التخطي إلى المحتوى الرئيسي

يوتيوب السعودية.. وخطوط التماس الليبرالي




برامج اليوتيوب في السعودية تتوسع في نوعية ودرجة أطروحاتها بما يمنحها المزيد من الجسارة والقوة في تناول الخطوط الحمراء .

العرب : عمر علي البدوي [نُشر في 05/11/2013، العدد: 9370، ص(19)]

يبدو أن مجموعة البرامج التي يبثها السعوديون على يوتيوب شبّت عن الطوق، وخرجت عن إطار الاتفاق الاجتماعي في ظل مجتمع شديد المحافظة.
وعندما وجدت بعض القطاعات الفكرية والاجتماعية الطريق سهلا لاستخدام وسائل الاتصال والإعلام الجديد بدأت في التعبير عن قناعات وأفكار جديدة منفتحة وكشفت عن جانب آخر من ثقافة المجتمع ظل لعقود طويلة مختبئا بشكل مقصود أو غير مقصود.

واجهت بعض برامج اليوتيوب التي صدرت عن مجموعات شبابية مختلفة تهمة إشاعة بعض صور الليبرالية والانفلات الأخلاقي ومصادمة القيم المحلية مما دفع واحدة من أشهر شركات إنتاج برامج اليوتيوب إلى التلميح المستمر بالبراءة.

لم تقدم بعض برامج يوتيوب الشهيرة سوى محاولة التعبير عن طيف اجتماعي مُبعد من المشهد بفعل تزمت بعض المنابر ومحايثتها لغلبة طيف اجتماعي آخر أراد قسرا صبغ الواقع الاجتماعي على منواله وإزاحة التعدد.

وظهر عبر برامج اليوتيوب وكأن بعض قطاعات المجتمع تتقبل شكلا من التصوف الديني الصافي وتتسامح في بعض الجوانب المتصلة بالمرأة وتناصر حقوقها المشروعة، فضلا عن تجاوز بعض الأفكار التقليدية المتصلبة تجاه التدين والعمل المختلط ونقد الأداء الحكومي.

لم تكن الجرأة وقفا على تجاوز بعض المحاذير الاجتماعية، بل قدمت بعض البرامج والأطروحات نقدا عميقا لإشكالات النخب عبر برنامج كرتوني تناول معاني عميقة اشتغل عليها كتاب ومحررون فنيون عبر ورش عمل مكثفة، فضلا عن النقد الصريح والمباشر لأداء بعض وزراء الحكومة والمشاريع المتعثرة ومناقشة بعض جوانب الفساد والتخبط الإداري والتباطؤ في تنفيذ خطط التنمية والنهضة الوطنية.

جاءت بعض البرامج للتعبير عن طبيعة القائمين عليها من منطقة الحجاز المعروفة تاريخيا بانفتاحها وتسامحها وانسجامها مع الحالة التعددية الاجتماعية وقبول الآراء المختلفة، وتجسد هذا جليّا في بعض برامج اليوتيوب التي ساهمت في تمثيل الهوية الحجازية بكل حمولاتها الاجتماعية والثقافية المرنة، وكانت درجة انتشار هذه البرامج عاملا في نشر الثقافة التي تحملها والطبيعة التي كانت غائبة عن المنابر التقليدية. إلى جانب الطبيعة الحجازية التي تركت أثرا في بعض البرامج، جاءت بعض البرامج في وسط اجتماعي يغلب عليه الانغلاق والحساسية الشديدة تجاه الأفكار المغايرة ولكنها جاهرت ببعض آرائها الجريئة والمنفتحة كنتيجة مباشرة للقائمين عليها، كشباب مثقف ومحيط بالثقافة الغربية عبر برامج الابتعاث الحكومي أو العيش لفترات ليست بالقصيرة في دول أوروبا والاحتكاك المباشر بثقافات الحضارات الإنسانية المتعددة.

كانت الجرأة في الطرح مغرية أحيانا إلى الحد الذي دفع بواحد من البرامج حديثة الصدور إلى التعبير صراحة عن مواضيع ذات حساسية عالية مثل التعليم المختلط وقيادة المرأة للسيارة بطريقة غير مسبوقة مما أثار امتعاض بعض المشاهدين والتأثير على درجة قبول البرنامج لما اعتبر محاولة للإغراء بالعنصر النسائي، وتقديم مشاهد غير لائقة أخلاقيا لمجرد تحقيق نسبة عالية من المشاهدات.

برامج اليوتيوب في السعودية لا تحمل خطابا تقليديا على الإطلاق، وهي تتوسع في نوعية ودرجة أطروحاتها بما يمنحها المزيد من الجسارة والقوة في تناول الخطوط الحمراء وتجاوز المحاذير التقليدية، وهي تعبر في جانب من الأمر على حاجة المجتمع لفرص جديدة للتعبير عـــن رغبــاته ومكوناته.

وهي كما تكشف في جانب منها درجة الانفتاح والتسامح على خلاف ما يشاع من عمق الخصوصية المحافظة في تركيبة السعوديين، فإنها تعبر عن مستوى من النضج الذي يملكه الجيل الجديد من السعوديين الشباب إلى الدرجة التي جعلت مواضيع مثل الطاقة البديلة والأراضي البيضاء والبطالة مطروحة بقوة في هذه البرامج.

لقد تطورت صناعة برامج اليوتيوب ذات الطبيعة الكوميدية إلى مستوى أكثر احتكاكا بالشارع عبر ملتقيات الضحك الجماعي وعروض الكوميديا الارتجالية وما يعرف بـ«الاستاند آب»، وهي لقاءات جماهيرية لكلا الجنسين يستخدم فيها المقدمون ظواهر اجتماعية في قالب كوميدي ساخر مما يزيد من درجة تأثير هذه اللغة الجديدة ودفع عجلة التغيير في الذهنية الاجتماعية والثقافية.

ستترك مثل هذه البرامج أثرها ولو بعد حين، ومع تسجيل السعودية عالميا لنسب عالية في مستويات المشاهدة على اليوتيوب فإن هذه البرامج تملك القدرة على التأثير، كما تعبر شعبيتها المتزايدة عن رغبة المجتمع في الاستماع إلى خطاب جديد يحمل ملامح مرحلة اجتماعية جديدة.


الرابط : http://www.alarab.co.uk/?id=7681



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...