يتوجب مكاشفة واقع المعطيات والسمات التي تعطي استقلال العقلية السعودية بوصفها شخصية اعتبارية تعبر عن حالة وجودية منفردة لهذا المجتمع.
العرب عمر علي البدوي [نُشر في 22/11/2014، العدد: 9746، ص(9)]
هل هناك ما يدعو إلى البحث عن “العقل السعودي”، وهل من المنطق الحديث عن عقل سعودي مستقل؟ وهل يرقى استقلاله ومعطياته إلى درجة تحرض على دراسته والتنقيب عن تكويناته وأدوائه؟ وابتكار الأساليب المؤثرة في معالجته وإصلاحه بعد القبض على تفاصيله المتينة وأعماقه الدفينة.
العقل المخصص بقوميته السعودية ينتمي إلى “جغرافيا سياسية ناجزة” ويتلقى نمطاً مختلفاً من نظام التنشئة والتوجيه والهوية السياسية، ويتمتع بدرجة “أكثر تسلفاً من الدين”، ويحمل بالاستناد إلى ذلك تصوراته الخاصة حول المعاني السياسية والثقافية التي تنشط في مجاله المحلي والإقليمي والدولي. هذه التصورات تنتجها آلياته الخاضعة لرؤاه الدينية والسياسية وتحكم فضاءه العام وتتصرف في برامج التوجيه والتعليم التي يتعرض لها العقل السعودي منفردا ومجتمعا.
السعودي عربي وإسلامي أولا، وهو يحمل نفس الألم والأمل الذي يخامر كل مسلم وعربي، ولكنه لا ينفصل عن محليته الذي يغرق في ظروفها وانحباساتها، وهو بمرور الوقت سينغلق أكثر على جغرافيته وحدوده، لأن الفرص تضيق بين يديه ومستقبل بلاده يلحّ عليه بمزيد من الاهتمام وتسييج مكتسباته وتناول مسألته المحلية أكثر من أي شيء آخر. كما أنه يتعرض إلى منظومة من المؤثرات المحلية ويلعب في فضائه الخاص مجموعة من الفاعلين المحتكرين الذين لا يجدهم كل عربي ومسلم بالضرورة.
وكانت قد سبقت إلى دراسة المجتمع السعودي بعض البحوث الأكاديمية والدراسات المجددة، ولكنها كانت تستخدم أدواتها العلمية لتفكيك جانب ما أو قضية بعينها، دون أن تلتفت إلى دراسة العقلية السعودية وردة الفعل الذهنية والجمعية المنبعثة من صلب الاعتقادات وطريقة التفكير التي يتمايز بها العقل السعودي دون غيره.
بحيث يصبح المقيم منذ ولادته في الجغرافيا السعودية يمارس نفس طريقة التفكير المحلي ويتعامل بذات منظومات التصور وردات الفعل لضمان التماهي والقبول العمومي، ولو لم يحصل على صفته القانونية كمواطن رسمي.
كانت الدراسات المنفصلة تدرس الظاهرة والسلوك بمنأى عن فحص “العقل السعودي” الذي يحكم منظومة التصور والسلوك ويملك تدبير الحسابات المنطقية والتصورات التجريدية.
سبقت بعض المجتمعات العربية إلى تفحص الشخصية القومية لمجتمعاتها عبر جهد فريد لبعض نوابغها، مثل موسوعة “شخصية مصر” لجمال حمدان و”شخصية الفرد العراقي” لعالم الاجتماع علي الوردي، واستطاعت أن تتبيّن مناطق استقلالها المحلي ضمن نسيج التشابك القيمي التي تصلها بعوالمها المحيطة عرقاً ولغة وديناً وإنسانية، واستطاعت هذه الجهود أن ترفد عمليات البحث الاجتماعي المحلية بسيولة وافرة.
وتعبّر “الخصوصية السعودية” عن حالة من الفرادة تستدعي الانتباه إلى جانب من التميز المحلي، ولكنه تعبير انعزالي ومغلق يصادم أحياناً موجات التحديث والتطور الطبعي والمقصود، أكثر منه تعبيراً منطقيا يستند إلى أسس موضوعية في بحث الشخصية السعودية.
من أجل تمثل أفضل للظروف المتقلبة واستجابة أمثل للمستقبل، تتوجب مكاشفة المعطيات التي تعطي استقلال العقلية السعودية بوصفها شخصية اعتبارية تعبر عن حالة وجودية منفردة لهذا المجتمع.
كاتب صحفي سعودي
الرابط :
http://www.alarab.co.uk/?id=38606
تعليقات
إرسال تعليق