التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أمي .. السر الأخير !

إهداء لصديقي علي عبد الهادي الحسناني ، أنت مدعو هنا إلى حفلة بكاء مشترك !




















قلبي مختنق ، يشعر بكثير من الوجع .
صوتي يتجمل بالضحك وهو مثقل بالأنّات المكبوتة والآهات المبحوحة .
أعيش بلا أم ، ولولا أصدقاء رائعون وإخوة مميزون لاستعجلت الموت وانضممت إلى رفقاء البرزخ .
أتوكأ على أمل ( عسى أن ألقاك في الجنة ) وتجمعنا دار الأبرار كما جمعتنا هذه الدنيا الضنينة بالفرح المكتظة بالآلام .

ما زلت وفياً يا أمي لك ، ولأيامك البيضاء التي انطوت ، وانطفأ معها ضياء الحياة ووهج الأيام ، حتى غدا النهار أقل وضوحاً والمساء أكثر عتمة .
ما زلت وفياً للونك القمحي ، ولم أحدث فيه ما فعله المتنكرون .
ما زلت وفياً لرائحتك التي تسكن سجادتك ( العودية ) والشرشف الأحمر ، وعباءتك السوداء .
ما زلت وفياً للغتك القروية ، رغم كل التهم بالرجعية والركاكة ، ما زلت أخاطب بها علية القوم وسقطهم .
ما زلت وفياً لطريقة عيشك البسيطة ، وتفكيرك المصطبغ بالإيمان ، وتسامحك الكبير مع الأغيار ، والتنازل عن حظ نفسك ، والاهتمام بقلوب الآخرين لكأنها أواني من زجاج .
ما زلت وفياً لعداواتك القديمة ، لكل رجل لا يصلي أو لا يحترم زوجته ، لكل امرأة فاسدة تهتم باتصالاتها أكثر من شأن زوجها وحاجة أولادها ، أكره بشدة ذلك العامل الهندي الذي يستغل خادمات الحي .
ما زلت وفياً لتحفظاتك تجاه بعض الأقارب المترعين بالمجاملة ، الذين يختبئون خلف ابتسامة باهتة بينما تبرق في أبصارهم حقيقة تتصبب حقداً وكراهية .

لم أتمرد على طفولتي ، لم أتقمص دور الرجل الفحل الذي يدعي تحمل المسؤلية والخروج من عباءة أمه ، لن أزعم مطلقاً أنني أصبحت معنياً بنفسي أكثر منك ولو بلغت الكهولة .

أنا في صراع دائم مع جنود النسيان التي تريد أن تعصف بي ، وأن تقتلع حيزاً كبيراً تشغلينه في ذاكرتي .
أصدح بضحكة منزوعة الدسم حتى لا يخرج معها الشعور بالاحتياج إليك ، أغالب مارد الحزن بغيابك الذي تكوم في داخلي ليبقى فترة أطول ، أقدم له ما يغريه بالبقاء ويحرضه للإقامة طويلاً .
لا أحتفل بكل الداخلين في حياتي ، فإنهم غير مؤهلين لاحتلال مكانك ، مهما تظاهروا بالحب وتوشحوا بالوفاء .

لم أتصرف يوماً وكأنك غير موجودة في الدنيا ، دائماً أتخيل حضورك رغم غيابك الصارخ .
لا أكذب إلا قليلاً ، لأنني كنت المصدق لديك .
لا أخون قلباً صادقاً ، ولا أعيش بعيداً عن أخواتي لأنهم وصيتك الأخيرة .
ودائماً أرفع بصري إلى السماء ، أتشبع من رحابة الفضاء عندما تضيق الوسيعة ، أتنفس عبق الرحمة الربانية عندما تتوحش صدور البشرية .

أمي ماتت غير كانزة لمال ولا قابضة على ثروة ولا تاركة وراءها سوى صندوقها الذي تحتفظ به أختي التي تشبهها كثيراً .
صندوق أسود كئيب جالب للحزن ، والحزن هنا عمل شريف لأنه يستدعي صورة أمك ، تفوح منه رائحة الطيب الزاكي ويمتلئ بشراشفها الرقيقة التي تلبسها عند الصلاة وعند الصباح وفي الخروج .
ما قبضت أمي في حياتها راتباً لها ، ولا جرت في يدها مبالغ طائلة ، ولا تعرف من شأن الدنيا سوى أن ينام أبناؤها متخومة بطونهم ولو بأطباق الجبنة الرطبة .

عموماً لعلي أكتب هنا حرفاً لأستحضرك قليلاً ، ثم تسمعين سرّي الأخير قبل أن أغادر بلاطك الطاهر : أصبحت أذهب إلى المسجد في ظلمة الفجر ، وحدي !
ابنك اليوم بلغ الثالثة والعشرين وهو عاقد العزم على بلوغ النجاح الذي نسجنا خيوطه في صفحة الأماني المجّانية .
إنك لا تغادرين دعاءه الملحّ إلى ربه ، أن يغفر لك ، ويرحمك ، ويكتبك في علّيين ، لأنك صنعتِ منه رجلاً حقيقياً .
عندما أتقدم خطوة نحو النجاح أشعر بالحاجة لتقبيل رأسك على كل لحظات التعب التي بذلتيها بصدق وإخلاص .
أصوات التصفيق التي تصخب حول أذنيّ ، أشعر دائماً أنها صدى لكلماتك الصادقة وأنتِ تهمسين بالنصح والتوجيه بشفقتك الرقيقة .
إنك تستحقين كل كلمات الثناء التي طرزت مسامعي ، كثيراً ما تتحول إلى صخب من الامتنان في داخلي لك ، وليس لسواك قط .
يخنقني الشعور بأنني عاجز عن مكافأتك ، ولو بخبر نجاحاتي التي تنهمر بفضل تربيتك ، لولا أنني أتذكر رحيلك إلى رب كريم ، رحيم ، وعنده الجزاء الأوفى !


أحنُّ إلى خبزِ أمّي
وقهوةِ أمّي
ولمسةِ أمّي
وتكبرُ فيَّ الطفولةُ
يوماً على صدرِ يومِ
وأعشقُ عمري لأنّي
إذا متُّ
أخجلُ من دمعِ أمّي

خذيني، إذا عدتُ يوماً
وشاحاً لهُدبكْ
وغطّي عظامي بعشبِ
تعمّد من طُهرِ كعبكْ


وشدّي وثاقي..
بخصلةِ شَعر..
بخيطٍ يلوّحُ في ذيلِ ثوبكْ
إذا ما لمستُ قرارةَ قلبكْ!

ضعيني، إذا ما رجعتُ
وقوداً بتنّورِ ناركْ
وحبلِ الغسيلِ على سطحِ دارِكْ
لأني فقدتُ الوقوفَ
بدونِ صلاةِ نهارِكْ
هرِمتُ، فرُدّي نجومَ الطفولة
حتّى أُشارِكْ
صغارَ العصافيرِ
دربَ الرجوع..
لعشِّ انتظاركْ..

* القصيدة للشاعر الفلسطيني محمود درويش .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم،...

ماذا يخطر في بالك ( 5 ) ؟

هنا أنقل بعضاً من منشوراتي على صفحتي في ( الفيس بوك ) . راجياً لكم النفع والفائدة  . ضعف التقدير يقود إلى سوء التقرير . .................. كلما كان واقعك ثرياً وغنياً ، بارت بضاعة خيالك الواهم . …………… إذا أحببت شيئاً ثم التقيت به بعد غياب فكأن الروح ردت إليك بعد غيبة الموت ، أو العقل عاد بعد جنون ، أو الذاكرة استفاقت بعد غيبة . كل الأشياء الرمادية تسترجع ألوانها الزاهية ، والروائح الزاكية تستجرّ عنفوانها ، والمشاعر اللذيذة تستعيد عافيتها . ما يفعله الشوق بك من ذهاب العقل وغيبة الذاكرة وموات الروح ، يفعل بك الوصل أضعافه من الفرح والطرب والنشوة . لقد جُبل هذا القلب على الإلف بما يحبه والتعلق به حتى يكون بمثابة الطاقة الموصولة بألياف الكهرباء ، أو الزيت الذي يقدح النور ، والجمر الذي يستفز أعواد البخور . وإذا غاب المحبوب واستبد بك الشوق انطفأ نور الوجه وضاقت النفس وذهب الفرح حتى يعرف ذلك في حدة طبعك وانغلاق عقلك وعبوس وجهك ، فإذا التقى المحبوبان والتأم القلب عادت المياه لمجاريها وشعشع الوجه واتسع الثغر وانفرجت الأسارير . سبحان من خلق . ……………… إذا كنت...