جدة - عمر البدوي
الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠١٣
الإسلاميون في نظر عدد من المتخصصين يقعون في القلب من المشهد السعودي، لذا كان حجم التحولات في بنيتهم الفكرية والثقافية أكبر وأظهر، إلى درجة أن أطروحات بعض أطيافهم أصبحت لا تختلف عن خصومهم من التيارات الليبرالية واليسارية عموماً.
«الحياة» تستطلع صور التحول من الخطاب المتشدد إلى المعتدل مع عدد من الخبراء والمهتمين، وتبحث في الدوافع التي عملت وراء تحول الإسلاميين نحو التغير وخطابات الانفتاح والتجدد، وهل ثمة شبهة انتهازية وراء ذلك، أم ضعف في ثقتهم بالمنطلقات وضغط للواقع؟
الكاتب عبدالعزيز السماري وصف لحظة الـ11 من سبتمبر بـ«المفصلية» في تاريخ الحركة الإسلامية السعودية، مثلت عامل انصهار للإطارات ضمن تيار الصحوة في التسعينات بعد ضعفه وفقدان خطابه للوازم الحشد الاجتماعي، مدفوعة بالعولمة وتمظهرات الحداثة التي وإن لم تقد إلى تغيير مباشر في الإطارات العامة، لكنها أعادت تشكيل تلك الإطارات وغيّرت من نوعية مستهلكي الخطاب، إذ أصبحت للدين والحق والآخر والعالم تصورات مختلفة متعددة بتعدد الروافد، وسيستمر هذا التطور بتجلياته حتى يومنا هذا وما بعده.
لا يمكننا أيضاً إغفال عوامل أخرى أسهمت في تلك المراجعات، نلاحظ شواهدها في تقلص دور المؤسسات الدينية الرسمية وضعف مكانتها.
بينما يؤكد أستاذ الدراسات العليا في جامعة القصيم الدكتور سليمان بن علي الضحيان أنه «لا يمكن فهم التحولات بعد سبتمبر إلا بالحديث عما قبله، إذ كانت مرحلة حرب الخليج الثانية وما صاحبها من قدوم القوات الأميركية مرحلة استقطاب حاد في مشهدنا الفكري المحلي، إذ تعامل معها الإسلاميون على أنها تهديد للهوية، وتعامل معها الليبراليون على أنها فرصة للبدء بانفتاح فكري، وهذا ما أحدث صداماً حاداً بين التيارين».
وأشار إلى أن هذا الصدام «نتجت منه متغيرات عدة، وأهمها متغيران: أحدهما تشكيل رؤية متشددة ومتشنجة لدى قطاع عريض من أتباع التيار الإسلامي تجاه كل ما يخالف رؤيته، من أفكار أو أحداث أو مؤسسات أو أشخاص.
الثاني، أن التيار الإسلامي نجح بامتياز في إشراك قطاع عريض من عامة فئات المجتمع معه في معركته، فتحولت أطروحات التيار الإسلامي- بما فيها تلك الرؤية المتشنجة مع الآخر - إلى ثوابت دينية لدى غالبية تلك الفئات».
واستطرد شارحاً: «أي أن التيار الإسلامي مسح الطاولة وتفرد في تشكيل الوعي الديني والثقافي للجيل الشبابي آنذاك، ثم جاء الاعتقال الذي تعرض له أبرز موجهي التيار الإسلامي، وهذا ما قضى على أية بادرة كبيرة للنقد والمراجعة كان يمكن أن تحدث، وفي ظل هذا الواقع بدأت خدمة الإنترنت فكانت قناة حرة للتأثير والتوجيه».
واعتبر أن الإنترنت أسهم في إنشاء حركتين، حركة نخبوية إصلاحية تدعو إلى النقد والتصحيح والمراجعة، وكان أثرها ضعيفاً في أوساط التيار الإسلامي.
وحركة راديكالية يقودها طلبة علم تصدروا المشهد وساعدتهم على ذلك حدة الصراعات في الإنترنت بين الطرح السني والشيعي، والديني والليبرالي، ما أحدث صدمة عنيفة لدى جمهرة كبيرة من الشبان المتدينين ساعدت على اعتناقهم لأفكار راديكالية، تدعو إلى المفاصلة وقطف ثمار هذه الحركة، التنظيم الجهادي الجديد آنذاك وهو تنظيم القاعدة، ثم حدث تفجير «11 سبتمبر»، فما الذي أحدثه هذا التفجير في واقعنا الفكري المحلي؟
وأوضح أن أحداث التفجير - وكان معظم من قام بها سعوديون - صدمة لدى الرأي العام العالمي والمحلي.
إذ كشف عن «واقع فكري» مغيّب، ومن هنا نشطت التحليلات، والنقد للطرح «السلفي» لدينا في وسائل الإعلام العالمية، وهذا ما أعطى الطرح الإسلامي المعتدل زخماً هائلاً وجعله يلقى جاذبية ورواجاً، وجعل كثيرين يتبنون أفكاره في ملف العلاقة مع الآخر، لكن الأمر - من وجهة نظري - على المستوى العام والرسمي لم يعدُ أن يكون كلاماً عن أهمية التعايش وقبول الآخر وأهمية الاعتدال والوسطية، من دون أن يتحول هذا الزخم إلى فعل مؤسسي، ما جعل جاذبيته تخبو مع الأيام.
ولا أتفق مع السؤال بأن أحداث «11 سبتمبر» دفعت بعض المعتدلين إلى التشدد. كل الحكاية أن حدث «سبتمبر» نقل أفكار المفاصلة مع الآخر من التنظير الفكري إلى الممارسة العملية، معتبراً أن أحداث احتلال أفغانستان والعراق أعطت هذا النقل زخماً وجعلت له شعبية.
الهويريني: «الثورات» حولت إسلاميين من المجال الاجتماعي إلى «الحقوقي السياسي»
يرى الباحث الشرعي وليد الهويريني أن «اندلاع الثورة التونسية والمصرية أسهم في إحداث تحولات جديدة. فقد تصاعد الاهتمام بالمجال السياسي والفكري والحقوقي، كما مرت تلك التحولات بحدثين محوريين: الأول - برأي الهويريني - هو الثورة التونسية والمصرية. إذ ألقت الثورات بظلالها على الإسلاميين فتحولت طائفة منهم من المجال الاجتماعي الذي تركز خطابهم فيه خلال العشرية السبتمبرية إلى المجال السياسي والحقوقي، ونشطت السجالات الساخنة بين أطيافهم في قضايا السياسة الشرعية والحريات وحقوق الإنسان، ونجح الإسلاميون - من خلال الفضاء الافتراضي - في بلورة حراك شعبي فاعل في المجال الحقوقي.
أما المحور الثاني فهو سقوط العملية الديموقراطية في مصر وتعثر الثورة السورية. وهذا الحدث ألقى بظلاله المحبطة لآمال الجيل الجديد، ودفع الإسلاميين إلى مربع المدافعة أمام هجمة النخبة الليبرالية التي تنكرت للقيم الديموقراطية، وشرعت في إعادة خطابها الإقصائي والاستعدائي الذي جاء بعد «11 سبتمبر»، ولكن الإسلاميين يبدون اليوم أصلب عوداً وأكثر قوة بسبب مكتسبات الربيع العربي والعالم المفتوح، ولكن هذه المكتسبات مهددة بالتضاؤل فيما لو تصاعدت الأفكار المتشددة بين الشبان، نتيجة للغة الإقصاء والاستفزاز التي يتعرض لها الإسلاميون في الإعلام.
وأضاف الهويريني: «خطابات المدنية والاعتدال يمكن تحليل محتواها إلى قسمين: المكون الحقوقي والمدني الذي يستهدف إصلاح المجتمع بما يتوافق مع هويته وثقافته. المكون الفكري والثقافي لتلك الخطابات المتعارضة مع هوية المجتمع وثقافته نتيجة لاستيراد حملة الخطاب المدني أطروحاتهم من بلد المنشأ، وهو الغرب، من دون مراعاة لاختلاف البيئة الثقافية والاجتماعية.
وأكد أن عامة الإسلاميين أيدوا وشاركوا في المكون الأول وتحفظوا على المكون الثاني، وبقيت قلة قليلة ممن وصفتهم بحملة التيار التقليدي، فهؤلاء انطلقوا في خصومتهم للخطاب المدني الآنف الذكر من تماهيهم مع الواقع وانسجامهم معه بإيجابيته وسلبياته».
بينما تحفّظ الباحث في مركز المسبار للدراسات عمر البشير الترابي على تعريف «التحول» المشار إليه في هذه المجالات. فهو لفظ سياسي بامتياز من ناحية، وملتبس من نواح أخرى، ولضرب الأمثلة قال: «إنه حينما يتنازل تيار سياسي عن بعض أفكاره - عملاً بمبدأ التكتيك - فهذا لا يمكن أن يُسمى تحولاً، كما أن «توفير» خطاب متطرف في لحظة ما، بنيّة استدعائه لاحقاً هو كذلك، بل من العبث وصف هذا الفعل البراجماتي بالتحول، كما أن الانتقال من حال الفعل إلى حال تأجيل الفعل مع احتفاظ الإيمان به، ليس تحولاً أيضاً.
كل ما تقدم هي أفعال مثل الهدنة والتراجع التكتيكي، لا أكثر. إنها اختلافات في الدرجة لا في النوع.
التحول خطوة عملية تأتي بعد عمل عقلي داخل وعي المتحول، يجب أن يتضمن نقداً للنفس ومراجعات داخلية حقيقية، تدفعها الأسئلة والشكوك والرؤى التي تكبر مع العمر والتجارب، وفيها الحوارات المبنية على البراهين والأدلة، وللأسف هذا كله لم يحدث، بل تم نقل عدة ثقافية، مع خفض السقوف اضطرارياً بسبب الأحداث السياسية.
لا ينكر هذا الحديث أن العمليات الإرهابية الكبرى أعادت طرح الأزمة العالمية الكبرى الموسومة بالإرهاب، ولكنها طُرحت - للأسف - في سياق سياسي عالمي، وكان التعاطي الثقافي معها بالقدر الذي يسمح به المسرح السياسي، لذلك فلا تنتظر رد فعل حقيقي في المضمار الثقافي بسبب حدث تم في المجال السياسي، وأكرر هنا بأن أحد أمراضنا العضال أن السياسي يسبق الثقافي، لذلك فالثقافي والفكري في الغالب عندنا محجوزان للتبرير فقط. نعم، حدثت تراجعات منضغطة بالواقع ومستجيبة له، ولكنها كانت في إطار انفعالي، ولكن الأكيد أيضاً أن كثيرين تشكل لديهم التصور لعملية التحول في فترة ما سبقت الحدث السياسي، وكانت فاجعة «سبتمبر» فرصة لإنفاذ ما كان في نفوسهم.
وعلى كل، فهذه المراوحة - أياً كانت - هي ظاهرة صحية وتحريك للمياه الآسنة. وفي سنّة التاريخ، يزعم كثيرون أن تصحيح «الوعي المجتمعي» يحتاج إلى هزات وصدمات، وأن «العقل الضامر» يتجلى في هذه الصدمات، لينفذ عبرها إلى المجتمعات عبر الحراك الذي يثيره فيستجيب الوعي المجتمعي، فحتى لو أن الخطاب كان سياسياً - كما نزعم - فإن الثقافي هو بعض متقطع، فيجب استثماره وتشجيع حركة التحول لتفتيت الجمود الذي يغذي «الإرهاب الأقسى».
وأضاف الهويريني: «خطابات المدنية والاعتدال يمكن تحليل محتواها إلى قسمين: المكون الحقوقي والمدني الذي يستهدف إصلاح المجتمع بما يتوافق مع هويته وثقافته. المكون الفكري والثقافي لتلك الخطابات المتعارضة مع هوية المجتمع وثقافته نتيجة لاستيراد حملة الخطاب المدني أطروحاتهم من بلد المنشأ، وهو الغرب، من دون مراعاة لاختلاف البيئة الثقافية والاجتماعية.
وأكد أن عامة الإسلاميين أيدوا وشاركوا في المكون الأول وتحفظوا على المكون الثاني، وبقيت قلة قليلة ممن وصفتهم بحملة التيار التقليدي، فهؤلاء انطلقوا في خصومتهم للخطاب المدني الآنف الذكر من تماهيهم مع الواقع وانسجامهم معه بإيجابيته وسلبياته».
بينما تحفّظ الباحث في مركز المسبار للدراسات عمر البشير الترابي على تعريف «التحول» المشار إليه في هذه المجالات. فهو لفظ سياسي بامتياز من ناحية، وملتبس من نواح أخرى، ولضرب الأمثلة قال: «إنه حينما يتنازل تيار سياسي عن بعض أفكاره - عملاً بمبدأ التكتيك - فهذا لا يمكن أن يُسمى تحولاً، كما أن «توفير» خطاب متطرف في لحظة ما، بنيّة استدعائه لاحقاً هو كذلك، بل من العبث وصف هذا الفعل البراجماتي بالتحول، كما أن الانتقال من حال الفعل إلى حال تأجيل الفعل مع احتفاظ الإيمان به، ليس تحولاً أيضاً.
كل ما تقدم هي أفعال مثل الهدنة والتراجع التكتيكي، لا أكثر. إنها اختلافات في الدرجة لا في النوع.
التحول خطوة عملية تأتي بعد عمل عقلي داخل وعي المتحول، يجب أن يتضمن نقداً للنفس ومراجعات داخلية حقيقية، تدفعها الأسئلة والشكوك والرؤى التي تكبر مع العمر والتجارب، وفيها الحوارات المبنية على البراهين والأدلة، وللأسف هذا كله لم يحدث، بل تم نقل عدة ثقافية، مع خفض السقوف اضطرارياً بسبب الأحداث السياسية.
لا ينكر هذا الحديث أن العمليات الإرهابية الكبرى أعادت طرح الأزمة العالمية الكبرى الموسومة بالإرهاب، ولكنها طُرحت - للأسف - في سياق سياسي عالمي، وكان التعاطي الثقافي معها بالقدر الذي يسمح به المسرح السياسي، لذلك فلا تنتظر رد فعل حقيقي في المضمار الثقافي بسبب حدث تم في المجال السياسي، وأكرر هنا بأن أحد أمراضنا العضال أن السياسي يسبق الثقافي، لذلك فالثقافي والفكري في الغالب عندنا محجوزان للتبرير فقط. نعم، حدثت تراجعات منضغطة بالواقع ومستجيبة له، ولكنها كانت في إطار انفعالي، ولكن الأكيد أيضاً أن كثيرين تشكل لديهم التصور لعملية التحول في فترة ما سبقت الحدث السياسي، وكانت فاجعة «سبتمبر» فرصة لإنفاذ ما كان في نفوسهم.
وعلى كل، فهذه المراوحة - أياً كانت - هي ظاهرة صحية وتحريك للمياه الآسنة. وفي سنّة التاريخ، يزعم كثيرون أن تصحيح «الوعي المجتمعي» يحتاج إلى هزات وصدمات، وأن «العقل الضامر» يتجلى في هذه الصدمات، لينفذ عبرها إلى المجتمعات عبر الحراك الذي يثيره فيستجيب الوعي المجتمعي، فحتى لو أن الخطاب كان سياسياً - كما نزعم - فإن الثقافي هو بعض متقطع، فيجب استثماره وتشجيع حركة التحول لتفتيت الجمود الذي يغذي «الإرهاب الأقسى».
الترابي: الحركات الإسلامية «سياسية» بامتياز!
يرى الباحث عمر الترابي أن الحركات الإسلامية حركات سياسية بامتياز، بل إن بعضها اندرج في إطار الممارسة السياسية للحد الذي لا تستطيع أن تفرّق بينه وبين التيارات التي تؤمن بنقيضهم، ذلك أن الأفكار والآيديولوجيات في المجتمعات التي نعايشها أضعف من أن تقاوم الحياة السياسية، فتتحول بطول الأمد إلى أيقونات، ولكن ما يرسم الممارسة هو الواقع في ذاته.
وأضاف: «أنا لا أغبط كثيرين حقهم حينما أقول إن ما يحدث هو حالاتية وليست تحولات، فهم في وقت ما كانوا في حال عداء الغرب، فكفروا الحكومة التي دخلت في تعاقد مع حليف أجنبي لتحرير الكويت مثلاً، وفي وقت آخر كانوا في حال استدعاء للغرب لأن يكون نصيراً لهم ليغيروا الحكومات، إذاً هذه ليست تحولات هذه حالاتية، وهي ليست نحو شيء بل من شيء إلى آخر».
ورأى أن الصحوات الإسلاموية حاولت في التجديد والانفتاح وما إلى هنالك، ولكن حصيلتها كما يقال لم تكن إلا «مبنية على منطق المقاربات، ولذلك لا تكون إلا توفيقية وانتقائية وتلفيقية»، وأشار إلى أن ما حدث هو تفريغ الأصل من مضمونه، ومنح العاملين «الإسلاميين» أحقية رسم العباءة الجديدة والفضفاضة التي تتسع حتى للمتناقضات، وأكرر بكل أسى أن هذه استجابات لقضايا سياسية، فالانتقال من جعل الأقباط أهل ذمة في مصر إلى جعلهم شركاء في الوطن على حد تعبير حسام تمام لم يأخذ أكثر من يومين بلا نقاشات! ولكنه كان استجابة للواقع السياسي.
وقال: «هناك خطاب تجديدي بطيء يعترف بالمعطيات الأولية الدينية، ويتعاطى معها وفقًا لمعايير وضوابط صارمة، وعملية التجديد فيه ليست استجابة بقدر ما هي نابعة من حوارات جادة. وهم أبعد ما يكونون عن السياسة، هؤلاء حصنوا أنفسهم من الانتهازية، أما ما عداهم فإن الانتهازية هي أحد ضرورات بقائهم، لأنهم ببساطة حركة سياسية، وهذه ليست سبة، ولكنها منبثقة عن تعريف علم السياسة التي يرتكبونها باسم المقدس».
بينما أكّد الضحيان أن الانتهازية تكون في السعي وراء مغنم، وأي مغنم في مجتمعنا يناله من يتحول خطابه إلى الانفتاح والتجديد مع بقائه ضمن الثوابت الدينية؟ لا يملك المراقب المحايد إلا أن يحكم على هذا التحول بالمجازفة والقفز في المجهول، هل يستطيع أي متبنٍ للخطاب المدني الإسلامي أن يعبر عن أفكاره بكل حرية في أي منبر من منابر التعبير الرسمية: مساجد وجامعات ونوادٍ أدبية وجمعيات ثقافية لدينا؟
كل ما يطرح في تلك المنابر من أطروحات عن الاعتدال والوسطية وما إليها يظل في حيز الكلام العام، النافذة الوحيدة التي يمكن للخطاب المدني الإسلامي أن يصل للجمهور من خلالها هي وسائل الإعلام المرئية والإنترنت، ووسائل الإعلام المرئية محكومة بأجندات أصحابها، والإنترنت يظل ثانوياً في هذا المجال.
وعن الدوافع وراء هذه التحولات التي طرأت على حراك الإسلاميين، ذكر الكاتب السماري أن وجود المؤسسات الدينية الرسمية وعلاقتها بالدولة يعطي دائماً المساحة لظهور تيار حركي أو معارض باستمرار، فتلك المؤسسات محملة بموروث تغيب فيه النظرية السياسية وتتعامل مع واقع يلغي إمكان تشكيلها، إذ يبقى هذا التيار مشغولاً فقط بسلوكيات الأفراد. المستجد في حال ما بعد التسعينات هو تجاوز التفكير حول قضايا الأمة بنفس إصلاحي يحيل المشكلات إلى البعد عن الدين، إلى تشكيل رؤية سياسية للإصلاح.
وانتقد التيار المسمى لاحقاً بالتنويري الإسلامي، واعتبره وصف عملي باعتبار أنه يمارس السياسة بغطاء حقوقي، إذ يغلب عليه الانتصار لحقوق فئات من دون أخرى. إضافة إلى أنه لا يقدم معياراً متسقاً، فهو يبحث دوماً عن تأييد الصحوة عبر تأصيله الشرعي وتأكيده للأرضية الإسلامية لخطابه المدني، وإغفاله للجوانب الاجتماعية ومتطلبات تلك القيم المدنية التي تتعارض مع الفكر الصحوي.
ورأى أن الصحوات الإسلاموية حاولت في التجديد والانفتاح وما إلى هنالك، ولكن حصيلتها كما يقال لم تكن إلا «مبنية على منطق المقاربات، ولذلك لا تكون إلا توفيقية وانتقائية وتلفيقية»، وأشار إلى أن ما حدث هو تفريغ الأصل من مضمونه، ومنح العاملين «الإسلاميين» أحقية رسم العباءة الجديدة والفضفاضة التي تتسع حتى للمتناقضات، وأكرر بكل أسى أن هذه استجابات لقضايا سياسية، فالانتقال من جعل الأقباط أهل ذمة في مصر إلى جعلهم شركاء في الوطن على حد تعبير حسام تمام لم يأخذ أكثر من يومين بلا نقاشات! ولكنه كان استجابة للواقع السياسي.
وقال: «هناك خطاب تجديدي بطيء يعترف بالمعطيات الأولية الدينية، ويتعاطى معها وفقًا لمعايير وضوابط صارمة، وعملية التجديد فيه ليست استجابة بقدر ما هي نابعة من حوارات جادة. وهم أبعد ما يكونون عن السياسة، هؤلاء حصنوا أنفسهم من الانتهازية، أما ما عداهم فإن الانتهازية هي أحد ضرورات بقائهم، لأنهم ببساطة حركة سياسية، وهذه ليست سبة، ولكنها منبثقة عن تعريف علم السياسة التي يرتكبونها باسم المقدس».
بينما أكّد الضحيان أن الانتهازية تكون في السعي وراء مغنم، وأي مغنم في مجتمعنا يناله من يتحول خطابه إلى الانفتاح والتجديد مع بقائه ضمن الثوابت الدينية؟ لا يملك المراقب المحايد إلا أن يحكم على هذا التحول بالمجازفة والقفز في المجهول، هل يستطيع أي متبنٍ للخطاب المدني الإسلامي أن يعبر عن أفكاره بكل حرية في أي منبر من منابر التعبير الرسمية: مساجد وجامعات ونوادٍ أدبية وجمعيات ثقافية لدينا؟
كل ما يطرح في تلك المنابر من أطروحات عن الاعتدال والوسطية وما إليها يظل في حيز الكلام العام، النافذة الوحيدة التي يمكن للخطاب المدني الإسلامي أن يصل للجمهور من خلالها هي وسائل الإعلام المرئية والإنترنت، ووسائل الإعلام المرئية محكومة بأجندات أصحابها، والإنترنت يظل ثانوياً في هذا المجال.
وعن الدوافع وراء هذه التحولات التي طرأت على حراك الإسلاميين، ذكر الكاتب السماري أن وجود المؤسسات الدينية الرسمية وعلاقتها بالدولة يعطي دائماً المساحة لظهور تيار حركي أو معارض باستمرار، فتلك المؤسسات محملة بموروث تغيب فيه النظرية السياسية وتتعامل مع واقع يلغي إمكان تشكيلها، إذ يبقى هذا التيار مشغولاً فقط بسلوكيات الأفراد. المستجد في حال ما بعد التسعينات هو تجاوز التفكير حول قضايا الأمة بنفس إصلاحي يحيل المشكلات إلى البعد عن الدين، إلى تشكيل رؤية سياسية للإصلاح.
وانتقد التيار المسمى لاحقاً بالتنويري الإسلامي، واعتبره وصف عملي باعتبار أنه يمارس السياسة بغطاء حقوقي، إذ يغلب عليه الانتصار لحقوق فئات من دون أخرى. إضافة إلى أنه لا يقدم معياراً متسقاً، فهو يبحث دوماً عن تأييد الصحوة عبر تأصيله الشرعي وتأكيده للأرضية الإسلامية لخطابه المدني، وإغفاله للجوانب الاجتماعية ومتطلبات تلك القيم المدنية التي تتعارض مع الفكر الصحوي.
الروابط :
تعليقات
إرسال تعليق