نقد الأداء الحكومي لا تستغني عنه الأمم والدول الصادقة والجادة لرسم مستقبلها واحترام ذواتها، ويجب أن تعطى له الفرصة والمساحة الكافية ولكن ما زاد عن حد المعقول جاء بغير المأمول.
العربعمر علي البدوي [نشر في 2014\01\04]
يواجه وزير العمل السعودي، عادل فقيه، حملة نقد منظمة تقترب إلى التشويش، فهو ما إن يعلن عن برنامج أو خطوة من شأنها أن تساعد على رفع فاعلية المرأة وتطوير دورها المجتمعي وتوظيف طاقاتها كعنصر فاعل وعامل في الدولة، حتى تشتعل حرب شعواء عليه وعلى وزارته وتكال له قوائم تطول من الشتم والتخوين والتشكيك في درجة تقديره للثوابت والقيم وخصوصية المجتمع.
بلغ الحال إلى زيارات متواصلة يقوم بها جماعات من رجال الدين إلى مكتبه في الوزارة ومحاولة ثنيه عن بعض القرارات التي تمس أوضاع المرأة العاملة في السوق السعودية، يفتح الوزير فقيه النقاش معهم وتكال له عرائض النقد والتقريع، وربما وصل الأمر إلى التهديد بالدعاء عليه ورميه بسهام الليل التي لا تردّ وإرادة الشر له والفتك به كما حصل مع الوزير السابق، حسب تصريح أحدهم. هذا النقد الحاد والممانعة القاسية التي يواجهها وزير العمل لا تقتصر على طيف الإسلاميين، بل ربما فتح النار عليه جماعة مما يمكن تسميتهم بالليبراليين ومطالبته بمزيد من الجرأة والإصرار على فتح نوافذ لاحتواء المرأة وتشغليها لتحقيق المساواة العادلة التي تليق بها في ميزان المجتمع، جاء ذلك في مقالة لأحد أشهر الكتاب الصحافيين في بادرة لا تحدث عادة ممّن عرف بلطفه الكبير مع قيادات الدولة.
يبدو أن الفرص الضيّقة للنقد تحمّل أصحاب الوزارات الخدمية أعباء مضاعفة من النقد وتجعلهم لقمة سائغة للملاحقة الصحفية وهدفاً سهلاً للتيارات المتناحرة على منصات الإعلام الافتراضي، وهذا يشل حركة التنمية ويجعل المشاريع الملحة عرضة للتنازلات والمناورات التي تؤجل لاسترضاء أطراف معينة ومجاملة أخرى.
بمجرد إعلان اسم الأمير، خالد الفيصل، وزيراً للتربية والتعليم حتى تقافزت المخاوف التقليدية من تأثير ذلك على المعركة المحتدمة منذ عقد على المناهج وتسميم التعليم بالتغريب والأفكار الأجنبية، ويبدو أن مقعد التربية والتعليم سيصبح رهناً بأسماء قوية من طيف ما لتخفيف حدة النقد وسطوة الهجوم اللاذع، إذ تحتاج هذه الوزارة إلى ترتيب بيتها الداخلي بكثير من الجرأة والجسارة وقليل من التشويش وتعكير الأجواء.
والأمير خالد الفيصل صاحب تجربة إدارية مشهود لها بالنجاح على مستوى إمارات المناطق، وهو الآن بصدد إدارة جديدة من نمط مختلف، تدور حولها الاختلافات أكثر من استقرار الاتفاق على طبيعة عملها ومضامينها، وينتظر الأمير الوزير كتلة صلبة من الإشكالات الإدارية والمضامين الموضوعية في واحدة من أكثر الوزارات حساسية لاسيما وقد حصلت على أكبر حصص الميزانية الأخيرة للمملكة.
الأمير الوزير يثير حفيظة بعض الإسلاميين على خلفية قيادته لمؤسسة الفكر العربي التي تقود مشروع التنوير والتبصير العربي، وتجربته مع جريدة “الوطن السعودية” التي أنتجت مرحلة من الجرأة في نقد المكوّن الديني خلال العقد المنصرم، وبالتزامن مع موجة الإرهاب العالمي والمحلي بدءاً من أحداث الحادي عشر من سبتمبر ونهاية بموقع جهاز الهيئة الدينية من مستقبل البلاد وما بينهما من جهود تفكيك الخطاب المتشدّد والفكر المنغلق من بنى الذهنية السعودية. مستقبل مثقل بالاحتمالات والغموض ينتظر هذه الوزارة المثيرة للجدل وسط موجة من النقد الاستباقي والمؤجل.
وبالعودة إلى تاريخ نقد الحقائب الوزارية السعودية من أطياف الإسلاميين، نقف على جزء لا يمكن طيّه أو تجاهله من التاريخ السعودي الحديث، وهي تجربة الوزير المتفق على كفاءته والمختلف على توجهاته في حسابات بعض الأطياف الفكرية السعودية، إذ جوبه بحملة من النقد الحاد والغضب الأيديولوجي المسعور يزيد أوارها مع كل حدث محلي أو إقليمي جعلته في عين العاصفة. وبتوديع الوزير متعدد الكراسي، غاز القصيبي، للدنيا انكشف الحال عن رجل وطني مخلص كان يذهب بجميع الوزارات التي تقلدها إلى خدمة الوطن ومصلحة المواطن، ولكن النقد الحادّ الذي مورس في وجه الوزير وخطواته الجريئة، كان ينسف قيم التفاهم والحوار ويعطل ملفات الإصلاح والتنمية لاسترضاء بعض المشاغبين.
الحال نفسه عندما تستعرض تجربة وزير المعارف الأسبق، محمد الرشيد، الذي غادر هذه الدنيا قبل أسابيع وهو محمّل بالحسرة على كل الخطوات التي كان ينوي القيام بها لتطوير التعليم، ورفع كفاءة المعلم والطالب، وتمتين مضامين المناهج المحلية بما يزيد تأثيرها الإيجابي ويخفف من حمولة الفكر المتشدد والمنغلق من أعماقها. ولكن النقد الحاد الذي يصرف النظر عن قيم التغيير إلى توجّسات لا مبرر لها، ذهب بكل تلك الخطوات في مهب الرياح وفي طيّ التجاهل والإهمال والتغاضي من أجل خاطر طيف من المتوترين.
الجهد المصروف في النقد يذهب لإرواء غليل المخاوف غير المبررة والتوجس من نوايا التغريب في عمل بعض الوزراء وثقافتهم، وهو ما يفسر “تقريباً” مستوى الهجوم المبالغ فيه تجاه وزير الإعلام السعودي عبدالعزيز خوجة، ولو ذهب جزء منه في ملاحقة الفساد المستشري ربما أنتج أثراً حقيقياً وإيجابياً وأخرج جبهة تجمع الدولة والمجتمع لمواجهة هذا الخطر الداهم، ولكن المخاوف الحزبية ومناكفات التيارات المتوهمة، ألهبت صراعات النقد الأجوف.
نقد الأداء الحكومي لا تستغني عنه الأمم والدول الصادقة والجادة، لرسم مستقبلها واحترام ذواتها، ويجب أن تعطى له الفرصة والمساحة الكافية، ولكن ما زاد عن حد المعقول جاء بغير المأمول، كما أن نقد مشاريع التنمية الوطنية والتطوير التقني والتنظيم الحكومي بأدوات متوجسة ومتوترة لا تنتج عملاً نقدياً جاداً قبل أن يتخلص من معاول التشكيك والتخوين التي تهدم أكثر مما تبني وتدفع بالسلم المجتمعي وعجلة التنمية إلى مهاوي الاحتراب والحدية والمفاصلة والتعطيل.
كما أن الطيف السياسي مطالب بفتح قنوات للتعبير السلمي، وإعطاء الأطياف المتعقلة ممّن تمارس النقد الجاد والموضوعي، الأمان وتخفيف التوجس الحكومي ومتاركة الأدوات الأمنية في التعامل مع بعض الخطابات الصادقة والهادئة والتسامح معها، بما يكفي لخلق بيئة وطنية مثمرة ومظلة تحتوي الجميع وتدمج التيارات المشاغبة وتكسّر أنيابها البارزة.
كاتب صحفي سعودي
الرابط : http://alarab.co.uk/m/?id=12017
تعليقات
إرسال تعليق