضاءات، وأقيمت عليه عدد من المحاضرات والندوات والاحتفالات والمسرحيات والأمسيات الشعرية، ويحتضن سنوياً حفلة جائزة أبها.
أقيمت حفلات ليالي أبها منذ صيف 1998 إلى 2007، إذ اعتلى خشبة المسرح عدد من الفنانين المشهورين مثل محمد عبده، وعبادي الجوهر، وطلال مداح الذي توفي على خشبته بسكتة قلبية في صيف 2001 وهو يؤدي إحدى أغانيه، وأوصى بدفنه في مكة المكرمة. وعلى رغم الحفلات الغنائية التي كانت تقام في بعض مدن المملكة وقتئذ، غير أن مهرجان ليالي أبها الغنائي كان فريداً وذائع الصيت، يدعمه الحضور المؤثر لأمير المنطقة السابق الذي كان يتمتع بعلاقة متينة مع الفنون على اختلاف مجالاتها، وهو الأثر الذي انعكس على تميز مهرجان أبها الغنائي. وبحسب رأي بعض المهتمين كان «المفتاحة» إطاراً يحمي تبلور الأغنية السعودية ويقدمها للجمهور العربي في أبهى صورها، ويضيف إلى قائمة المنتجات السعودية الثقافية والدينية بضاعة فنية فاخرة تحقق التوازن في الخيارات لدى المجتمع وتمنحه إحساساً فطرياً يصله بكل المجتمعات الطبيعية، غير أن توقفه إلى جانب بقية المهرجانات الغنائية في المملكة تسبب في حال شلل لتدفق اجتماعي طبيعي يضمن التعايش السمح لكل المجالات.
وأصبح «المفتاحة» الآن بعد توقفه حقلاً من الذكريات الجميلة بالنسبة إلى جيل كامل تمتع بثراء الخيارات، قبل أن تحيط بها ضائقة الفرص، وورثه الآن جماعة من فناني ومشاهير «السوشل ميديا» الكوميديين لمحاولة التعويض عن الفراغ الذي تركه غياب الحفلات الغنائية على خشبته، وعلى رغم جماهيرية مشاهير الإعلام الجديد، غير أن التوازن مفقود، إذ تضطر جمهرة الكلمة المغناة البحث عن ملاذ يجمعهم بفناني إنسان ومكان هذه الأرض.
وكان سبق للمسرح وفعالياته أن تتوقف، إذ توقف المهرجان أسبوعاً بعد وفاة الفنان طلال مداح على خشبته ليعود بعد ذلك بشكل اعتيادي، ثم ألغيت الحفلات الغنائية بسبب وفاة الملك فهد آنذاك، وألغيت مرة أخرى بسبب العدوان الإسرائيلي على لبنان، قبل أن يوقف المهرجان تماماً بقرار رسمي. وقبل أن يسقط الفنان طلال مداح على خشبة المسرح كان يؤدي أغنيته «الله يرد خطاك» ولم يستطع إكمالها، ويبدو أن كلمات الأغنية تتداعى اليوم في حق المسرح ولياليه العامرة بالذكريات الفنية العتيقة، لعل خطاه تعود إلى سابق عهدها.


الرابط :


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...