التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ألا في الفتنة سقطوا




يعتقدون من صميم ظنهم الخائب، أن التبرّج والسفور، الذي لا تراه سوى أعينهم، وأن الاختلاط والرقص، الذي اخترعته أذهانهم، يؤخر النصر في عاصفة الحزم.

العرب عمر علي البدوي [نُشر في 23/04/2015، العدد: 9896، ص(8)]

تحاول الصحفية التي تخاطر بحياتها أن تنقل الحدث برواية وطنية. تجلس الصحفية المؤمنة بدورها في طرف البلاد وعلى خط النار، ملتصقة بأكثر الفرص احتمالا للخطر على حياتها، ويجلس آخر وسط البلاد مستترا بآلاف الجنود الذين يبذلون أرواحهم لسلامته ويكتب “#إعلاميات_متبرجات_مع_المرابطين_على_الحدود”، يكتبها بتعالٍ ذكوري وهو على أريكته وتحت سقف بيت يقيه لفح الغبار وهوائجه التي تقتحم على الجنود ثكناتهم، وتحيق بالصحفية التي تجاهد لتنقل للعالم سعي وطنها وأجناده لإرساء الحق في بلاد جوار عانت الضيم سنين عجاف.
بينما يتناهش الموتورون خطوتها الشجاعة، تمضي المبادرة إلى عملها بثقة، تشعر أنها جزء من المنظومة الوطنية، وذلك من وحي دينها الذي كان فيه للصحابيات الكريمات دور أصيل وجهد نبيل حتى في أصعب المعارك وأعسرها، كأم سنان الأسلمية وقد ضمّدت جرح سعد بن معاذ عقب إصابته يوم الخندق، ونسيبة بنت كعب المازنية التي قاتلت بسيفها حتى بترت ذراعها.

غير بعيد عن الحدود، وفي قلب منطقة جازان التي تنتعش تنمية وعمرانا، تخرّج الجامعة التي ولدت منارة للعلم والفهم، جيلها الجديد من دفعة النجباء، وكأنها تقول لجيران بلادها الملاصقين لظهرها إن البناء الحقيقي ينطلق من العلم، تخرّج طلابها في جو مفعم بالأمن والأمان والعلم والإيمان، والبلد في عزّ الحرب. ولكن نفرا من المهووسين، لا يرون في هذا صورة من قوة البلاد وتماسكها وأنها تنابذ همجية الأعداء بدفوع النابهين، وأنها تخوض حربها من أجل المستقبل بهذه السلسلة من الكفاءات، لا يرون كل هذا، ويخوضون معركتهم الملفقة، وأنه مجرد “#اختلاط_وألحان_في_جامعة_جازان” رغم أن شيئا من هذا لم يحدث.

في ظل الظروف التي تتطلب مزيدا من الالتئام، يمارس الخارجون من إطار الوحدة الفكرية للبلاد دورهم التقليدي في مثل هذه المواقف، وينابذون وحدة المشاعر الوطنية بانتقائيتهم ويشاغلون أو يشاغبون نبض الوطن بمنازلاتهم الجانبية التي تستحوذ على اهتماماتهم الضيّقة وتغرق الوطن في وحل من الجدالات المفضية إلى اللاشيء.

يعتقدون من صميم ظنهم الخائب، أن التبرّج والسفور، الذي لا تراه سوى أعينهم، وأن الاختلاط والرقص، الذي اخترعته أذهانهم، يؤخر النصر في عاصفة الحزم ويوقع البلاد في الفتنة، ولكنهم في الفتنة سقطوا. يسمون وجود الإعلاميات في الحدود ومع المرابطين من جنس المعاصي التي تغضب الله وتحبط العمل وتؤخر النصر وربما توقع البلاد في هزيمة نكراء، ويذكّرون بأم كلثوم وأنها كانت السبب الأكيد والخلل الوحيد وراء نكسة 1967 للعرب جمعاء.

كان الحديث مفزعا، وعندما هرعت لأرى درجة السفور الذي يتحدثون عنه بهذه الطريقة الرهيبة، رأيت صحفية بكامل حجابها، ولا يُرى منها إلا كفوفها وأطراف عيونها وهي تتحدث إلى واحد من أبطال حرس الحدود حول أوضاع المنطقة، ودونها صحفية أخرى بحجاب دائري مثل عامة نساء المسلمين تقوم بدورها دون أدنى التفات إلى نوايا أهل الحرص “المبالغ في تقواه وورعه”.

رغم مآخذهم الشرعية الظاهرة لا تجد قيمة ولا أي اعتبار للأسباب الموضوعية التي يمكن أن تلعب دورا في الفوز والخسارة العسكرية كما جاءت في نص الآية الكريمة “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم”.

نفس المنطق القديم، يدعمه تفكير مناطقي متعال يتجذر فيه فقه تاريخاني منحبس تجاه الآخرين بانتماءاتهم وأعراقهم، فضلا عن موقف ديني مدفوع بأيديولوجيا مرتابة.

كل ذلك يخلق حالة من “تسطيح الوعي”، يسهم في بناء مجتمع مختل بالنظر إلى تحدياته الداخلية والخارجية، ولتقريب الصورة بإمكانك النظر إلى الموقف الثقافي والاجتماعي لديهم من عاصفة الحزم التي تخوضها السعودية ضد خطر إقليمي ماحق.

يختصرون حرب بلادهم ضد مرتزقة الحوثيين في مجرد طلعة جوية تنهي القلق، بينما المسألة لها خلفية سياسية معقدة، وكونها سياسية بحتة يشعر، بعض المغرمين بدور ديني مبالغ فيه، بالانتعاش لأنها حرب ضد الشيعة في ظنهم، وهي أبعد ما تكون عن ذلك. حالة من تبسيط المسألة إلى أكثر انطباعاتها انحرافا، وهي عيّنة من آثار التسطيح الذي تتعرض له المجتمعات المنفعلة بالعصر، تلك التي تعيش غارقة في وعظية خطابية دائبة وفكرة أيديولوجية منغلقة.

كاتب سعودي

الرابط :

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...