جدة – عمر البدوي
الجمعة ٣ يناير ٢٠١٤
الممانعون للاحتفال برأس السنة أو تهنئة غير المسلمين ينطلقون من فتاوى لعلماء سابقين، والمبيحون يأخذون فتاوى لعلماء حاليين، ويبدو أن الجهود التي بذلتها الحكومات والمنظمات الدولية لإرساء قواعد الحوار بين الحضارات والديانات لم تخفّف من حدة التوتر والمفاصلة بين أتباعها.
تأخذ الفتاوى الصادرة بهذا الخصوص أبعاداً مختلفة تتأثر بالواقع الاجتماعي الذي يحيط بالعالم المستفتى، وحجم حضور أصحاب الديانات المغايرة في بلده ومجتمعه، وربما هذا يفسر محافظة المدرسة السلفية على موقفها التقليدي من تهنئة «الكفار» بأعيادهم، وتحريم ذلك، وإحياء فتاوى الرموز السلفية والحنبلية المعاصرة.
من تلك الفتاوى إجابة العالم الراحل محمد بن صالح ابن عثيمين إذ يقول: « تهنئة الكفار بعيد الـ«كريسميس» أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق، كما نقل ذلك ابن القيّم في كتابه أحكام أهل الذمة، إذ قال: وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يُهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنئ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلِمَ قائله من الكفر فهو من المحرّمات، وهو بمنزلة أن تُهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله وأشدّ مَقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه.
وكثير ممن لا قدر للدِّين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنّأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفْرٍ فقد تعرّض لِمقت الله وسخطه». وأضاف ابن عثيمين: «وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حراماً وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم لأن فيها إقراراً لما هم عليه من شعائر الكفر، ورِضى به لهم، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه، لكن يَحرم على المسلم أن يَرضى بشعائر الكفر أو يُهنئ بها غيره لأن الله تعالى لا يرضى بذلك، كما قال تعالى: (إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ). وقال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)، وتهنئتهم بذلك حرام سواء أكانوا مشاركين للشخص في العمل أم في غيره.
وقال: «إذا هنئونا بأعيادهم فإننا لا نُجيبهم على ذلك لأنها ليست بأعياد لنا، ولأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى، ولأنها أعياد مبتدعة في دينهم. وخلص إلى أن «مَنْ فَعَل شيئاً من ذلك فهو آثم سواء فَعَلَه مُجاملة أم تَودّداً أم حياء أو لغير ذلك من الأسباب، لأنه من المُداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بِدينهم».
بينما أجاب نائب الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور عبدالله بن بيه بالقول إن مسائل التهاني لغير المسلمين اختلف فيها الناس، وهناك من يرى جوازها، وأيدها الشيخ ابن تيمية في رسائله، وهي للمصلحة، وعلى هذا الأساس تكون التهنئة للمسيحيين جائزة، وهي من المسائل المختلف حولها والتي ينبغي ألا تثير التباغض والتدابر بين الناس.
ورأى ابن بيه أن المصلحة تكمن الآن في التحالف مع الذين يحكمون قيم الوئام والسلام وترك الخصومة، فالمطلوب الآن إنقاذ البشرية من ويلات الحروب.
ونوّه إلى أن بعض الناس يقدر مصلحة قد لا يقدرها الآخر، فبعضهم لا يرى ما يمنع التهنئة بناء على انعدام الأدلة، وينادي باتساع الصدور، ومشكلتنا في العالم الإسلامي عدم اتساع الصدور للمسائل الخلافية. وأضاف: «نحن ننصح أن يتعلم الناس الاختلاف وأسباب الاختلاف، وهناك أسباب كثيرة منها ثبوت النص ومعقول النص ودلالة النص».
واستدل الدكتور ابن بيه في دفوعاته بتزكية الرسول صلى الله عليه وسلم لحلف الفضول، وهو حلف عقد في الجاهلية قال عنه الرسول «لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفاً لو دعيت إليه في الإسلام لأجبت. تحالفوا أن ترد الفضول على أهلها، وألا يعز ظالم مظلوماً».
ولفت إلى أن «أغلب المفسرين فسروا آية (وتعاونوا على البر والتقوى) بأنها ليست مقتصرة على المسلمين فقط، متكئين على ما قبلها (لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)، وعلينا كمسلمين أن نستوعب هذه المعاني من دون أن نقدم أي تنازل عن ديننا. ولا يعتبر ابن بيه من أقدم على تهنئة المسيحيين متنازلاً عن دينه».
ويقترب هذا مما أقرّه المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، ولم ير مانعاً من أن يهنئهم الفرد المسلم أو المركز الإسلامي بهذه المناسبة، مشافهة أو بالبطاقات التي لا تشتمل على شعار أو عبارات دينية تتعارض مع مبادئ الإسلام مثل الصليب، فإن الإسلام ينفي فكرة الصليب ذاتها «وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم».
ورأى المجلس أن الكلمات المعتادة للتهنئة في مثل هذه المناسبات لا تشتمل على أي إقرار لهم على دينهم أو رضى بذلك، إنما هي كلمات مجاملة تعارفها الناس.
وأضاف: «ولا مانع من قبول الهدايا منهم ومكافأتهم عليها، فقد قبل النبي – صلى الله عليه وسلم- هدايا غير المسلمين مثل المقوقس عظيم القبط بمصر وغيره، شرط ألا تكون هذه الهدايا مما يحرم على المسلم كالخمر ولحم الخنزير».
ونوّه المجلس بقوله: «ولا ننسى أن نذكر هنا أن بعض الفقهاء مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم شددوا في مسألة أعياد المشركين وأهل الكتاب والمشاركة فيها، ونحن معهم في مقاومة احتفال المسلمين بأعياد المشركين وأهل الكتاب الدينية، كما نرى بعض المسلمين الغافلين يحتفلون بـ«الكريسميس»، كما يحتفلون بعيدي الفطر والأضحى وربما أكثر، وهذا ما لا يجوز، فنحن لنا أعيادنا، وهم لهم أعيادهم، ولكن لا نرى بأساً من تهنئة القوم بأعيادهم لمن كان بينه وبينهم صلة قرابة أو جوار أو زمالة، أو غير ذلك من العلاقات الاجتماعية التي تقتضي حسن الصلة، ولطف المعاشرة التي يقرها العرف السليم».
وأكد المجلس أن الأعياد الوطنية والاجتماعية مثل عيد الاستقلال أو الوحدة أو الطفولة والأمومة ونحو ذلك ليس هناك أي حرج على المسلم أن يهنئ بها، بل يشارك فيها باعتباره مواطناً في هذه الديار على أن يجتنب المحرمات التي تقع في تلك المناسبات.
وعلى صعيد التفاعلات الحديثة بخصوص هذه القضية، ومع حلول العام الميلادي الجديد استمر الجدل بالوتيرة نفسها، وكشف الواقع عن آراء بدأت تتسم بشيء من الواقعية والليونة تجاه الموقف من تهنئة غير المسلمين والتعامل معهم، بينما حافظت بعض الرموز على ثباتها القديم، إذ ذكّر الداعية محمد العريفي متابعيه على موقع «تويتر» بعدم جواز الاحتفال برأس السنة الميلادية، لكنه أباح قبول هدية الكافر في هذه المناسبة، كما أباح تقديم الهدايا له. وقال العريفي في تغريدة له: «شجرة عيد الميلاد تخصّ الـ«كريسميس» العيد الديني للنصارى وهي رمز ديني كرمزية الصليب، لها قصة بعقيدتهم، لا يجوز تعظيمها وصنعها». كما قال في تغريدة أخرى: «إذا هنأك كافر بعيده فابتسم ورد رداً عاماً: شكراً، أتمنى لك السعادة، وما شابهها مع العلم أن عيد رأس السنة أخفّ من عيد ميلاد المسيح». وميّز العريفي بين الأمرين بقوله «إن رأس السنة أخفّ لأنها مناسبة ذات طابع اجتماعي، بينما يرمز «الكريسميس» لمناسبة دينية تتناقض مع عقيدة التوحيد.
الغامدي: التهنئة بالأعياد الدينية لا تجوز.. أما الاجتماعية والوطنية فلا حرج
أكد الباحث الشرعي والرئيس السابق لهيئة الأمر بالمعروف بمنطقة مكة المكرمة الدكتور أحمد بن قاسم الغامدي أن تهنئة المسالم من الكفار بأعيادهم محل اجتهاد واختلاف بين الفقهاء. وذكر الغامدي في حديثه إلى «الحياة» أن من العلماء من حرّم ذلك مطلقاً، ومنهم من قصر التحريم على الأعياد الدينية فقط لما في ذلك من إقرارهم على شعائر دينهم وهو باطل، ومنهم أجاز التهنئة مطلقاً على ألا يكون في ذلك رضى بعقيدة كفرية، أو يكون بألفاظ تخل بعقيدة الإسلام.
وأشار إلى أن من أجاز التهنئة رأى ذلك من الإحسان المأمور به مع الناس جميعاً، عملاً بقوله تعالى: (وقولوا للناس حسناً) وقوله: (إِن الله يأمر بالعدل والإحسان) وقوله: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)، ولأن رسول الله كان يقبل الهدايا من غير المسلمين، فأهدى له المقوقس وكسرى وقيصر وقبل منهم، وبأنه لا يوجد دليل يحرم تهنئة غير المسلم بأعياده، وأن الأصل في الأمور الإباحة ما لم يرد نص بالتحريم.
وأضاف: «كان رسول الله يعامل اليهود بالمدينة، وزار جاراً يهودياً له في مرضه، وقام لجنازة يهودي حينما مرت به، ويدل هذا على أن مواساتهم وتبادل التهنئة معهم في الأعياد لا حرج فيه، فضلاً عن أن يكون مع ذلك جوار أو صلة قرابة أو مواطنة تتأكد معها حسن المعاملة، وبأن الله لم يستثن في قوله تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها)».
وتابع: «هذا فضلاً عن الذين يعيشون في ديارهم، ويعايشون أهلهم من غير المسلمين، وتنعقد بينهم وبين كثير منهم روابط تفرضها الحياة، مثل الجوار والرفقة في العمل والدراسة، وجوانب من الفضل قد يشعر بها المسلم من غير المسلم في ظروف معينة، كما أن الإنسان يأسره اللطف والإحسان».
ولفت إلى أن الله فرّق بين المسالم والمحارب، وشرع الإقساط إليه والإحسان أي العدل وبرّه، وهو فوق العدل، وهي الكلمة جاءت في أعظم حق على الإنسان بعد حق الله تعالى، وهو برّ الوالدين.
وأضاف أن أسماء بنت أبي بكر جاءت إلى النبي فقالت: «يا رسول الله، إن أمي قدمت عليّ وهي مشركة، وهي راغبة - أي في صلتها والإهداء إليها - أفأصلها؟ قال: صلي أمك».
واستشهد بأن الله أجاز ذبائحهم ومصاهرتهم بقوله تعالى: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم، والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم)، ومن لوازم هذه المصاهرة المخالطة والأمومة والمودة بين الزوجين، قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة). وأوضح أن هذا يتأكد علينا طالما أردنا دعوتهم إلى الإسلام وتقريبهم إليه وتحبيبهم فيه، وهذا لا يتأتى بالتباعد بل بحسن التواصل.
وخلص إلى أن «المرجح تهنئتهم بأعيادهم الدينية لا تجوز، لما فيه من شعائر تعزز بقاءهم على الباطل. أما تهنئتهم بأعيادهم الوطنية والاجتماعية مثل عيد الاستقلال أو الوحدة أو الطفولة أو الأمومة ونحو ذلك، فلا حرج فيه على المسلم أن يهنئ بها ويشارك فيها، باعتباره مواطناً أو مقيماً في تلك الديار، على أن يجتنب ما حرم الله فيها».
الروابط :
http://alhayat.com/Details/588889#null
http://alhayat.com/Details/588892
وأشار إلى أن من أجاز التهنئة رأى ذلك من الإحسان المأمور به مع الناس جميعاً، عملاً بقوله تعالى: (وقولوا للناس حسناً) وقوله: (إِن الله يأمر بالعدل والإحسان) وقوله: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)، ولأن رسول الله كان يقبل الهدايا من غير المسلمين، فأهدى له المقوقس وكسرى وقيصر وقبل منهم، وبأنه لا يوجد دليل يحرم تهنئة غير المسلم بأعياده، وأن الأصل في الأمور الإباحة ما لم يرد نص بالتحريم.
وأضاف: «كان رسول الله يعامل اليهود بالمدينة، وزار جاراً يهودياً له في مرضه، وقام لجنازة يهودي حينما مرت به، ويدل هذا على أن مواساتهم وتبادل التهنئة معهم في الأعياد لا حرج فيه، فضلاً عن أن يكون مع ذلك جوار أو صلة قرابة أو مواطنة تتأكد معها حسن المعاملة، وبأن الله لم يستثن في قوله تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها)».
وتابع: «هذا فضلاً عن الذين يعيشون في ديارهم، ويعايشون أهلهم من غير المسلمين، وتنعقد بينهم وبين كثير منهم روابط تفرضها الحياة، مثل الجوار والرفقة في العمل والدراسة، وجوانب من الفضل قد يشعر بها المسلم من غير المسلم في ظروف معينة، كما أن الإنسان يأسره اللطف والإحسان».
ولفت إلى أن الله فرّق بين المسالم والمحارب، وشرع الإقساط إليه والإحسان أي العدل وبرّه، وهو فوق العدل، وهي الكلمة جاءت في أعظم حق على الإنسان بعد حق الله تعالى، وهو برّ الوالدين.
وأضاف أن أسماء بنت أبي بكر جاءت إلى النبي فقالت: «يا رسول الله، إن أمي قدمت عليّ وهي مشركة، وهي راغبة - أي في صلتها والإهداء إليها - أفأصلها؟ قال: صلي أمك».
واستشهد بأن الله أجاز ذبائحهم ومصاهرتهم بقوله تعالى: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم، والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم)، ومن لوازم هذه المصاهرة المخالطة والأمومة والمودة بين الزوجين، قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة). وأوضح أن هذا يتأكد علينا طالما أردنا دعوتهم إلى الإسلام وتقريبهم إليه وتحبيبهم فيه، وهذا لا يتأتى بالتباعد بل بحسن التواصل.
وخلص إلى أن «المرجح تهنئتهم بأعيادهم الدينية لا تجوز، لما فيه من شعائر تعزز بقاءهم على الباطل. أما تهنئتهم بأعيادهم الوطنية والاجتماعية مثل عيد الاستقلال أو الوحدة أو الطفولة أو الأمومة ونحو ذلك، فلا حرج فيه على المسلم أن يهنئ بها ويشارك فيها، باعتباره مواطناً أو مقيماً في تلك الديار، على أن يجتنب ما حرم الله فيها».
الروابط :
http://alhayat.com/Details/588889#null
http://alhayat.com/Details/588892
تعليقات
إرسال تعليق