التخطي إلى المحتوى الرئيسي

سبل الهداية




{ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } العنكبوت 69 .
 
الإنسان في هذه الحياة ينزل ثلاثة منازل لا رابع لها أولها : منزلة البحث وهي نقطة مضطربة تأتي في البدء تتقلب فيها شخصية المرء وتتلون دائماً على حسب نوع الحقيقة التي تستقر في عقله والقالب الذي يتشكل فيه .

ثم منزلة الهداية وهي حالة الاستقرار التي يعلوها المرء بعد بحث مضنٍ وجهاد طويل لنيل الحقيقة وإصابتها والعلم اليقيني والحق الجلي وما إن يعثر عليه ويتحصله حتى تهدأ نفسه ويسلك طريقه واثقاً موقناً .
 
ثم منزلة الجزاء وهي تناول المثوبة عن محصلة سعيه طيلة حياته فإن خيراً فخير وإن شراً فشر ، وفي هذه الحالة لا مجال لاستدراك الفائت ولا الرجوع للخلف وتصحيح الأخطاء وإكمال النقص .

والحظ لا يمطر من السماء والأقدار لا تأتي على نحو من العبث بل تتفق الحكمة الإلهية والعدل الرباني لتلتقي الفرصة المناسبة لمن هو أحق بها .
ولذلك لما أجهد سلمان الفارسي نفسه للبحث عن الدين الحق كافأه الله بأن يكون أحد العلامات الفارقة في الدين الإسلامي الذي استقر في صدره بصواب خياره وتقرب إلى النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم – حتى غدا واحداً من أهل بيته .

ولقد جرت عادة الدنيا أن تعطي الإنسان ما يتشبث به ويجهد نفسه ويكدها في سبيل أمر ثم لا يلقاها ، حتى خالد بن الوليد عندما مات على فراشه وهو لم يبقي فرصة للاستشهاد عوّضه الله بالذكر الحسن وتخليد اسمه في سجل العظماء وجنة عرضها السماوات والأرض .

ولا يمكن لأحد أن يصطف في سلك العابدين وينتظم في طابور الراحلين إلى الله ، دون أن يُلمس منه حرصه الشديد ورغبته الصادقة في ذلك ويزكي ذلك باجتهاده وصبره على الطاعة واحتقار عمله إلى جنب الله .

إن الله لمع المحسنين : ثم أورد الله أنه مع المحسنين العاملين الصادقين يحفظهم ويرعاهم ويكلأهم بعنايته حتى يبلغ العبد من ذلك أن يكون عينه التي يبصر بها ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها .
إن الله معهم يحفظهم ويصونهم من الزلل والخطأ ، فإنما دوام المرء على العبادة وتمسكه بها محض فضل الله وإنعامه على العبد .
يرعاهم ويحميهم من الأعداء الذين يترصدونهم من شياطين الجن والإنس فإن الله يدافع عن المؤمنين .

وأورد الله لقب المحسنين ونعت به المجتهدين لأن الإحسان أرفع درجات العبادة ، مبلغ يظهر فيه الإنسان من النزاهة والصدق والإخلاص وقد استشعر رقابة الله له وجعله نصب عينيه في الغدو والرواح وكأنه يجري منه مجرى الدم .
ثم إنهم محسنون من جهة حب الخير للناس والإحسان إليهم وهذا أعظم برهان على طهارة نفوس أمثال هؤلاء المجتهدين الذين يحتسبون كل شيء لله وقد باعوا أنفسهم له حتى أصبح الواحد منهم يحتسب نومته وقومته والساعة التي يجم فيها قلبه ويروح فيها عن نفسه .


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...