التخطي إلى المحتوى الرئيسي

القنفدة في قلب سوق عكاظ


غير بعيد عن هذه البقعة درج عرب هذه الجزيرة وهم في طريق الجيئة والذهاب من اليمن والشام ، وعلى هذا الثرى المعجون بدماء آبائنا وبقاياهم الراسخة تقاطرت الأقدام التي حملت أجسادهم ومن فوقها عقولهم التي أنجبت قلائد القصائد التي تعادل أوزان الذهب ، وأنتجت ملاحم للبطولة والرجولة والشهامة كانت بمثابة السبق لمن لحق ، والأصل لمن تفرع ، والنبت لمن أورق بعد ذاك .

إنه سوق عكاظ ، نشم عبق التاريخ من ثنايا يومياته ، ونتشوف شيئاً من لمح الماضي المجيد الذي يختزن ذكريات الإباء للأوائل من الآباء عبر هذه المناسبة السنوية السعيدة .

إنها عبقرية نابغة ، تلك التي أنبتت هذه الفكرة النبيلة ، وأحيت هذه التظاهرة التي تستدعي تاريخنا الزاخر بالمجد والسؤدد ، إلى حاضرنا المتشوّف لمستقبل ناضج ومتين ، توجبه عظمة ذلك التاريخ الذي يتبدى من هنا ، بعد أن بدأ من هنا .

تشارك محافظة القنفذة في فعاليات مهرجان عكاظ بمدينة الطائف لأنها تقع في النطاق الإداري الذي يجمعها بجدة ومكة والطائف ، القنفذة تحمل على عاتقها مسؤولية تاريخية لا تقل وزناً ولا معنى عن ذلك التاريخ العكاظي المجيد والعهد العروبي البعيد .

وحسب ويكيبيديا فقد ” نشأت مدينة القنفذة في بداية القرن الثامن الهجري وتحديدا في عام 709هـ وفقا للمصادر التاريخية ، ومنذ أقدم العصور كان الشريط الساحلي الشرقي الموازي للبحر الأحمر من الطرق البرية المشهورة التي ترتاده قوافل التجارة البرية من اليمن إلى الشام وبالعكس محملة بأصناف التجارة العالمية، وقد سميت سابقا بـ(البندر) من قبل العثمانيين والتي تعني (السوق) باللغة التركية.

كما أن ميناء القنفذة كان من الموانئ المهمة على ساحل البحر الأحمر حيث ساهم في استقبال السفن الكبيرة المحملة بحاصلات اليمن والشام.

وعن طريقه تم تصدير حاصلات هذه البلاد الوفيرة إلى خارج المنطقة ومدنها المجاورة مثل جده ومكة المكرمة كما أن هذا الميناء من الموانئ التي كانت ترتاده السفن اليونانية والرومانية للحصول على الذهب الذي يوجد في هذه (المنطقة) على بعد 75 كيلاً غرب مرسى حلي وقد نشط ميناؤها بحكم موقعه الإستراتيجي ولعب دوراً كبيراً في إثراء الحياة التجارية والتموينية لبعض مدن تهامة وخاصة مكة المكرمة قبل الفتح السعودي لمدينة جده حيث استمرت قوافل التجارة والحج منها إلى مكة المكرمة وقوافل التجارة البحرية حتى بعد استيلاء القوات السعودية على جدة ، وكان ميناؤها يستقبل حجاج جنوب الجزيرة العربية وحجاج جنوب شرقي آسيا وخاصة حجاج الهند ” .

القنفذة تقدم مجموعة من فنونها الشعبية والفلكلورية لتساهم في إنجاح هذه المناسبة السعيدة والفكرة الوليدة ، وحصلت خلال النسختين الأولى والثانية من هذا المهرجان على جائزة المركز الأول في مسابقة الفنون الشعبية التي تنظم على هامش مهرجان سوق عكاظ .

أتمنى أن تتطور مشاركة هذه المحافظة المترعة بالتاريخ إلى ما هو أبعد من ذلك ، أن تستفيد من وجود ذلك الزخم الإعلامي والتدفق الجماهيري على ليالي المهرجان بإبراز الجوانب التاريخية والتراثية والثقافية التي تتمتع بها محافظة القنفذة تاريخياً وحاضراً ، وأن تنقب عن بعض ملامحها الضاربة في أعماق الماضي وتستدعيها من جديد إلى إنسان هذا الزمان ، إن لدى القنفذة من التاريخ والشواهد ما يستحق أن يلتفت إليه ويقصده الناس بغرض الاطلاع عليه والسياحة فيه .

وإذا ما استثمر رجال القنفذة هذا الجانب وفي مثل هذه المحافل العالمية ذات الشعبية الواسعة فإنه سيعود على مرافقها السياحية بالنفع الكبير ، سيما وأن القنفذة تراهن على هذا الجانب ، وتقدم نفسها للناس مواطنين ومقيمين كونها وجهة سياحية بحرية محظوظة برضى الناس وإعجابهم .

كما أن توسيع مشاركة القنفذة من مجرد استعراض راقص إلى نصب خيمة تعريفية بالمحافظة وجوانبها التراثية والثقافية والحضارية – مثلاً – سيساعد في رفع وتيرة الحراك التنموي والعمراني للمحافظة ، وهو آخذ في التطور والتبلور ويحتاج إلى كثير من الحفز الإعلامي الذي تقع مسؤوليته على أهالي المحافظة وعبقريتهم في استثمار مثل هذه المناسبات لمد جسور من التواصل الفاعل للتعريف والتشريف .

وأنا أتجول في جوانب هذا السوق واستمع لأوبريت المهرجان ، كانت تتصدر ” القنفذة ” قائمة المناطق الإدارية التابعة لمكة المكرمة ، يتغنى بها المطرب السعودي عبد المجيد عبد الله الذي تربطه بالقنفذة وشائج صلة متينة ، ويدور في مخيلتي الكثير مما نستطيع القيام به من أجل تفعيل أمثل وأفضل لمثل هذه المشاريع في خدمة المحافظة والتعريف بها وخدمة أهلها والارتقاء بحاجاتهم ، تنتظر فقط عزيمة الرجال وإصرار المخلصين لنحتفل بالنتائج معاً.

عودة الأمير خالد الفيصل إلى كرسي إمارة منطقة مكة المكرمة بعد التشكيلة الوزارية الجديدة التي استحدثها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ، ستصب لا شك في خدمة الطموح السياحي للمحافظة سيما وأن رجلاً بخبرته وحماسه للعمل من واقع تجربته القصيرة في إمارة العاصمة المقدسة سيكون عوناً على تحقيق ذلك الطموح الذي تتشوف له القنفذة ، إن عودته مكسب وطني ومناطقي على حد سواء ، ونحن نستبشر بعودته من جديد لقيادة دفة هذه المنطقة التي ينتظرها عهد جديد من السعي نحو العالم الأول .



الرابط : 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...