التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ضجيج الأصابع





في حارة القهر، وبالتحديد في جانبها الأيمن وعلى رابية ترابية تنتصب مقاعد الحبال التي يجلس عليها شباب الحارة منذ عشرات السنين كتقليد اجتماعي ضارب في القدم، رغم تناوب السنين وتعاقب الأجيال بقيت هذه (التكوة) حية تحتضن أحاديث الشباب وتشاركهم المطعم والمغنم.
كثيراً ما يبرمون من المواثيق ويضجون بالأحاديث ويتسلّون بقصص مغامراتهم المتواضعة، كثيراً ما تجادل اثنان إلى درجة التشابك بالأيدي، ناهيك عن المناقشات الرياضية والاجتماعية والسياسية، حتى غدت مسرحاً للبطولات والفتوّات ومصدراً موثوقاً للمعلومات والأخبار والبيانات.
اليوم تغيب الجلسة في صمت مطبق، على الرغم من حضور كافة أعضائها من الجيل الجديد، ولكنهم محجمون عن الكلام، ليس لأن مكافآت حافز استثنتهم لصغر سنهم، وهزائم منتخب بلادهم المتكررة لا تتدخل من قريب أو بعيد في ذلك.
ولكنهم مستغرقون في أجهزة البلاك بيري التي تضج نغمات رسائلها مثل سرب طيور متيقظ عند مطلع الصباح، أصبح مجلسهم مثل صالة العزاء إذ تجدهم منكسي رؤوسهم، يلتهمون التحديثات الجديدة ويتبادلون الرسائل الجماعية مع أصدقائهم الافتراضيين.
للوهلة الأولى تظن أن خبراً صاعقاً نزل بساحتهم، أو شللاً ضارباً عقد ألسنتهم وأطبق أفواههم بينما يفركون بأصابعهم أزرار الجوال، بعضهم أصبح ماهراً في سرعة الكتابة والتنقل بخفة ورشاقة بين الحروف والأرقام والرموز تماماً كما كان رشيق الكلام عذب الحديث مقدماً في (الجلسة) قبل حلول لعنة الصمت التكنولوجية.
وحسب ويكبيديا: «اللسان هو عضو عضلي موجود داخل الفم، يرتبط بالفك عبر سبع عشرة عضلة تؤمن له حركته وعمله، ويغلف سطح اللسان غشاء مخاطي تغطيه آلاف الحليمات الصغيرة التي تحتوي في أطرافها على نهايات عصبية بمثابة حاسة التذوق، ويكون سطحه مبللاً باللعاب مما يبقيه رطباً.
نَسَبَ القدماء النطق إلى هذا العضو بصفة خاصَّة، فهو مرن وكثير الحركة في الفم عند النطق، وهو ينتقل من وضع إلى آخر.
قسَّمه علماء الأصوات إلى ثلاثة أقسام : أوَّل اللسان بما في ذلك طرفه أي رأسه، وَسَط اللسان، أقصى اللسان.
أما عضلات اللسان فمنها الداخلية الواقعة داخله بالكامل، بينما تربطه العضلات الخارجية بأعضاء الجسم الآخر؛ العضلات الداخلية تقلّب اللسان حسب الكلام أو البلع، فهي تجعله أطول أو أقصر، منحنياً أو مستقيماً.
أما العضلات الخارجية فترجع اللسان إلى أصله أو تحركه عبرَ الفم، وتبدأ من أماكن خارج اللسان وتمتد حتى اللسان لتلتصق به؛ أربعة أزواج من العضلات الداخلية وأربعة أزواج من العضلات الخارجية».
لقد خسر اللسان الرهان هذه الأيام في ظل تقنيات جديدة استبدلته بالأصابع التي لا تملك إمكانات خلقية وعضلية عالية، أصبحت لغة التواصل التي فرضتها التقنيات الجديدة مرتهنة إلى قدرات الإملاء والتهجئة التي يعاني منها شبابنا كثيراً.
فرضت الصمت على مجالس الحديث وحولته إلى دوي وصخب تصنعه الأصابع وتلهمه الكلمات المختزنة في الذاكرة اللفظية، وتقف فيه العينان برهق شديد لملاحقته والتمعن فيه بينما تتعطل الأذنان عن دورهما الأصيل بكل استعداداتهما وتفسيراتهما التعاضدية لمستوى الصوت وحدة الكلمات والتعبيرات المختزنة في الحلق.
اللسان في ثقافتنا العربية والإسلامية شديد الحساسية، إلى درجة أننا نملك خزينة ضخمة حول آداب الحديث وخطر اللسان على ديانة الإنسان، الصمت نفسه له فضيلة كبيرة ودلالات عميقة، اليوم كل شيء بدأ يتغير، إذ أصبح للأصابع دورها وللأزرار ألسنة ناطقة، والصمت أصبح ضجيجاً مستسراً في شاشات صغيرة قد تنقلك إلى عوالم من الصخب.


إعلامي وكاتب صحفي




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم،...

ماذا يخطر في بالك ( 5 ) ؟

هنا أنقل بعضاً من منشوراتي على صفحتي في ( الفيس بوك ) . راجياً لكم النفع والفائدة  . ضعف التقدير يقود إلى سوء التقرير . .................. كلما كان واقعك ثرياً وغنياً ، بارت بضاعة خيالك الواهم . …………… إذا أحببت شيئاً ثم التقيت به بعد غياب فكأن الروح ردت إليك بعد غيبة الموت ، أو العقل عاد بعد جنون ، أو الذاكرة استفاقت بعد غيبة . كل الأشياء الرمادية تسترجع ألوانها الزاهية ، والروائح الزاكية تستجرّ عنفوانها ، والمشاعر اللذيذة تستعيد عافيتها . ما يفعله الشوق بك من ذهاب العقل وغيبة الذاكرة وموات الروح ، يفعل بك الوصل أضعافه من الفرح والطرب والنشوة . لقد جُبل هذا القلب على الإلف بما يحبه والتعلق به حتى يكون بمثابة الطاقة الموصولة بألياف الكهرباء ، أو الزيت الذي يقدح النور ، والجمر الذي يستفز أعواد البخور . وإذا غاب المحبوب واستبد بك الشوق انطفأ نور الوجه وضاقت النفس وذهب الفرح حتى يعرف ذلك في حدة طبعك وانغلاق عقلك وعبوس وجهك ، فإذا التقى المحبوبان والتأم القلب عادت المياه لمجاريها وشعشع الوجه واتسع الثغر وانفرجت الأسارير . سبحان من خلق . ……………… إذا كنت...