التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هل يعتذر دعاة السعودية؟



نقد الصحوة وتناول تلك الفترة بمعاول المراجعة والتدقيق أصبح أمراً لازماً وهو قاعدة للانطلاق نحو مرحلة جديدة تنعتق من إسار الماضي وحمولاته السلبية.
العربعمر علي البدوي [نشر في 2013\12\18]
تعتبر لفظة “الصحوة” واحدة من الكلمات التي يتداولها السعوديون بغزارة على مستوى النخب والجماهير، إذ لا تكاد تقع واقعة اجتماعية أو سياسية على الصعيد الداخلي أو الإقليمي إلا وأطلت هذه اللفظة برأسها في معرض التهمة أو المحاسبة .
وحسب ويكبيديا: فإن الصحوة أو الصحوة الإسلامية حركة نشأت على يد العلماء السعوديين إبان حراكهم الدعوي في إشارة لإيقاظ الناس من غفوتهم . بدأ مصطلح الصحوة في الظهور في حقبة الثمانينات الميلادية على يد عدد من العلماء في ذلك الوقت من أمثال سلمان العودة في بريدة وعائض القرني في أبها وسفر الحوالي في جدة وناصر العمر وسعد البريك في العاصمة الرياض. لكن هذا المصطلح بدأ بالشيوع بشكل ملفت عندما بدأ بعض المشايخ بالتراجع عن بعض آرائهم حيث خففوا من حدة الطرح الذي كانوا يقدمونه.
وتواجه الصحوة اليوم حركة مضادة في السعودية يحمل لواءها الليبراليون السعوديون، ودائما ما يشن الليبراليون السعوديون هجومهم العنيف على الصحوة وفكرها وشخوصها جميعاً .
كما أن فترة الصحوة تعتبر مغرية للباحثين العرب والغربيين إلى جانب دراسات ومقالات محلية ونقاشات “تويترية” لا تكاد تهدأ أو تتوقف عن حجم الأثر الذي تركته هذه الفترة بكل حمولاتها الثقافية والاجتماعية وربما السياسية، على اعتبار أنها جاءت برؤية سياسية مفارقة للسائد في أطوارها الأخيرة.
وعنوان هذا المقال هو جزء من عنوان مقال سابق أدلى به واحد من الكتاب الصحفيين في واحدة من الصحف المحلية السعودية الشهيرة، ولم يقف حراك هذا المقال على صفحات تلك الجريدة بل تناولته مواقع الإنترنت وشاشات التلفزيون بالتناول والتداول وأعادت إنتاج الحديث الذي لا يغيب طويلاً عن المشهد عن إرث الصحوة وتبعاتها التي لا تتوقف .
ولعل نظرة واحدة في أكثر الهاشتاغات السعودية نشاطاً على تويتر تكفي لتبين أنها لا تكاد تخلو من التطرق إلى الأثر الذي تركته الصحوة على جانب من المجتمع، مثل قضايا المرأة والقاعدة والإصلاح والقضاء والتعليم والإعلام وكافة مجالات الحياة . أكثر ما تتهم به الصحوة هي عملية الانقلاب الاجتماعي الذي أحدثته في التكوين الذهني والنفسي للقطاعات الشعبية، بما جعلها ممتنعة على التحديث والتطوير وإفساد تلقائيتها وقدرتها على التجاوب مع المعاصرة والتقدم.
إذ تغلغلت ثقافة الصحوة في مفاصل المجتمع عبر توظيف قنوات التعليم والتأثير الجماهيري، وتفردت بصناعة جيل كامل امتلك حصانة ضدية تجاه كل جديد وحديث.
ورغم التحولات التي طرأت على بعض رموز الصحوة ومشاهيرها بما يصل أحياناً إلى درجة الانفتاح الكلي، غير أن المجتمع ما زال محتبساً في اللحظة الصحوية سيما وأن قطاعاً من الدعاة المؤثرين لم يغادروا المرحلة المنصرمة، وما زالوا يحافظون على تقاليدهم المتشددة، ويدلون بنفس الخطابات المفعمة بالعاطفة والسطحية في قضايا شائكة ومعقدة. فضلاً عن الآثار الجانبية التي زرعت على هامش المجتمع وحراكه الثقافي والاجتماعي مثل حملات التصنيف والتشهير وخلق دائرة من الأدلجة المغلقة التي تبتلع القضايا والحقوق في جدل بيزنطي ينتهي إلى الافتراق والشقاق، بالإضافة إلى تنازع المدارس الشرعية وسحب البساط من تحت العلماء التقليديين والنتائج السياسية التي أزعجت الدولة وتسببت لها في صداع وإيذاء كبيرين .
بنهاية عقد العشرية الصحوية شاءت بعض القطاعات الدعوية أن تتحول بفعل الزمن والتغير الاجتماعي إلى المرحلة اللاحقة للصحوة بما يساعد على التخلص من سلبياتها ومعالجة إشكالاتها وآثارها العكسية، ولكن موجة الإرهاب وتدخل القوى الدولية الخارجية لتصحيح أوضاع داخلية بحتة تتصل بالمناهج والحضور الديني في المجتمع السعودي، خلق أزمة تصادم وتبادل للتهم ودفع جزءاً من الصحويين للتخندق والاحتماء بقواعدهم التقليدية مما أفسد حفلة التطوير الطبيعي ونقلها إلى مستوى التشكيك والتخوين والممانعة، ولكن أحداً من الباحثين لا يلقي بالاً لتأثير هذا العامل ويعلق المسألة برغبة ذاتية للعناد والتحدي .
غير أن طرفاً من المهتمين يعيب على الكتاب والباحثين جرأتهم على رموز الصحوة وإنتاجها وتحفظهم عن نقد المكون السياسي والثقافي، إذ لا يرى من النافع ولا من العدل تحميل الصحوة المسؤولية الكاملة عن أخطاء المرحلة الماضية، ويرى أن النظام العام كان يسكت عن تمدد الصحوة في أطراف البلاد وأحشاء المجتمع دون تدخل وهو يملك مفاتح الحكم والأمر.
نقد الصحوة وتناول تلك الفترة بمعاول المراجعة والتدقيق أصبح أمراً لازماً وهو قاعدة للانطلاق نحو مرحلة جديدة تنعتق من إسار الماضي وحمولاته السلبية، وهناك قطاع لا بأس به من الصحويين الفاعلين تجاوزوا مسألة التشكيك في الناقدين بل يسهمون في نقدها وربما نقضها من الداخل، وفي المقابل يعتبر تحميل الصحوة فوق ما تطيق من المسؤولية التاريخية دون الإحاطة بالفاعل السياسي والدولي ربما يخلق آثاراً غير محمودة ويعيد إنتاج الأزمة من جديد.
كاتب صحفي سعودي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم،...