عمر علي البدوي
«اللي يقول إن الفيبر برنامج يهودي، يعني على أساس أن الواتس اب اخترعوه أهل السنة والجماعة» رسالة بلاك بيري.
المؤامرة متلازمة عربية مقيتة، تكاد تجزم أن كل عربي يرضعها مع حليب أمه ثم لا تفطمه عنها حتى يعود إلى أرذل العمر، كل شيء في حياة العربي تقع مسؤوليته على الآخرين، حتى إخفاق ابنه الهامل الخامل الذي يقضي ليله في السهر والمعاكسات المدفونة تحت غطاء النوم، يعود السبب في ذلك إلى دولة إسرائيل الصهيونية الغاصبة التي تؤلبه على والده وتحرضه على إهمال دراسته.
كل شيء في هذه البلاد العربية لا بد أن يمر عبر بوابات ونقاط تفتيش تشبه تلك التي تنصبها إسرائيل لتضييق الحياة على الفلسطينيين، وكل تقنية حديثة أو اكتشاف جديد لا بد أن يحصل على حق اللجوء وبراءة استخدام في الوطن العربي، وعليه أن يتحمل بعد ذلك مسؤولية التهم والتورط في مخططات العدو فقط لأنه صنع في غير هذه البلاد التي لا تصنع سوى القنابل الكلامية وعلب الفراغ.
هكذا يستنزف العرب مزيدا من الوقت للتشكيك في النوايا الدفينة وراء اختراع هذه المنتجات الحديثة التي تسهم في تسريع عملية إنتاج الأفراد والأمم وتساعد في التخفيف من أعباء الحياة التقليدية وترغيد العيش، ثم يمضي الوقت سريعا ويقذف العالم المتقدم بالجديد في مجاله قبل أن نحقق أدنى استفادة أو توظيف إيجابي لهذه المكتشفات التكنولوجية فائقة الذكاء والإيجابية.
فضلاً عن توظيفها في مزيد من ترسيخ التخلف والرجعية وتقوية سيطرة الممارسات الشائنة في حق العقل والإنسان والثقافة، هذه المنتجات الحديثة ليست سوى فضاءات مرنة وإمكانات متاحة تخضع للسيولة الثقافية والأخلاقية التي يضخها المستخدم ومدى جديته في توظيفها للصالح العام والأغراض النبيلة. إنها مجرد وسائل مطواعة في يد الإنسان أنّى وضعها استجابت له.
شبكات التواصل الاجتماعي لم تسلم من هذا التحميل غير المنطقي لدورها في المؤامرة ضد العروبة من دول يبدو أنها تركت هموم مواطنيها من أجل أن تصفّر إمكاناتنا العظيمة في مجالات الطب والفكر والصناعة، هكذا تسهم بكل خبث ودهاء ومكر شيطاني يبرأ منه الشيطان نفسه لإسقاطنا في قبضة التخلف وتجريدنا من قيمنا وثرواتنا، هيهات!
الحراك السياسي والمطالب الشعبية العادلة التي ضجت في أروقة هذه الشبكات الافتراضية واستحالت ثورات عربية وانتفاضات شعبية عارمة، أسهم في تحميل هذه التقنيات والشبكات مزيدا من المسؤولية وأضاف برهاناً إلى يقين أنها صنعت خصيصاً لنشر الفوضى والعبثية في بلداننا.
لا أعرف إلى متى ستعيش هذه العقليات التقليدية في جسد الأمة؟ ولماذا تنعدم الثقة في تاريخها وجيلها الشاب إلى هذا الحد من البلادة السياسية؟ لعمري إنها تؤجل استحقاقات التنمية وتهيل تراب التردد والتحوط غير المبرر على منابع الانطلاق العفوي نحو العالم الأول وتذرّ الرماد في العيون الشاخصة نحو مستقبلها بكل ثقة واطمئنان إلى تاريخها، ورغبتها صادقة في حياة كريمة تتعافى من حالات التشكيك والتخوين والانكفاء على الذات.
دائماً تصلني رسائل الرجاء التي تصل إلى الأيمان المغلظة لمقاطعة برنامج ما أو تقنية معينة نصرة لقيمنا ومبادئنا، المحير أن مطالب المقاطعة تنتشر عبر نفس القنوات المطلوب مقاطعتها، أشعر بكثير من الحرج تجاه هذا التناقض، وكيف وصل بنا الحال من العطالة الحضارية إلى درجة استجداء النصرة عبر وسائل غير مجدية ولا تليق بحجم الأخطاء التي نمارسها نحن في حق تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا.
ويحدث هذا فقط لأننا نتوقف عند هذا الحد، عند مجرد الزعيق والتنديد والشجب، وأبلغ ما يطاوله سقف إيماننا هو المقاطعة لمنتجات تستحيل متاركتها بفعل جدواها وإثبات نفعها ودورها، ليتنا نتجاوز هذا إلى العمل والاجتهاد ونكون أكثر صدقاً وعدلاً وإيجابية.
المقاطعة حيلة العاجز، والقوي يبث قيمه ومبادئه وصورته الحضارية ويفرض احترامه على الآخرين، فقط عندما يبدو مستحقاً لهذا الاحترام، عندما يظهر وكأنه مؤمن بنفسه ومنسجم مع ذاته ولا يعاني من عقد النقص والإحساس بالإهانة الداخلية لأنه غير فاعل ولا مؤثر ولا يسجل حضوراً مشرفاً في خارطة العولمة.
تهم المؤامرة تنطلي على العاجزين عقلياً ومرضى الكسل الفكري، وهي وجبة شهية للموتورين ممن يستهويه صخب الجعجعة وفراغ الطحين، يثير الغبار ليخبئ دونه خيبة النقص، يخفي بجلجلة العجلات خلوّ عربته مما ينفع ويرفع، يكثر من الرقع في ثوبه البالي حتى أرهقه بالتمزيق.
لن ننجو من آثار التخلف بمجرد الفرقعات الكلامية والصخب الوعظي، سبيلنا للتفوق هو (التوظيف السليم أو البديل الجيد)، فهو دليل تحضرنا وصورة عن صدقنا ورغبتنا في التغيير، أما تهالكنا على ملاحقة الآخرين بتهم المؤامرة والتفتيش عن أدوارهم في أكوام التفاصيل فهي محض تضييع للوقت وتفويت للحقيقة.
الأمة أو الفرد الذي يعيش بمشروع شديد الوضوح وبيّن الأهداف عادة ما يوظف كل الوسائل المتاحة لبلوغ أهدافه وتحسين شروط الوصول إليها، الفارغون من المشاريع يستخدمون هذه الأدوات الحديثة لمراكمة الفراغ وتوسيع الفجوة ومضاعفة الأخطاء التي تنمو نتيجة الفراغ، والمسؤولية دائماً واقعة على الفرد نفسه
ولا تزر وازرة وزر أخرى.
http://www.makkahnewspaper.com/makkahNews/blogs/88682.html#.VGLhevmsVdM
تعليقات
إرسال تعليق